رسالة ما بعد الحج
• أخي الحاج.. حج مبرور وذنب مغفور وعود حميد إن شاء الله، وهنيئاً لك فقد منَّ الله عليك بتيسير أداء فريضة الحج وعودتك سالماً غانماً مأجوراً مغفور الذنوب، وتلك نعمة عظيمة توجب شكر الله الذي فضلك على كثير من العباد الذين لم يتيسر لهم أداء فريضة الحج، وشكر الله في هذه المناسبة يكون بأمرين، الأول: هو تدبر معاني المناسك وما أفاء الله عليك به من النعم العظيمة والأجر الكبير.
والثاني: الالتزام بسلوكيات إيمانية وتربوية مستفادة من تلك المناسك، وبها يَعْظُم الأجر ويتحقق القبول بإذن الله.
فأمّا عن المعاني فهي:
الحج فريضة وأداؤها هو اكتمال ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفي ذلك طاعة وقربى إلى الله جل وعلا، واقتداء بالرسول الكريم ? مما يُرجى معه الرضا والرحمة والبركة والمغفرة من رب العباد، والشفاعة من النبي الكريم? [ ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً].
الحج جهاد في سبيل الله، وفي الحديث [أفضل الجهاد حج مبرور]، وهو أعظم العبادات درجة وأجراً، فالصلاة والصوم جهاد بالنفس فقط، والزكاة جهاد بالمال فقط، أما الحج فهو جهاد بالنفس والمال معاً [الَذِينَ آمَنُوا وهَاجَرُوا وجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ].
الحج يمسح الذنوب لقوله ? [من حجّ فلم يرفُثْ ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه] ، والرفث هو الشهوة مع الغير وكل ما يقرب إليها، والفسوق هو المعصية والخروج عن طاعة الله.
الحج يُضاعف أجر الصلوات، فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف مما سواه، والصلاة في المسجد النبوي بألف مما سواه.
في الحج يُستجاب الدعاء خصوصاً عند الملتزم، ومقام إبراهيم، وماء زمزم – فضلاً عن الفوائد الصحية، ويوم عرفة، والمزدلفة وغيرها، وفي الحديث ( الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم، إن الله يغفر للحاج ولمن استغفر لهم الحاج).
الحج ليست نفقات مغرماً ضائعاً بلا عائد، كلا ، فإنها ذُخر باق وغنيمة مدخرة، وقربة في صحيفة الأعمال يلقى بها الحاج ربه يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ومَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ولَنَجْزِيَنَّ الَذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ].
وأما عن السلوكيات الإيمانية والتربوية الواجب اتباعها فهي:-
كمال التقوى:
فقد كان الحج بمثابة دورة تدريبية على الالتزام بالصلوات الخمس في أوقاتها، وقيام الليل للتهجد والاستغفار وسائر النوافل، والدعاء والصدقات ، وجدير بالحاج أن يواصل الالتزام بها بعد عودته، واجتناب المعاصي وكل ما يغضب الله من سلوكيات، وفي ذلك مؤشر لقبول الحج ومسح الذنوب، فضلاً عن سائر الأعمال الصالحة من بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإصلاح بين الناس ، وكفالة الأيتام، والأمر بالمعروف وغيرها.
التواضع :
إن التجرد من الثياب المعتادة عند الإحرام فيه تذكرة بالآخرة حيث المساواة بين الغني والفقير والرئيس والمرؤوس، كلهم خاشعون متساوون أمام رب العالمين، وذاك درس يوجب على الحاج التواضع عند التعامل مع من هم أقل درجة والبسطاء.
الإنضباط :
الحج مدرسة للانضباط السلوكي، فالإحرام يفرض رقابة ذاتية صارمة لمنع ارتكاب أي محظور أثناء الإحرام وإلا فعليه فدية أو صيام أو ذبح، والحاج هو الذي يحاسب نفسه ولا رقابة عليه إلا ضميره فهو المتهم وهو القاضي وهو المنفذ، والله تعالى هو المُطلع.
الصبر :
الحج مدرسة لترويض النفس على الصبر وكظم الغيظ وتحمل المشاق في السفر وقيام الليل والمرض وأذى الناس بسبب الزحام وكافة المتاعب التي يلقاها الحاج من أول الرحلة إلى حين عودته، وهو يقابل ذلك كله بالقول الحسن قهراً للشيطان [وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنسَانِ عَدُواً مُّبيِناً].
الأخذ بالأسباب:
السعي بين الصفا و المروة درس نتعلم منه ضرورة بذل الجهد لقضاء الحاجة مع حسن التوكل على الله مع إخلاص النية وعدم اليأس، مع اليقين بأن الخير يكون دائماً فيما اختاره الله ووفق مشيئته [ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً]، كما فعلت السيدة هاجر – أم إسماعيل على نبينا وعليه السلام – عندما احتاجت إلى الماء، فتركت رضيعها وقامت تسعى بين الصفا و المروة مشياً وهرولة سبعة أشواط وبذلت في ذلك كل جهد حتى خارت قواها، ولم ينبع الماء من الصفا ولا من المروة بل من مكان آخر وبضربة من الملك جبريل [واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ].
1- كيد الشيطان:
في رمي الجمرات الثلاث درس بليغ وتذكير بوساوس الشيطان وعداوته للإنسان، فهو لا ييأس في اتباع كل وسائل الإغراء والوسوسة لإيقاع الإنسان في المعصية [لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومِنْ خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعَن شَمَائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] ، وقد حاول اللعين إغواء إسماعيل على عصيان أمر والده إبراهيم عندما أخبره بأمر ذبحه، وحاول إغواء أمه هاجر لمنع زوجها من ذبح ابنها إسماعيل، وحاول إغواء إبراهيم لعصيان أمر ربه بذبح ابنه الأوحد (وقتئذ) إسماعيل، وفشل الشيطان في المحاولات الثلاث وأطاع إسماعيل أمر والده، وصبرت هاجر على هذا الابتلاء، وامتثل إبراهيم لأمر ربه، وكان النجاة والفداء بذبح عظيم.
[إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً] [إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ]
2- أخي الحاج.. تقبّل الله حجكم وصالح أعمالكم، وشكر الله جهد جميع العاملين بجمعية تيسير الحج بالشركة، وحفظ الله شركتنا ورئيسها وقياداتها وجميع العاملين بها، وأن يحقق الله على أيديهم كل نجاح وكل خير، وغفر الله لمؤسس الشركة وجمعية تيسير الحج وكافة الخدمات التي تعود بالخير على العاملين بها سواء أثناء خدمتهم أو بعد خروجهم على المعاش، الوالد والمعلم والقائد المهندس "عثمان أحمد عثمان" جزاه الله عنا خير الجزاء وجعل كل هذه الأعمال في ميزان حسناته، إنه سبحانه ولّي ذلك هو على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير.
م/ رزق الشناوى
دبلوم الدراسات العليا
المعهد العالى للدراسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه