هواة جلد الذات
من الأمثال الشعبية الشائعة التى تعنى أن الكثيرين منا يفضلون الأجنبى عن ابن الوطن فى معظم الأحوال : الشيخ البعيد سره باتع ، وزمار الحى لا يطرب ، بمعنى أننا نرى أن الشخص الذى يأتينا من بلاد الغرب أفضل من ابن البلد وهؤلاء يضعون المبررات لذلك ، مثل الخبرة والتطور والإطلاع على أحدث أساليب العلم والتكنولوجيا ، وأن أبناء الغرب يعرفون مالا يعرفه أبناء البلد ، حتى مرتبات البعض منهم تصل إلى أرقام كبيرة لها عندهم مايبررها مثل : أن هذه هى أسعارهم ، وأن هؤلاء الخبراء مطلوبون فى العديد من الدول العريبة والأجنبية ، ونجد حججاً كثيرة تدعم الخبرة الأجنبية على أبنائنا .
وأرى أن عندنا فى مصر الكثير من النماذج المشرفة فى كل الميادين ، وأنهم يفوقون أبناء الدول الأجنبية مثل الدكتور مجدى يعقوب أشهر أطباء القلب فى العالم والدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل فى العلوم والأديب العالمى نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل فى الأدب وفضيلة الشيخ متولى الشعراوى صاحب الخواطر الإيمانية الرائعة فى تفسير القرآن الكريم والدكتور ذهنى فراج طبيب القلب العالمى والدكتور العالم محمد غنيم أستاذ زراعة الكبد بالمنصوره وهناك العديد من النماذج المشرفة ـ التى لا يسمح المقام بذكرها ـ التى تؤكد أن فى مصر خبرات ورجالاً يشرٌفون وطنهم بعملهم ، ولا داعى لأن نقلل من أنفسنا ونستعذب جلد الذات وتسفيه كل قيمة وكل نموذج مشرف فى أى مجال .
إن السلف عندما رددوا هذه الأمثلة كانوا يسخرون من فكرة الإهتمام بالأجنبى واحترامه أكثر من ابن البلد وأننا نشيد بكل ما يقوله من باب أنه أجنبى وأنه خبرة وأنه يفهم أكثر منا ويعرف مالا نعرفه .
وهذا كلام يبخس المواطن المصرى حقه لأننا بالفعل أصحاب حضارة ونعرف جيداً أن العامل المصرى من أمهر عمال العالم ولكن يجب أن نعطيه حقه ونوفر له المناخ الجيد "أقصد بالعامل كل صاحب مهنة" .
والشواهد على ذلك كثيرة فأبناؤنا عندما يذهبون إلى الخارج ليعملوا أو يستكملوا دراساتهم كتحضير رسائل الماجستير والدكتوراه ، فإنهم يتميزون ويثبتون أنهم أبناء أعظم حضارة عرفها التاريخ بدليل أن البعض منهم يُعرض عليهم البقاء فى تلك الدول نظراً لما أبدوه من مهارة وتفوق وتميز فى دراساتهم .
إننا يجب أن نثق فى أنفسنا وفى أبنائنا ولا نعلى من شأن الآخرين أكثر من اللازم بل نعطى كل ذى حق حقه . وليس عيباً أن نتعلم من الخبرة الأجنبية ولكن العيب أن نبقى تابعين لهم دائماً ، ولا داعى من أن نحقر من بعضنا لمجرد الحقد على إنسان تميز وتفوق وحقق مالم يستطع غيره أن يحققه .
وتأكيداً لذلك أننا عندما انتصرنا فى حرب أكتوبر 1973 ردد البعض ـ من هواة جلد الذات ـ أن هذا النصر تحقق بعد الاتفاق مع أمريكا لأننا لا نستطيع أن نهزم إسرائيل ونطردها من أرضنا ، وهذا اتهام باطل يؤكد أننا نستعذب التقليل من قدراتنا ونسعى دائماً أن نمحى كل قيمه وكل جهد وكل عطاء لأبناء هذا البلد .
إننا فعلاً أصحاب حضارة وبالفعل قادرون على تحقيق النجاحات فى كل المجالات ، لو وثقنا فى أنفسنا وفى بعضنا وتفرغ كل منا لعمله وترك الآخرين يعملون .
أتمنى أن نتعلم ... وألا نقذف كل شجرة مثمرة بالحجارة .
بقلم : جمال أبو الإسعاد
مدير الإعلام سابقاً