الحلوانى الذى بنى مصر
"إن الشرق يبدأ من القاهرة" – جوستاف فلوبير ..أينما تجولت بشوارع قاهرة المعز تجد عناقاً أبدياً يجمع بين الأعمدة المزخرفة التى زُين أعلاها بالأهلة المفتوحة المتعلقة بعنان السماء والمآذن التى تشبه أكف مبتهلة إلى خالق السموات والأرض.
لكن جوهر الصقلي هو من وهب "القاهرة" هذا اللقب. جوهر الصقلى ويسمى أيضا بجوهر الرومي ولد عام 928 ميلادياً كان أهم وأشهر قائد في التاريخ الفاطمي ومؤسس مدينة القاهرة الفاطمية.
كان جوهر الصقلى يجيد صناعة الكنافة والحلوى قبل بيعه كمملوك للخليفة المنصور بالله الفاطمي الذي ألحقه بالجيش ، ولذلك سمى بالحلوانى.
وقد جاء جوهر الصقلي علي رأس جيش الفاطميين وأخذ مصر من الإخشيديين وبني القاهرة قبل مجيء الخليفة المعز.
قام بتسميتها بـ "القاهرة" ليس فقط لأنها تقهر أعداءها ، ولكن لأن "النجم القاهر" ظهر في سمائها وقت وضع حجر الأساس لها... وهكذا إختار جوهر الصقلي اسم القاهرة للمدينة الوليدة تيمناً بالنجم..
وقد بدأ البناء بالسور والبوابات، وكان يقع في مركزها القصران الخاصان بالخليفة، وما بينهما حي "بين القصرين".
ثم بدأ البناء بالداخل وبناء الجامع الأزهر لتصير القاهرة عاصمة الفاطميين. لذا يعتقد المؤرخين أن القاهرة الفاطمية تعتبر نموذجاً رائعاً بهياً متكاملاً أحسن جوهر الصقلي في تصميمها،وأبدع في بنائها.. وقد منع السكان من دخولها طوال فترة البناء التي أمتدت حوالي أربعة أعوام.. ولما جاء الخليفة المعز بهره جمال القاهرة وجعلها عاصمته وأحضر رفات جدوده ليستقروا معه فيها.
إنغلقت أبواب القاهرة الثمانية على ملحمة تاريخية بطلها المعمار على النسق الإسلامي لتثرينا بتحف معمارية أولها الجامع الأزهر لتزدهر فيما بعد وبخاصة في عهدي الأيوبيين والمماليك، ثم جوامع مثل الحاكم بأمرالله وجامع الأقمر ومسجد السلطان الظاهر برقوق وجامع المؤيد.
وهبت مآذن تلك الجوامع القاهرةَ لقبها "مدينة الألف مئذنة"، نسبة إلى حلقة المآذن التي تعددت عصور بنائها فتظهر لنا من بعيد رشيقة لتقدم لنا أرشيفًا حيًا من التاريخ والذكريات.
وكتب الفنان الألماني كارل هاج إلى أصدقائه، متحدثا عن القاهرة قائلا: "هي قاهرة واحدة في العالم كله تتألق في وقار وجلال على ضفاف النيل العظيم".
بالإضافة إلى تأثير ترجمة أنطوان جالان لـ «ألف ليلة وليلة» التي ألهبت عقول الغرب و جعلت القاهرة تجتذب الرحالة والأدباء والفنانين الأوروبيين، الذين فروا من أوروبا ودخانها، وماديتها بحثاً عن دفء الحياة والثياب المزركشة، وأصبحت المدينة الشرقية بمرور الوقت منارًا يلقي بضيائه على الفن العالمي.
لذا تستسلم العين العاشقة للجمال وتطوف شوارع القاهرة وحواريها لتبحث عن الإبداع في كل بناء شيد بفن ومحبة.
إعداد/ سهام يوسف كمال