آداب المجالس
تُعد آداب المجالس من أبرز ما يميز الشعوب المتحضرة والتي يُقاس بها مدى ما وصل إليه المجتمع من التهذيب في التعامل والرقي في السلوك .
ولقد حظيت آداب المجالس بنصيب وافر من توجيهات الدين الإسلامي الذي هو عبارة عن شرائع ومعاملات وأخلاق ، لايغني بعضها عن البعض الآخر حتى يكتمل إيمان المؤمن فـتُـلحـق آداب المجالس بالمعاملات والأخلاق .
آداب المجالس كما جاءت في القرآن الكريم :
بيَّن القرآن الكريم آداب المجالس حتى يصبح المجتمع آمنا يشيع فيه الحب والاحترام فقال تعالى [ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ، وإذا قيل لكم انشزوا فانشزوا ] ، كما علَّم ربنا المؤمنين الأدب مع الرسول الكريم في الاستئذان عند الحاجة لترك مجلسه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : [ ... فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ... ] .
علمتنا سورة الحجرات آداب المجالسة مع رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم ومع بعضنا البعض ، وأن المطلوب منا معاملة كافة أفراد المجتمع كمعاملتنا للرسول الكريم ، إذ أن كل التوجيهات في القرآن الكريم نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم والمقصود بها أن يتبعها المؤمنون في جميع أمورهم .
حثنا القرآن الكريم على اختيار الكلمات والألفاظ الطيبة في معاملتنا مع أفراد المجتمع وحبب إلينا الكلمة الطيبة وذم الكلمة الخبيثة فقال تعالى : [ مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ... ] .
كما حثنا القرآن الكريم على اتباع الأسلوب الراقي في تبليغ الدعوة إلى الله تعالى لِما لحسن الأسلوب واختيار الأوقات والظروف المناسبة للدعوة من وقع حسن في قلوب المدعِّوين فقال تعالى : [ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ... ] .
آداب المجالس كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من السنة النبوية التي يمثلها الرسول الكريم والذي كان خلقه القرآن في حسن المجالسة أنه كان يستمع إلى أقوال المشركين ويصغى لأقوال أتباع الديانات الأخرى ويجالس المؤمنين بمختلف مستوياتهم ، ولم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم قولً نابٍ ولا عبار ة واحدة تؤذي المستمع ، ولا يدير وجهه عن المتحدث حتى يدير المتحدث وجهه .
من هدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل المؤمنون مجالسهم خالصة لله تعالى حتى ينالوا البركة فيبدأونها بذكر الله تعالى وينهوها بالاستغفار والذكر ، كقولهم في نهاية المجلس " سبحان الله وبحمده – استغفره وأتوب إليه " وغير ذلك من الأدعية والأذكار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم .
آداب المجالس في التراث والثقافة العربية :
نالت آداب المجالس اهتماما كبيرا في الثقافة العربية لارتباطها بتعاليم الإسلام كما وردت في القرآن الكريم وهديه صلى الله عليه وسلم ، ومن أمثلة ما ورد في التراث العربي أقوال ابن المقفع ( ت 145هـ ) في كتابه القيِّم " الأدب الكبير " . وفيما يلي ملخص لأقواله :
آداب المجالسة مع العلماء :
إذا ما جلس الإنسان إلى عالِم أو أستاذ أو إلى من هو أكبر منه سناً أو خبرة فمن اللائق أن يُظهر له شعور الحاجة إلى المعرفة ، فيطرح ما لديه من أسئلة ثم ينتظر الإجابة عليها ، ولا يتسق كثرة التدخل في الحديث والمقاطعة مع الشعور بالحاجة للمعرفة ، ولا يصح أن يحرص المتعلم على يُظهر للآخرين معرفته ، بل يجب علي المستمع أن يُهنئ العاالِم على ما فتح الله عليه من علم " إنك على أن تسمع أحرص منك على أن تقول " .
اللســــــان :
من آداب استخدام اللسان مراعاة المواقف وظروف المستمع – عدم رواية كل ما تسمع بدون تمحيص – عدم التكرار الممل – عدم القسم أو الحلف حيث لا يلزم – عدم الكذب والملق ... الخ
كلمة واحدة صواب خير من مائة كلمة في غير موضعها " الإدلاء بالرأي الصواب في غير مكانه قد يؤدي إلى ما يشبه الخطأ " .
الأساس في صون اللسان أن يظل الإنسان صامتا ولا يتكلم إلا للضرورة .
آداب المتحدِث :
· يحسن الإعداد للحديث سلفاً حتى لا تضطر لقطع الحديث لتتذكر ( الإعداد الجيد ).
· حاول التركيز على المعنى في حديثك وتجنب الثرثرة لأنها تعود على صاحبها بما يهز مركزه لدى المستمعين ، بل عليه أن يكون لديه ما يقول للآخرين حتى يفرض احترامهم وتقديرهم .
آداب مجالسة الجماعة :
· أن تتوافر لديك المودة والاحترام للجلساء ( الخوف بُغض والمودة أمن ) .
· إذا تحدثت إلى جماعة لا تعرفهم فتجنب التصريح برأي شخصي قد يجرح أحدا دون قصد ، ولا تذم أحدا من الناس قد يكون السامع أحدهم أو شخص يحبه .
· على المتحدث مراعاة أحوال المستمعين إليه فيحدثهم بما يناسب أعمارهم ومستواهم الثقافي ، وإن كان يتحدث إلي من لا يعرف أحوالهم أو كانوا من مستويات مختلفة من الثقافة والأعمار فمن المستحسن أن تكون أحكامه عامة ، وأن يبين حكم كل حالة خاصة جاءت في مجال حديثه .
· إذا سأل المتحدث سؤالا عاماً فلا تبادر إلى الجواب إن كنت تعرفه ، بل اسمع ما يقوله الآخرون ثم استجمع الرأي الصحيح وبعدها قل رأيك – وإن لم يبلغك الكلام ويُكتفى بغيرك فلا تحزن – وإن كان لا بد من إبداء رأيا صحيحا فلا مشكلة مع مراعاة ما سبق .
آداب مجالسة الأصدقاء :
· الأصدقاء خير مكاسب الدنيا : زينة عند الرخاء - عِدة في الشدة - معونة على خير المعاش والمعاد .
· إياك أن تذكر صاحب صاحبك بسوء ، يقول ابن المقفع " إن لطفك بصاحب صاحبك أحسن موقعا من لطفك به " .
· من الأدب مشاركة الصديق في مشاعره المُفرحة والمُحزنة ، فلا تذكر الأحزان وما يكدر صفوه عند فرحه .
· إقبل عذر المعتذر ولا تتشدد في الرأي .
· من التسامح في الصداقة : أن يُمسك الإنسان عن كثير من الآراء التي قد يراها أصوب من آراء أصدقائه ، وأن يتحفظ عن التطاول عليهم في الرأي .
· المشورة بين الأصدقاء مطلوبة ، يقول ابن المقفع " أمور الدنيا لا تسير سيرا ميكانيكيا بحيث يُمكن التنبؤ بنتائجها إذا عُرفت مقدماتها " .
· لا تخلط الجِد بالهزل إلا في حالة تجنب الوقوع في مشاجرة .
علاج عيوب المجالسة :
· أن ينوي الإنسان أن يجعل مجلسه خالصا في سبيل الله وأن يستعين بذكره تعالى في أول الجلسة ، وأن يدعو بأدعية ختام الجلسة التي علَّمنا إياها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
· كل إنسان لديه جميع الطبائع : خيِّرة أو شريرة ، فالتفاضل الأخلاقي بين الناس يكون بمغالبة الطبائع السيئة فيميتها حتى كأنها لم تكن فيه ، والإرادة هي أقوى الأسلحة لدى الإنسان في علاج الأمراض الأخلاقية ، فبالإرادة يمكن تغليب نوازع الخير في نفسه وتصرفاته .
-------------------------------------------------------------------------------------------
مهندس / محمد موسى