سنن الله الكونية
لله في خلقه وكونه سنن كونية يجريها سبحانه متى يشاء على من يشاء وكيف يشاء ، قال تعالى : [ سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ] ، والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما المرجع والمعلم والمرشد لكل ما يصادفنا من أحداث قد تغيب علينا الحكمة من ورائها [ فإن تنازعتم في شئ فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر * ذلك خير وأحسن تأويلا ] ، فضلا عن ذلك فإن تدبرها فيه الآطمئنان والسكينة والرضا بقضاء الله وفي ذلك عظيم الأجر والثواب [ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله * ألا بذكر الله تطمئن القلوب ] – ومن هذه السنن :-
1- سنة التداول في الغنى والفقر ، فإن غنِيّ اليوم قد يكون فقيرُ الغد وفقير اليوم قد يكون غني الغد إذا شاء الله ، [ وتلك الأيام نداولها بين الناس ] وعلى الغني أن يشكر وعلى الفقير أن يصبر ويكد ويجتهد لتغيير واقعه وحاله ، [ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ] ، وحال المؤمن في كلا الأمرين خير كما جاء في الحديث الشريف ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا خيرا له )
2- ومن سنن الله الكونية الامتحان والابتلاء [ أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ] أي يقولوا آمنا باللسان ، لا ليس كما يظنون بل لا بد من امتحانهم ليتميز الصادق من الكاذب ، والابتلاء يكون في الأنفس والأموال والتكاليف والمشاق [ ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا تُرجعون ] أي نختبركم بالمصائب والنعم لنرى الشاكر من الكافر، والصابر من القانط ، وإلينا مرجعكم لنجازيكم بأعمالكم ومن الأحاديث الشريفة في هذا المقام : { ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (مرض) ولا همُّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه } ، { ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة } ، { إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا } ، { إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم } ، {من يرد الله به خيرا يصب منه } . - وعند وقوع المصيبة يقول إنا لله وإنا إليه راجعون – اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها .
3- من سننه سبحانه الأخذ بالأسباب وأن من يجتهد ينجح ومن يزرع يحصد ، وأن الله عز وجل ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة ، وأن من يأخذ بأسباب العلم ويجتهد فيها ويتقن عمله تتحقق له النتائج أيا كان دينه أو جنسه طالما أنه أحسن عمله .
4- ومن سنن الله الكونية أن الشكر يصون النِعم وأن كفران النِعم سبيل لزوالها [ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ] ، [ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ] .
5- ومن سنن الله الكونية التمكين في الأرض لمن يتقي الله [ وعَد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ... ] .
6- [ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا . كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ... ] أي من كان يريد بعمله الدنيا فقط ولها يعمل ويسعى عجلنا له فيها ما نشاء نحن تعجيله من نعيمها لا كل ما يريده هو ، ثم جعلنا له في الآخرة جهنم يدخلها مُهانا حقيرا مطرودا من رحمة الله ، ومن أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم وعمل لها الذي يليق بها من الطاعات وهو مؤمن صادق الإيمان كان عمله مقبولا عند الله مُثابا عليه ، وكل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة نعطيه من عطائنا الواسع في الدنيا بحسب ما يستحق وبسبب اجتهاده وذلك تفضلا منا وإحسانا ، فنعطي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ، وما كان عطاؤنا محبوسا ممنوعا من أحد يستحقه في الدنيا فقط .
7- [ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الاخرة من نصيب ] أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة ونعيمها نضاعف له حسناته إلى سبعمائة ضعف ، ومن كان يريد بعمله لذات الدنيا وشهواتها دون العمل للآخرة نعطيه بعضا منها وليس له في الآخرة من حظ لإهماله الاستعداد لها .
8- [ لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهَب لمن يشاء إناثا ويهَب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ] ، أي لله ملك السماوات والأرض يتصرف فيهما بما يريد ، يخلق من يشاء خلْقه ، يهب لمن يشاء إناثا أو ذكورا حسبما يرى من الحكمة أو يجمع بين الجنسين الذكور والإناث ، ويجعل من يشاء عقيما فلا يولد له أحد ، إنه سبحانه عليم بخلقه قدير على ما يشاء ، يفعل ما فيه المصلحة والحكمة .
9- من سنن الله الكونية أنه سبحانه كتب على المؤمنين قتال أعداء الإسلام [ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] ، وذلك رغم ما في القتال من مشقة تكرهها النفوس لما فيه من إنفاق المال ومفارقة الأهل والوطن والتعرض للموت والإصابة ، وما فيه من خير ففيه الغلبة وإعلاء الدين وكلمة الله والثواب الجزيل وربما أحببتم ترك القتال وهو شر لكم لاستيلاء العدو على بلادكم ، والله يعلم ما فيه فيه صلاحكم وأنتم لا تعلمون ذلك ،
وأمرهم بالاستعداد لملاقاة العدو وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ...وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تررهبون به عدو الله وعدوكم .. أى أعدوا لهم ماستطعتم من أسباب القوة المادية و المعنوية التي تحقق النصر و ترهب الأعداء.
م. رزق الشناوي
نائب رئيس مجلس الإدارة الأسبق
دبلوم المعهد العالى للدراسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه