حكمة الابتلاء
· اقتضت الحكمة الإلهية أن يُـبتلى الإنسان - أفراداً ودولاً - في عطاء الله وما سخره له في هذا الكون من صور الخير الذي يحبه ومن صور الشر الذي يكرهه [ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ] [ أحسب الناس أن يُـتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُـفتنون ] , والخيرللإنسان – بعد نعمة الإسلام وتوفيق الإيمان – يتمثل في المال وما في حكمه من ممتلكات , والصحة والأسرة السعيدة والذرية الصالحة والعلم النافع والأمن والنجاح في العمل والمناصب الرفيعة , وغير ذلك مما يحقق له السعادة في الدنيا , والشر هو النقص أو الحرمان من بعض أو كل هذه النعم
إن ابتلاء الله للمؤمن بالنعم والخيرات في الدنيا هي امتحان له على مدى شكره عليها بالقول والعمل , وتوظيفها في أوجه الخير والأعمال الصالحة , ومن ثم الفوز برضا الله والمزيد من العطاء [ قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ] [ لئن شكرتم لأزيدنكم ] , وكل هذا العطاء الدنيوي إنما هو جزء يسير من الأجر الكبير الذي أعده الله للعبد المؤمن التقي [ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ] أما باقي الأجر وهو الأعظم فيكون في الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر [ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ] .
· أما ابتلاء المؤمن بالمصائب في الدنيا – غير الموت - في النفس والمال والولد فإما أن يكون للتنبيه إلى خطأ وقع فيه كتقصير في الصلاة أو ارتكاب معصية أو إلحاق أذى أو ظلم للناس , ومن ثم الإسراع في التوبة والعودة إلى منهج الله والكف عن المعاصي ورفع المظالم [ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً ] , وإما أن تكون المصائب سبباً في تكفير سيئاته ومحو خطاياه , ففي الحديث الشريف ( ما يصيب المسلم من نصب – تعب - أو وصب – مرض - ولا همٌ ولا حزن ولا أذى ولا غمٌ , حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) , وإما إن تكون المصيبة امتحانا له في صبره ورفعا لأجره [ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ] [ وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ] , وإما أن الله يريد بالعبد خيراً كما في الحديث الشريف ( إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ) ( ومن يرد الله به خيراً يصب منه ) والخير هو كل أسباب الحياة الطيبة والبركة في الدنيا وحفظاً له من شياطين الإنس والجن , وتكفيراً عن سيئاته وتعظيماً لدرجاته في الآخرة , وفي الحديث الشريف : ( إن عِـظم الجزاء مع عِـظم البلاء وإن الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضيَ فله الرضا ومن سخط فله السخط ) ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل - يُـبتلى الرجل على حسب دينه ) .
· عطاء الله للكافر من النعم في الدنيا هي كامل أجره عما يقدمه من أعمال تفيد البشرية كالصدقات والاختراعات الحديثة وكافة الخدمات في مجال الطب والاتصالات وغيرها , ولكن لا أجر له في الآخرة [ ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ] , وزيادة العطاء لا تعني بركة وإنما هي استدراج له ليزداد إثما [ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ] , وفي الحديث الشريف : ( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ) .
· وابتلاء الله للكافر بالمصائب في الدنيا هو جزء يسير من العقوبة جزاء إعراضه عن الإسلام , والعقوبة الكبرى في الآخرة [ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ] [ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ] .
مصائب الدنيا : إن مصائب الدنيا في الأفراد في أنفسهم , وفي الدول من أوبئة وتقلبات جوية من فيضانات وحرائق وعواصف مدمرة , أو هزات اقتصادية وغيرها , كل ذلك بقضاء الله وقدره وإذنه , وهي في علمه الأزلي القديم من قبل أن تحدث , ومسطرة في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق الله الأرض ومن عليها , [ وكل صغير وكبير مستطر ] لأنه سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون فهو عالم الغيب والشهادة , وما يستحقه عباده من نعمة أو نقمة فهو عدل في حكمه حكيم في صنعه , وهو القادر على تخفيف أو رفع المصيبة إن شاء [ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ] وهذا يعني أنه لا نجاح لطبيب ولا شفاء لمريض بدواء أو غيره إلا بمشيئة الله وإذنه وتوفيقه [ وإذا مرضت فهو يشفين ] .
· آيات قرآنية للتدبر والموعظة والتحذير وتحث على التفاؤل والهداية والاطمئنان وشحن بطارية الروح بالطاقة الإيمانية :
[ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ]
[ ما أصاب من مصيبة إلا بإذنه ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ]
[ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ]
[ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ]
[ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرً ]
[ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ]
[ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة]
[ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ]
[أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ]
[ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ]
[ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ]
[ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ]
[ وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ]
[ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ]
[ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ]
[ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ]
· من الهدي النبوي أن ندعوا في النفس سرا عند زيارة المريض فنقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا .
مهندس/ رزق الشناوي
نائب رئيس مجلس الإدارة السابق
دبلوم المعهد العالى للدرسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه