سيمفونية الفنون تجتمع فى متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية
فى عام 1986م تفضل السيد الرئيس محمد حسنى مبارك بإصدار القرار الجمهورى رقم 173 بتخصيص قصر فاطمة حيدر بالإسكندرية ليكون متحفاً للمجوهرات الملكية من عهد أسرة محمد على لما له من قيمة معمارية وفنية متميزة ، وبصدور هذا القرار المدرك تماماً لقيمة المكان وروعته وتعظيم هذه القيمة برقى وروعة المحتويات فقد تحول القصر من مقر إقامة إلى نبع ثقافة وحضارة .
يعد هذا القصر نموذجاً فريداً ومميزاً للمبانى المصرية المستوحاة من الطراز الأوروبى فى عصر أسرة محمد على وهو فى الأصل قصر أنشأته الأميرة فاطمة الزهراء حيدر إبنة السيدة زينب فهمى والأمير على حيدر شناسى وحفيدة مصطفى بهجت فاضل باشا شقيق الخديوى إسماعيل وحفيدة محمد على باشا لإبنه إبراهيم ، وقد إشتهرت باسم فاطمة حيدر ودمغت مواضع كثيرة فى القصر بحرفى (FH) وعلى مقتنياتها الفريدة عادة ملوك وأمراء الأسرة العلوية وكانت والدتها قد شرعت فى إنشاء هذا القصر عام 1919م وأكملت البناء إبنتها الأميرة فاطمة الزهراء وفى عام 1923م التى كانت عاشقة للفنون المعمارية فجاءت عمارة القصر وزخارفه كتحفة معمارية وفنية فريدة قام بتصميمها الفنان الإيطالى أنطونيو لاشياك.
وتزخر قاعات القصر بفنون زخرفية متنوعة من جداريات الركوكو والباروك ورسمت جدرانه وأسقفه بلوحات زيتية تصور قصصاً تاريخية ومناظر طبيعة متنوعة وقد زينت نوافذ القصر بلوحات من الزجاج الملون والمعشق بالرصاص نفذت على الطراز الأوروبى ، أما الأرضيات فهى من الرخام الملون أو الباركيه وتختلف فى تصميمها من قاعة إلى أخرى بأشكال هندسية زخرفية صنعت من أخشاب ثمينة كالأرو والماهوجنى والبلوط والجوز التركى وغيرها أما أرضيات الحمامات وخاصة الحمام الرئيسى فقد كسيت بقطع القيشانى الملون صغير الحجم (الفسيفساء) نفذت على شكل لوحات برسوم نباتية وأشكال هندسية وباقات الزهور والأشكال الآدمية وأصبح المبنى متحفاً متميزاً يجمع بين جمال التصميم المعمارى وروعة الزخارف وما يعرض به من مقتنيات نادرة تكون سيمفونية فنية رائعة يمكن اعتباره مرجعاً من المراجع الملموسة لدراسة الفنون والعمارة .
ونظراً للبيئة الساحلية لمدينة الإسكندرية فقد عانى المبنى من مظاهر تدهور شديدة لكافة عناصره المعمارية والزخرفية والأسقف والأرضيات وتساقط أجزاء من طبقات البياض والغطاء الخرسانى للبلاطة الخرسانية بالطابق الأرضى وظهرت شروخ عديدة فى أنحاء متفرقة من المبنى الأمر الذى أدى إلى إغلاق المتحف عام 2003م وتخزين مقتنياته .
الترميم والتطوير وإعادة التأهيل
بدأت رحلة إعادة الحياة إلى متحف المجوهرات بإسناد العمل إلى شركة المقاولون العرب ليظهر تحدى جديد لإدارتها ومهندسيها بقيادة ومتابعة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الإدارة الذى سخر كل الإمكانيات وأعطى التوجيهات لإنشاء وحدة للترميم الدقيق بقيادة المهندس بهاء الدين الحسينى كمدير لوحدة الترميم الدقيق للحفاظ على التراث والحضارة تحت إشراف المهندس عبد اللطيف غبارة عضو مجلس الإدارة والمهندس سلامة عبد المعين مدير إدارة صيانة القصور والآثار تم عزف تلك السيمفونية الفنية لتعرض على مسرح ومنبع الفنون المختلفة بمدينة الإسكندرية التى تعد عاصمة الفنون بالشرق الأوسط.
وحيث أن متحف المجوهرات من المبانى الغنية بالعناصر الزخرفية المختلفة من صور جدارية وأخشاب مزخرفة وبلاطات جصية منتشرة فى فراغات القصر وكذلك لوحات الزجاج المعشق بالرصاص ونظراً للطبيعة البحرية التى يقع فيها المتحف بالقرب من مياه البحر الأبيض المتوسط ظهر تأثير البيئة البحرية على المبنى وزخارفه لما يحتويه الهواء العالق من كميات الأملاح التى لها دور فى تلف العناصر الزخرفية
وقد قامت خلايا العمل كل فى مجاله لدراسة الموقع من كل جوانبه ومعرفة الوضع الراهن قبل البدء وعمل الدراسات وتقديم الاقتراحات والتصورات ورسم خطة العمل والتى اعتمدت على عدة دراسات أهمها :
التوثيق المساحى والمعمارى والفوتوغرافى ، رصد حالة وحركة الشروخ الإنشائية والمعمارية فى المبنى ، إزالة التعديات على المبنى ، شبكات المياه والكهرباء والصرف ، تدعيم الأسقف لتوزيع الأحمال على الحوائط الحاملة التى كانت تستدعى تدخل سريع تؤكده دراسات هندسية لتحويل القصر من مبنى سكنى إلى متحف مفتوح ، تزويد المبنى بأحدث أنظمة التكييف المركزى وانذار ومكافحة الحريق والسرقة ودوائر المراقبة التليفزيونية المغلقة وأنظمة الصوتيات والوسائط المتعددة وأحدث فتارين العرض .
وكان للترميم الدقيق لعلاج الزخارف والعناصر الجمالية الموجودة بالمبنى النصيب الأكبر حيث أن التراث التاريخى والأثرى لأى أمة هو المرآة التى تعكس ما مر على هذه الأمة من ظروف إقتصادية وإجتماعية وبيئية ويجعله كتاب مفتوح يحكى تاريخ هذه الأمة وما مر عليها من حضارات تطورت مع الزمن .
وانطلاقاً من أهمية الحفاظ على مقومات هذا التراث العالمى تم الأخذ فى الإعتبار كل ما صدر ونشر عالمياً من دراسات أو تقارير أو أبحاث أو مشروعات من أى من الهيئات المعنية بالعمل فى هذا المجال .
ويقول المهندس بهاء الحسينى : إن من عناصر الترميم الدقيق المختلفة بالقصر ترميم الأخشاب ( أرضيات – تجاليد – أبواب ) ، ترميم المعادن (تماثيل – نجف – أسوار ) ، ترميم الزجاج المعشق ، ترميم الرخام والفسيفساء والسيراميك ، ترميم الزخارف الجصية ، ترميم اللوحات والرسومات الجدارية ، ترميم وعمل المعالجات اللونية والتذهيب للأعمدة والأسقف والحوائط .