الإحسان
يقول الحق تبارك وتعالى : " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" , ويقول الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام : " إن الله كتب الإحسان على كل شئ , فإذا كان الإحسان أمراً إلهياً وهدياً نبوياً فعلى المرء أن يعرف معنى الإحسان حتى يمكنه الإتيان به على الوجه الذى يريده المولى – عز وجل – ورسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم , فالإحسان يعتبر من الفضائل الخلقية التى لا توجد إلا لدى الصفوة من ذوى النفوس السامية .
عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله ( هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ومن المعانى اللغوية والإصطلاحية للإحسان :
- أحسن إلى فلان : أى أنعم عليه وأكرمه وصنع الجميل به .
- أحسن العمل : أى أتقنه وجوده , أتى بالفعل على وجه الإتقان والإحكام وصنع الجميل .
مما يزيد معنى الإحسان توضيحاً أنه مرتبط بفضائل خلقية أخرى منها : الشفقة والإنعام , فإن الله – سبحانه وتعالى – يتجاوز حدود العدل مع عباده ويحسن إليهم شفقة منه عليهم , فهو – عز وجل – المحسن الحقيقى إذ أن أفعاله كلها حسنة وصنائعه جميلة , أما إحسان الإنسان فيكون لنفسه , وإنعامه يكون لغيره .
يقول الحق تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) والإحسان هنا بمعنى الإتقان , فهو سبحانه وتعالى – قد أحسن كل شئ خلقه لقوله – عز وجل : " صنع الله الذى أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون " أى أحسنه وأتقنه وجمله وجعله بديعاً فى هيئته ووظيفته على حسب ما تقضيه حكمته – جل جلاله , وفى ذلك يقول المصطفى – عليه الصلاة والسلام : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " . وكما قال ابن القيم (رحمه الله) : إن الله يحب أسماءه وصفاته كما يحب ظهور آثارها على العبد , فهو جميل يحب الجمال , كريم يحب أهل الكرم , أحسن كل شئ وأتقنه فيحب من العبد إذا عمل عملاً أن يحسنه ويتقنه , وهذا يشمل أعمال الدنيا وأعمال الآخرة , وفى ذلك يقول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم : " الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن " وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان على المسلم , فالمسلم مطالب بالإتقان فى أعماله التعبدية والمعيشية إحكاماً وتحسيناً وتجويداً وإتقاناً . ومن أراد تحصيل العلم فلا بد له فيه من الإتقان والإتقان يأتى بالفهم والتدبر ومراجعة الحفظ والمطالعة والتدبر والمذاكرة , ويتحقق الإتقان فى طلب العلم بالبدء بالأسس والقواعد , قبل الفروع , فمن طلب العلم جملة ذهب عنه جملة , إن المسلم مطالب بتحسين عمله وإتقانه لينال رضا الرب – عز وجل – وليستطيع مواكبة متطلبات العصر فى التخطيط والتنفيذ ولكى تتبوأ الدول الإسلامية مكاناً مرموقاً بين الأمم , كما يقول أحد السلف الصالح : " لا يكن همك فى كثرة العمل , وليكن همك فى إحكامه وتحسينه وإتقانه " .
على المسلم الذى يحب أن يتبع ما أمره الله به من الإحسان أن يتخلق بخلق الإحسان , ويتحقق ذلك بعدة أمور منها :
- أن يحسن إلى نفسه أولاً والإحسان إلى النفس معناه أن يسير المرء سيرة الخير ويختارها لنفسه وبذلك فهو ينزل نفسه منزلة الشرف ويؤهلها لتلقى الفيض الإلهى .
- من أوجه إحسان المرء إلى نفسه : فعل الزيادة عن الواجبات فى العبادات , وذلك بالإكثار من النوافل والمندوبات من أعمال الخير والطاعات .
- أن لا يتمسك ولا يقف عند الرخص الشرعية فيما هو حلال فيتبعه وما هو حرام فيتجنبه , وإنما يترك حقه لله إختياراً ويؤثر غيره على نفسه إبتغاء مرضاة الله والطمع فى حبه والقربة إليه تعالى وبذلك فإن الرخص التى تحدد المباح والمستحب تذوب فى معنى الإحسان وتتحول إلى الجود والسخاء حتى يصبح الخير والمحبة والرحمة والتسامح من سجايا نفسه .
- لأن يتخير الإحسان مسلكاً له فى معاملة الغير فيعطى المستحق فوق حقه فإعطاء الحق هو العدل فى حين أن إعطاء فوق ما يستحق هو الإحسان .
- على المرء الفاضل أن يختار الرحمة والسلم والإيثار مع الغير مقتديا بإحسان الله ورحمته سالكاً ومطبقاً معنى الإحسان ليس عن ضعف أو خوف وإنما عن مقدرة وورع وتقوى وراجياً رضاء الله وفضله فيختار العفو والرحمة بمقتضى الإحسان بدلاً من القصاص والجزاء الذى يقره العدل فالعفو عند المقدرة هو عين الإحسان .
- من تمام الإحسان أن يحب المحسن إليه حباً صادقاً من القلب كما كان أحد الصالحين يلقى من جاء ليسأله حاجة بترحاب شديد ويقول " أهلا بمن جاء ليحمل زادى إلى الجنة " .
م. محمد موسى