مصر تتحدث عن نفسها المقاولون العرب وقصة ترميم أشهر آثار عصر المماليك "مجموعة السلطان قلاوون الأثرية"
القاهرة التاريخية .... على أرضها تسكن وتتعانق حضاراتنا المصرية القديمة من فرعونية وقبطية وإسلامية شاهدة على عصور الإزدهار والتقدم .... والذى تشتم فيه عبق وعظمة حضارتنا القديمة والتى تتحدث عن نفسها بآثارها الشامخة في متحف مفتوح للزائرين والمهتمين بالآثار على مر العصور خاصة العصر المملوكي الذي يعتبر بحق طرازاً فريداً في العمارة الإسلامية، وما خلفه سلاطين المماليك من جمال الزخرفة ودقة البناء وضخامته .ووسط كنوز الآثار الإسلامية التي يزخر بها شارع المعز لدين الله الفاطمي في قلب القاهرة التاريخية، تقف مجموعة السلطان قلاوون شامخة وشاهدة على عظمة وروعة المعمار في العصر المملوكي تلك التحفة الفنية النادرة التى تخطف الأبصار من شدة لمعانها .
كثيراً وإن لم يكن دائماً أرتبط اسم شركة المقاولون العرب بالقيام بالمشاريع الناجحة التى تؤدى إلى اللحاق بركب التفوق الذى يوصلنا إلى التقدم الحضارى ,وذلك فى جميع المجا?ت والمشاريع والتى تضاف إلى قائمة نجاح الشركة باشتراكها أو تنفيذها لتلك المشاريع , و? سيما مشاريع الترميم المختلفة التى قامت بها شركة المقاولون العرب والتى أضافت إلى قائمة أعمال الشركة الناجحة مجال أخر وهو ترميم وصيانه الأثار للحفاظ على تراثنا التاريخى الأثرى , وعلى سبيل الذكر وليس الحصر مشاريع ترميم وصيانة الأثار مثل مجموعة السلطان المنصور قلاوون , مسجد جمال الدين الأستادار , مسجد السلطان حسن والرفاعى , مشروع نقل تمثال رمسيس , كنيسة مار جرجس وحصن بابليون ليكتمل لدينا التميز والتنوع فى المشاريع التى قامت بها الشركة من ترميم الأثار الاسلامية والفرعونية والقبطية .
وفى هذا العدد الأول سوف نقوم بعرض نبذه تاريخية عن مجموعة السلطان قلاوون وهى بداية لظهور طراز معمارى جديد وهو ما يعرف باسم المجمعات المعمارية والتى تشتمل على أكثر من وحدة معمارية مختلفة وسوف نتعرف على التكوين المعماري لأجزاء المجموعة الأثرية ذات الطابع الخاص والموقع المتميز وهو شارع المعز لدين الله الفاطمى والذى نأمل جميعاً فى تحويل هذا الشارع الأثرى بما يزخر به من أثار مختلفة فى الأصل التاريخى ومتفقة فى كونها لها أهمية أثرية وتاريخية فى العالم الأسلامى بأسره إلى شارع تاريخى متميز يليق بما يزخر به من عبق التاريخ .
وهنا نتسائل من يكون السلطان المنصور قلاوون؟ ولماذا اختار السلطان قلاوون هذا الموقع لبناء مجموعته ؟ وما هى العناصر المختلفة التى تتكون منها هذه المجموعة ؟ ولماذا أخذت هذه المجموعة كل هذه الشهرة هل لموقعها أم لأصلها التاريخى أم لأهمية صاحبها وهو السلطان المنصور قلاوون؟ وهنا تأتى الإجابة
يعتبر السلطان المنصور سيف الدين قلاوون من أعظم شخصيات عصر سلاطين المماليك بصفة عامة , وعصر المماليك البحرية بصفة خاصة, ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى أمور عدة فمن جهة كان هذا السلطان رأس أسرة حكمت مصر والشام وغيرها أكثر من قرن من الزمان إذ يبدأ حكم أسرة قلاوون به هو نفسه فى سنة 678 هـ/ 1279 م وينتهى بالسلطان حاجى سنة 784 هـ / 1382 م .وهوالسابع من ملوك الترك وأو?دهم ولم يرد فى المصادر ذكر تاريخ مولده وكل ما ورد بشان هذه المرحله الأولى من حياته هو أنه جلب إلى مصر صغيراً وذلك بعد أن استولى المغول على بلاده 640 هـ /1242 م, وفى مقوله أخرى أنه جاء إلى مصر كبير ومن ثم كان معجم اللسان ? يكاد يفصح بالعربية ويضاف إلى سيرته أنه جد السلطان حسن صاحب أعظم منشاة إسلامية على وجه الأرض وهو مسجد السلطان حسن فى منطقة القلعة, تولى السلطان قلاوون حكم مصرسنة 678 هـ /1279 م حلف له الأمراء وأرباب الدوله وهو الملك المنصور سيف الدين قلاوون بن عبد الله التركى الألفى العلائي الصالحى النجمى .وتمثل المجموعة نمطاً جديداً فى التصميم حيث احتوى البناء على مدرسة وضريح وبيمارستان مجمعه حول عصب رئيسى( عنصر الربط بين أجزاء المجموعة الثلاثة) عبارة عن ممر مسقف بسقف خشبى بعرض حوالى خمسة أمتار ويقع على جانبيه المدرسة والضريح وفى نهايته البيمارستان " هذه المجموعة الهائلة كان قد استغرق بنائها حوالى أربعة عشر شهراً فقط وهو ما جعل بعض المؤرخون يشكون فى ذلك لعظمة المنشأة وكبر مساحتها حيث يبلغ مسطح المدرسة( حوالى 25,00 × 55,00 مترا ) ومسطح الصحن (17,00 × 20,50 مترا) ونسبة مسطح الصحن إلى المسطح الكلى (1 :3,95 ) ومسطح الضريح حوالى ( 27 × 41,00 ) متر.
مدخل مجموعة السلطان قلاوون
سبب أختيار هذا الموقع لبناء المجموعة الخاصة بالسلطان قلاوون
شيدت مجموعة السلطان قلاوون على موقع فى غاية الأهمية حيث ذكرت حفائر هيئة الأثار فى مارس 1971 عن وجود بقايا قاعة من قاعات القصر الغربى الفاطمى الصغير والتى تعرف بقاعة ست الملك ابنة الخليفة الفاطمى العزيز بالله واختار قلاوون هذا الموقع لبناء مجموعته وذلك للأهميه القصوى لهذا الموقع من الناحية السياسية بالإضافة إلى قربه من منشآت الصالح نجم الدين أيوب والظاهر بيبرس ( الرموز السياسية فى عصره ) والموقع يطل على أهم الفراغات العمرانية فى الحياه العامة فى مدينة القاهرة وليكون تخليداً لذكراه حيث أن أسم المنشأ إرتبط بعد ذلك بالبيمارستان كمؤسسه خيرية باسمه ليعضد من قوته السياسية فى حياته ومكانته فى التاريخ بعد مماته.
العناصر االمعمارية المختلفة االتى يتكون منها مجموعة السلطان قلاوون
المدرسة هى عبارة عن منشأة فى العمارة الاسلامية وأطلقت على المبنى الأثرى الإسلامى الذى يستخدم فى أداء الصلاة وتدريس الفقه فى المذاهب الفقهية الأربعة, و بالنسبة لمدرسة السلطان قلاوون كانت تقوم بتفسير القرآن الكريم ودراسة الأحاديث النبوية والدور العلوى للمدرسة كان يستخدم لسكن الطلبة القادمون لدراسة الفقة والمذاهب الأربعة.
وترجع أهمية موقع هذه المدرسة فى إظهارها للناظرين واتصالها بالحياة العامة للمدينة وذلك بالرغم من البروز الكبير فى واجهتها عن واجهة الضريح ويبدو أن هذا البروز سببه معطيات الموقع السابق للبناء الدار القطبية , وقد يكون أيضاً للتأكيد على المدخل الرئيسى للمجموعة , فلو كان هذا البروز لإضفاء أهمية على واجهة المدرسة لكان بالمعالجة المعمارية أو الزخارف ما يشير لذلك ولما كان يوضع بهذه الواجهة حوض لشرب الدواب, فقد كانت وظيفة المدرسة إسكان الطلبة والمدرسين وتوفير مكان لصلاتهم,أما كل الوظائف الأخرى فقد كانت تتم بنفس القدر إن لم يكن بقدر أكبر فى الضريح , حيث يقول المقريزى :
" .... وقرر فى القبة خمسين مقرئاً يتناوبون قراءة القرآن ليلاً ونهاراً ورتب اماما راتباً وجعل بها رئيسا للمؤذنين عندما يؤذنون فوق منارة ليس فى أقليم مصر أجل منها ورتب بهذه القبة درساً لتفسير القرآن
فيه مدرس ومعيدان وثلاثون طالباً ودرس حديث نبوى وجعل بها خزانة كتب وستة خدام طواشية لا يزالون بها ...." .
بيمارستان السلطان قلاوون:
تعنى مستشفى وأصلها فارسى وكانت تستخدم فى العلاج ثم صارت كلمة مورستان او مارستان تعنى مآوى للمجانين,وتعتبر بيمارستان قلاوون أقدم مستشفي بمدينة القاهرة بل هو أشهر نماذج هذا النوع من المبانى فى الإسلام كله ، كما يعد البيمارستان المنصورى علامة حضارية مميزة لعصر سلاطين المماليك بعامة ولعهد السلطان قلاوون بخاصة وقد أشاد به جميع المؤرخين والرحالة العرب والأجانب منذ إنشائه حتى بدايات القرن الحالى0 وقد غلب اسم البيمارستان على المجموعه لأنه كان السبب فى إنشائها , و كان البدء فى عمارة البيمارستان المنصورى طبقاً لما ورد فى النص التأسيسى المنقوش على عتب الباب الرئيسى فى شهر ربيع الآخر (683 هـ / 1283 م) والفراغ منها فى جمادى الأولى سنة ( 684هـ / 1284م). ( والنص التأسيسى لوحة تحتوى على أسم المنشأ وتاريخ الإنشاء وتوضع على واجهة الأثر الإسلامى فى مدخل الأثر )حيث ورد بالنص التأسيسى ما نصه " (أمر بإنشاء هذه القبة الشريفة المعظمة والمدرسة المباركة والبيمارستان المبارك مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنياوالدين قلاوون الصالحى وكان بداية البناء فى ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة).
يتكون البيمارستان من قاعة كبرى وأربع قاعات متفرقة ومطبخ وبيوت , وكانت القاعة الكبرى تتكون من دورقاعة وسطى تحيط بها أربعة إيوانات ازدانت بشتى أنواع الزخارف الخشبية والجصية والرخامية , ولا تزال بقايا هذه الزخارف المتمثلة فى النوافذ والقمريات كما انه تثبت فى ذات الوقت أن زخارف البيمارستان لم تكن أقل روعة وبهاء من زخارف كل من القبة والمدرسة. وخصص فراش مستقل لكل مريض كذلك عين للمستشفى عدد ملحوظ من الأطباء والصيادلة فضلاً عن الممرضين والممرضات لخدمة المرضى وغسل ثيابهم وأنشأ مطبخ كبير لتجهيز طعام المرضى , وكان بكل إيوان من إيوانات البيمارستان السابقة الذكر( سلسبيل) يجرى ماؤه الى فسقية تتوسط الفناء يتعطر ماؤها خلال الأعياد بعبق الورود .وكان هناك عزف للموسيقى عند تشغيل النافورة والتصميم المعمارى كان يراعى فيه أن غرف المرضى كانت تطل على هذه النافورة . ولم يشيد هذا البيمارستان لخدمة طبقة معينة من الناس بل وقفه السلطان قلاوون على " الملك والمملوك والكبير والصغير والحر والعبد " ولم يكن يصرح للمريض بمغادرته إلا بعد أن يتم شفاؤه فيمنح إعانة وينعم عليه بكسوة ولم يمارس هذا البيمارستان نشاطه بين نزلائه من المرضى فحسب بل امتدت خدماته إلى المرضى فى منزلهم.
( والضريح أو القبه هو مكان الدفن فى بعض البلدان الإسلاميه ) يشكل العنصر الأكثر ظهوراً بالمجموعة , حيث يحتوى على القبة والتى قارنها الكثير من مؤرخى العمارة الإسلامية بقبة الصخرة لضخامتها ونظامها الإنشائى الفريد وزخارفها البديعة.
ويضاف إلى ذلك أنها – مع المئذنة – تهيمن على شارع المعز للقادم من تقاطع شارع التمبكشية , أى أنها تشكل محطة رئيسية فى المواكب السلطانية والمواكب الرسمية الأخرى , ومما يؤكد هذا الرأى أنه كان من المنطقى أن تكون المدرسة هى العنصر الذى يلتصق بالمئذنة – وليس الضريح – لإرتباط وظيفة المئذنة بالمدرسة وليس بالضريح فبنى المعمار المئذنة فى أهم موقع للناظر للمجموعة, وأكد على أهمية المئذنة ببنائها بضخامة ونوعية من الزخارف بشكل غير مسبوق فى مآذن القاهرة, وبدلاً من أن يبنى المدرسة ملتصقة بالمئذنة استأثر بهذا الموقع المهم للضريح.
ومن مظاهر الإهتمام الشديد بوصل الضريح بالحياة العامة فى شارع المعز الممر الطويل ذو التصميم المعقد الذى يوصل الشباك الشرقى بالحائط الشمالى للضريح بالشارع، حيث يقول المقريزى :
" وفى هذه القبة أيضاً قراء يتناوبون القراءة ( قراءة القرآن ) بالشبابيك المطلة على شارع طول الليل والنهار ..... "
أما أوضح الدلائل على أن الضريح هو العنصر الأهم فى مجموعة قلاوون بدون منازع هو ما ذكره المقريزى من أنه :
"يوضع ما يتحصل من مال أوقاف المارستان بهذه القبة تحت أيدي الخدام …"
بناء كأن النحل هندس شكله * ولانت له كالشمع فيه الصخور
بناها سعيد فى بقاع سعيدة * بها سعدت قبل المدارس نور
ومن حيثما وجهت وجهك نحوها * تلقتك منها نضرة وسرور
إذا قام يدعو الله فيها مؤذن * فما هو إلا للنجوم سمير
شرف الدين البوصيرى
فى مدح المدرسة المنصورية
( ذكره المقريزى فى الخطط ,ج2,ص408)
وفى العدد القادم
سوف يتم عرض خطوات مشروع الترميم و الصيانة لمجموعة السلطان قلاوون وفلسفة الترميم والحفاظ على هذه المجموعه الأثريه ذات الطابع الخاص والمتميز مع توضيح عرض لخطوات الترميم الإنشائى والتخطيط العمرانى للأثر والمنطقة المحيطة به وما تم من تجديد لشبكات المرافق العامه للأثر من صرف صحى ومياه شرب وشبكة الكهرباء وما تكلفه هذا المشروع الضخم من وقت ومجهود حيث انه أستغرق العمل به حوالى ثلاث عشر سنه و تكلفة هذا المشروع تبلغ حوالى 80مليون جنيه وقد قامت شركة المقاولون العرب بالإنتهاء منه وإتمامه على أكمل وجه .
مع تحيات قسم عمارة المباني التراثية بإدارة الإستشارات الهندسية