الحِـــــــــــلم
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار) وهذا الحديث الشريف يبين لنا قيمة الأخلاق الفاضلة ، ومن هذه الأخلاق : " الحِـلم ".
تعريف الحلم :
" الحلم " في الاصطلاح معناه الأناة والتثبت في الأمور ، فهو السكون عند حدوث مكروه يثير هيجان الغضب ، والتأني في الرد بالعقوبة مع القوة والقدرة عليها ، وهو خير ما تحلى به الرسل الكرام والأتقياء ، فهو من أرقى الأخلاق التي يحبها الله ورسوله .
فضيلة وثمرة خلق " الحلم " :
1 – " الحلم " صفة من صفات المولى عز وجل ، فمن أسمائه الحسنى : " الحليم " وتعني أنه سبحانه وتعالى هو الصبور الذي لا يستخفه عصيان العصاة ولا يستفزه غضب ، وقد وصف نفسه بهذه الصفة بقوله تعالى : [ والله غفور حليم ] .
2 – " الحليم " يحبه الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب الحليم الحييَّ الغنيَّ المتعفف ويبغض الفاحش البذئ والسائل الملحف ) .
3 – " الحلم " من صفات وسنن المرسلين الكرام ، وصف به الله تعالى أنبياءه ورسله في مواضع متعددة من القرآن الكريم توكيدا لما منحهم الله تعالى من هبة العقل والفهم وحسن الإدراك حيث قال تعالى : [ إن إبراهيم لأواه حليم ] وقوله تعالى في وصف سيدنا إسماعيل عليه السلام : [ وبشرناه بغلام حليم ] .
4 – " الحلم " يكون للحليم كالحاجز يمنعه من الوقوع في معصية الغيظ وامتلاء الصدر بالبغضاء والشحناء ، بل إن " الحلم " من أشد الأمور على الشيطان ، وما من أحد أشد على الشيطان من عالِـم معه " حلم " إذ يقول الشيطان " سكونه أشد عليَّ من كلامه " ، فلا يكون دمية في يد الشيطان يحركه كيف شاء .
5 – من ثمرات " الحلم " أن الحليم له أعوان كثر من أهل الخير ، فقد قال الإمام على كرم الله وجهه : " أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره " أي : أعوانه على الجاهل عليه .
حلم الرسول صلى الله عليه وسلم :
المتأمل في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا يخالجه شك في أن الله عز وجل قد وهبه هذا الخلق الفاضل ، فيجد فضيلة " الحلم " مطبقة تطبيقا تاما في كلامه وأفعاله ، والآثار الدالة على ذلك كثيرة منها ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول الكريم سمع كلاماً في حقه من رجل إعترض على تقسيمه للغنائم يوم حنين فلم يرد عليه بل قال صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) .
وكذلك ما رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض قتل المرأة اليهودية التي أتت له بشاة مسمومة تريد قتله ، فحلُم عليها صلى الله عليه وسلم رغم اعترافها بهذا الجرم .
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابي الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " إن دوساً قد عصت وأبت فادع عليهم " فاستقبل الرسول الكريم القبلة وقال : ( اللهم إهد دوساً وأت بهم ) .
الآثار الدالة على أن الرسول الكريم كان في غاية " الحلم " كثيرة وأنه كان يعتبر " الحلم " من سنن المرسلين فقال صلى الله عليه وسلم : ( خمس من سنن المرسلين : الحياء – الحلم – الحجامة – السواك – والتعطر ) .
كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية ) .
كيف يكون الإنسان حليماً :
أما وقد عرفنا ما " لخلق الحلم " من فضائل وثمرات فكيف يمكن للمرء اكتساب هذا الخلق الفاضل ؟!
يقول الإمام الغزالي رحمه الله أن نصيب المسلم من صفات الرحمن يكون بقدر سعيه لاكتساب الممكن من هذه الصفات والتخلق بمحاسنها وبه يكون العبد ربانيا : أي قريبا من الرب سبحانه وتعالى ، وبه يصير العبد رفيقا للملأ الأعلى من الملائكة .
على المرء مجاهدة نفسه مجاهدة شديدة لتعويدها كظم الغيظ عند هيجان الغضب حتى إذا أصبح " الحلم " عنده عادة فهذا هو " الحلم " الطبيعي الذي قد يمن الله تعالى به على المرء كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل أشج بني أمية : ( يا أشج فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله ) قال " وما هما بأبي أنت وأمي يا رسول الله " قال ( الحلم والأناة ) فقال الأشج : " الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله " .
ولكن إذا لم يكن الإنسان مجبولا على فطرة " الحلم " فلا ييأس وليأمل أن ينال ما أعده الله عز وجل لعباده المتقين من الثواب العظيم إذا جاهد نفسه وعودها التمسك " بفضيلة الحلم " وأخذ بالأسباب المؤدية إلى اكتساب هذه الفضيلة .
كما أشار الرسول الكريم إلى إمكانية اكتسابها حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يُـعطه ومن يتق الشر يُـوقه ) .
ومن الأعمال التي تكسب الإنسان نصيبا من " فضيلة الحلم " التي هي من صفات الرحمن :
1 – أن يذكر الله تعالى في جميع أوقاته وعلى جميع أحواله فيدعوه ذلك إلى الخوف منه تعالى فيبعثه الخوف إلى طاعته كما قال عز وجل : [ واذكر ربك إذا نسيت ] وقوله تعالى : [ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعن بالله إنه هو السميع العليم ] .
2 – أن يذكر الإنسان ما يؤول إليه الغضب من الندم وأن يتذكر ثواب العفو وحسن الصفح رغبة في الجزاء والثواب من الله تعالى حيث قال الرسول الكريم : ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) ، وصدق الله العظيم في وصفه لرسوله الكريم بالخلق العظيم في قوله تعالى : [ وإنك لعلى خلق عظيم ] .
---------------------------------------------------------------------------------
مهندس / محمد موسى