أولى القبلتين وثالث الحرمين..
يتمتع المسجد الأقصى بمكانة ومنزلة خاصة لدى المسلمين، فهو أحد أكبر مساجد العالم، وهو أول القبلتين في الإسلام، وهو أحد المساجد التي يشد إليها الرحال، فعن أبي سعيد الخدري– رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ولاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا) – صحيح البخاري.- بيت المقدس
كان المسجد الأقصى أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة، وفقا لما جاء في (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي، وكان يسمى في السابق باسم "بيت المقدس" وكان هذا الاسم هو المتعارف عليه، وقد ذكره علماء المسلمين كثيرا ومنهم الإمام ابن حجر العسقلاني، وقد ورد في بعض الأحاديث النبوية الشريفة ذكر اسم "بيت المقدس" منها؛ عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – : قال: إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (صلاة في مسجدي هذا، أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس، خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا) – صحيح الترغيب.
وذكرت كلمة "بيت المقدس" أيضا في حديث طويل للنبي – صلوات الله عليه- عندما قال له أصحابه: ( يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسرى بك فيها ).. عن أبي سعيد الخدري قال: (ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين) - رواه البيهقي في (دلائل النبوة).
- الصلاة فيه بخمس مائة صلاة
والصلاة في المسجد الأقصى لها فضل وأجر كبير، ففي حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه - أخرجه البزار والطبراني مرفوعا : الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس بخمس مائة صلاة ، قال الحافظ في الفتح : قال البزار إسناده حسن .
أما عن تاريخ بناء المسجد الأقصى فلم يحدد بشكل دقيق تاريخ بنائه، لكن كما ورد في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم- أن المسجد الأقصى بُني بعد المسجد الحرام (الكعبة) بأربعين عاما، فعن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: كنت أقرأ على أبي القرآن في السُّدَّةِ، فإذا قرأت السجدة سجد، فقلت له يا أبت، أتسجد في الطريق؟، قال: (إني سمعت أبا ذر يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: (المسجد الحرام)، قلت: ثم أي؟، قال: (المسجد الأقصى)، قلت: كم بينهما؟، قال: (أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركتك الصلاة فصل) – صحيح مسلم.
- أول من بنى المسجد الأقصى
وقد اختلف المؤرخون حول من أول من قام ببناء المسجد الأقصى؟، هل هم الملائكة أم نبي الله آدم – عليه السلام - أم النبي إبراهيم – عليه السلام – أم النبي سليمان – عليه السلام-.
عندما بنى نبي الله سليمان – عليه السلام – بيت المقدس، سأل الله ثلاثة أمور حكما يوافق حكم الله، وملكا لا يكون لغيره من البشر بعده، وآخر مطلب كان خاصا ببيت المقدس ألا وهو عندما يأتي أحد قاصدا المسجد الأقصى من أجل الصلاة فقط فلا يخرج إلا وقد محت ذنوبه كيوم ولدته أمه أي بغفر ذنوبه كلها، وهذا ما أوضحه الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): "المسجد الأقصى فبناه سليمان – عليه السلام - ؛ كما خرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو. وعن النبي – صلى الله عليه وسلم - : (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثة سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهره إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه)، فجاء إشكال بين الحديثين، لأن بين إبراهيم وسليمان آمادا طويلة . قال أهل التواريخ : أكثر من ألف سنة . فقيل : إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما".
وهناك قول آخر يرى أن أول من بنى المسجد الأقصى يجوز أن يكون أحد أبناء نبي الله أدم – عليه السلام – فروي أن أول من بنى البيت الحرام (الكعبة) أدم – عليه السلام - فيجوز أن يكون ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عامًا، يقول الإمام الطبري: " روي أن أول من بنى البيت أدم – عليه السلام -، فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاما، ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله؛ وكل محتمل، والله أعلم".
وهناك رأي يشير إلى أنه من المحتمل أن تكون الملائكة هي التي قامت ببناء بيت المقدس، فقد أورد ابن حجر فى الفتح (كتاب أحاديث الأنبياء): "إن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام، وقيل الملائكة، وقيل سام بن نوح عليه السلام، وقيل يعقوب عليه السلام"، وقال كذلك: "وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال: إن آدم عليه السلام هو الذى أسس كلا المسجدين.
وقد ذهب رأي آخر إلى أن أول من بنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام، وذلك اعتمادا على حديث أبى ذر الغفارى قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولا؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت ثم أى؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله، فإن الفضل فيه"- رواه البخارى.
مصطفى محمد على