ومضات من سيرة أبو عبيدة بن الجراح
أمين الأمة وأحد العشرة المبشرون بالجنة
هو عامر بن عبد الله بن الجراح أحد المبشرين بالجنة ، ويكنى بأبى عبد الله أمين هذه الأمة ، وقد كان أحد السابقين الأولين إلى الإسلام حيث أسلم على يد أبى بكر الصديق رضى الله عنهما فى الأيام الأولى للإسلام ثم هاجر إلى الحبشة فى الهجرة الثانية وقد آخى رسول الله صلى الله علية وسلم بينه وبين سالم مولى أبى حذيفة وقيل بينه وبين محمد بن مسلمة ويسجل التاريخ لأبى عبيدة أنه شهد بدر وهو ابن إحدى وأربعين سنة ،
وقد أبلى بلاءً حسناً فى المعركة وانتصر لله ولرسوله حتى أنه رأى أباه مع صف المشركين فى بدر فنازله وقتله
كما شهد أحد وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس وولوا ، وفى تصوير لهذا المشهد المهيب تقول السيدة عائشة رضى الله عنها : سمعت أبا بكر رضى الله عنه يقول : لما كان يوم أحد ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه حتى دخلت فى أجنتيه (أى ما ارتفع من الخد ) حلقتان من المغفر (حلقات من حديد يدخل بعضها فى بعض ويكون علي قدر الرأس)
فأقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيراناً ، فقلت اللهم أجعله طاعة ، حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدءنى فقال : أسألك بالله يا أبا بكر ألا تركتنى فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر فتركته فأخذ أبو عبيدة بثنيته ( أسنان مقدمة الفم) إحدى حلقتى المغفر فنزعها وسقط على ظهره وسقطت ثنيه أبى عبيدة ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنتيه الأخرى فسقطت فكان أبو عبيدة فى الناس أثرم ( الأهتم وهو من كسرت ثنيتاه)
كما قاد هذا الصحابى الجليل غزوة الخبط عندما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم أميراً على ثلاث مائة وبضعة عشر مقاتلاً من المهاجرين والأنصار إلى حى جهينة بساحل البحر وقد سميت بذلك الاسم لنفاذ زادهم ولجوئهم لخبط (أى لقطع أوراق الأشجار) وشرب ما عليها من الماء
كما كان أحد القادة الأربعة الذين اختارهم أبو بكر لفتح الشام وهم يزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنه وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح ، وأصبح فى عهد عمر بن الخطاب قائداً عاماً على جيوش الشام ، كما شارك فى معركة اليرموك وقد أمره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على الجيش بدلاً من خالد بن الوليد وهنا تتجلى عظمة هذه الشخصية ونقاؤها فى الإثار على النفس حيث أخفى أمر الإمارة عن خالد بن الوليد إلى أن انتهى خالد من المعركة محرزاً النصر ثم أعلمه بأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فسألة خالد بن الوليد " يرحمك الله أبا عبيدة ما منعك أن تخبرنى حين جاءك الكتاب " فأجاب أبو عبيدة " إنى كرهت أن أكسر عليك حربك وما سلطان الدنيا نريد ولا للدنيا نعمل كلنا فى الله أخوة".
وروى عن أنس بن مالك أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام قال : فأخذ بيد أبى عبيدة فقال : "هذا أمين هذه الأمة" وفى موضع آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" وفى رواية طويلة قال عمر بن الخطاب إلى جلسائه : تمنو فلما تمنى كل واحد أمنيته قال عمر بن الخطاب لكنى أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبى عبيدة بن الجراح ، فقال له رجل ما ألوت الإسلام ( أى ما قصرت فى الإسلام يا عمر ) ومن أشهر ما قال أبو عبيده بن الجراح فى خطبته لأهل الشام وهو أميرهم " يا أيها الناس إنى مسلم من قريش وما منكم من أحد أحمر ولا أسود يفضلنى بتقوى إلا وددت أنى فى مسلاخه "أى فى عقب ثيابه " والله أعلم .
هذا وقد أصيب أبى عبيده بن الجراح مع من أصيب فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة فى خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب واستخلف مكانه معاذ بن جبل ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى ودفن فى قرية صغيرة بالأردن تسمى بالغور وكان عمره 58سنة .
رضوان الله عليه فهو ممن ينطبق عليه قول الله تعالى : " ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " الأحزاب (23)
ولهذا استحق تكريم الله ورسوله فى الدنيا بأن يكون أمين هذه الأمة وأحد العشرة المبشرين بالجنة .