لقد كان موضوع الأخلاق على مر العصور يشغل مكاناً كبيراً من إهتمام الإنسان ويستحوذ على تفكيره , فالإنسان من حيث أنه إنسان لا يستطيع أن يستغني عن الأخلاق في أي لحظة , ولا يستطيع أن يستغني عن مثل أعلى يرجع إليه في سلوكه أو معيار للحكم على أفعاله أو أفعال الناس من حوله بالخير أو بالشر , وقد جعل الدين من الأخلاق قاعدة لسلوك المتدين حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
· تعريف الأخلاق : عرف الإمام الغزالي ( المتوفى عام 550 هـ ) الأخلاق بأنها عبارة عن
هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر – تلقائياً - , فإن كانت الهيئة هي التي تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سُميت الهيئة " خُلُقا حسنا " , وإن كانت الأفعال غير ذلك سُميت " خُلُقا سيئا " , والأخلاق قد تكون طبيعية في خلقة الإنسان الفطرية أو مكتسبة وأصبحت كأنها مخلوقة مع طبيعته وفطرته .
· الأخلاق في المنظور الإسلامي : إن مصدر الأخلاق الأول والأهم في الإسلام هو الله تعالى , فهو عز وجل الذي يلهم الإنسان بها ويوجهه دون إجبار أو إكراه فيقول سبحانه وتعالى : [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ] , فالإلهام من الله تعالى , والزكية أو التردية من الإنسان الذي هو الفاعل أو التارك للشيء .
تمثل الأخلاق في الدين الإسلامي ركناً من أركان الدين الثلاثة التي لا يلحقها نسخ ولا تبديل وهي : العقائد - العبادات – الفضائل ( الأخلاق والمعاملات ) , فالدين هو المصدر الذي يعرف منه حسن الأخلاق من قبحها , والدين هو الذي يربي في الإنسان الضمير الحي الذي على أساسه يرتفع صرح الأخلاق .
إن العاقبة المرجوة للمؤمن هي الفوز برضى الله تعالى ونيل رحمته في الدنيا والآخرة , ويقابل ذلك في الفكر المادي والفلسفي أن مصدر الأخلاق لدى أصحاب هذه الأفكار هو العقل ولا شيء عندهم فوق العقل لأنهم استبعدوا الدين من حياتهم وقصروه على العلاقة بين الإنسان وربه في بيوت العبادة فقط , ومن هنا نرى ما حل بهذه المجتمعات من إفراط وتفريط في القيم العليا ومنها - على سبيل المثال - قيم الحرية والحقوق , فنرى أثر الإفراط في الحرية الشخصية أنه أدى إلى تفكك الأسرة التي جعلها الله اللبنة الأولى والأساس الذي يرتكز عليها قيام المجتمعات الإنسانية حيث بدأ هذا التفكك الأسري بالأعتراف وتسجيل الطفل لأب واحد ( والد أو والدة أو غيرهما ) ثم الأعتراف بحرية الشذوذ ثم زواج المثليين , ويقابل هذ الإفراط في الحرية الشخصية تفريط شديد في حقوق الأمم الأخرى , فنرى تبرير الإعتداء على الأمم الضعيفة ونهب ثرواتها ... بينما تحث الأديان , وأولها الإسلام على العدل بين الناس جميعاً ؛ أفراداً وجماعات وأمماً , فالناس كلهم متساوون , ولا تمايز بينهم إلا بالأعمال الصالحة التي ترضي الله تعالى , وفي هذا يقول الحق عز وجل : [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفو , إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ) وكما جاء في القول المشهور والمتعارف عليه بين علماء المسلمين وعامتهم " إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة "
· فوائد حسن الخلق : إن كمال الإيمان أو نقصانه إنما يكون على قدر التمسك بالأخلاق الطيبة
وإتباع ما جاء به الأنبياء والمرسلون من الأحكام والقوانين , فذلك يجعل الإنسان في معية الله تعالى وصحبة رسوله الكريم ويجعله يحظى بمحبته وجواره في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا )
وحسن الخلق يرفع درجات العبد عند الله تعالى وإن كان عمله لا يبلغ أعمال المجتهدين في العبادة والطاعات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة , وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم ) .
إن الإسلام يأمر بحسن الخلق في المجتمع مع المسلم وغير المسلم ليعم السلام والطمأنينة بين جميع الناس كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أوصى الله إلى إبراهيم : يا خليلي حسَّن خلقك ولو مع الكافر تدخل مدخل الأبرار , فإن كلمتي سبقت لمن حسَّن خلقه أن أظله تحت عرشي , وأن أسقيـَه من حظيرة قُـدسي , وأن أدنيـَه من جواري ) .
· عاقبة سوء الأخلاق : إذا كان حسن الخلق يقرب الإنسان من الله ورسوله فإن سوء الخلق يباعد
بينهما فيقول صلى الله عليه وسلم : ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق , وإن الله ليبغض الفاحش البذيء ) , ويقول محذراً من سوء الخلق : ( حسن الخلق نماء , وسوء الخلق شؤم ... ) وكان صلى الله عليه يدعو بهذا الدعاء : ( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) .
إن تقطع العلاقات بين الناس في المجتمعات وتوتر العلاقات الوطنية سببها هو سوء التربية الخلقية وفقدان الروابط العائلية , فهل يمكن البحث عن الروابط الاجتماعية والروابط الوطنية بعد تفكك الروابط العائلية فيكون مثلنا كمن يطلب الثمار من أغصان الشجرة بعد قطع أصولها وجذورها !؟ .
· وسائل تربية الأخلاق وترقيتها : أما وقد عرفنا مكانة الأخلاق في الإسلام وعرفنا الكرامات
التي أعدها الله تعالى لمن حسُن خلقه والجزاءات لمن ساء خلقه فجدير بنا أن نعرف الوسائل التي تعيننا على إكتساب حسن الخلق وتهذيب السلوك ومنها :
أولاً - وسائل عامة لجميع أفراد المجتمع , كبيرهم وصغيرهم :
1- توفير البيئة الخلقية التي تكون بمثابة الأرض الخصبة الصالحة لغرس بذرة الأخلاق, وذلك بانتشار التعليم السليم الذي يوسع أفق التفكير عند الشخص ويجعله يتصرف عند المواقف برحابة صدر وسماحة نفس .
2- تنظيم الوقت وإستغلاله فيما ينفع والقيام بالواجب بدون تسويف وعدم التفريط في الوقت وليكن شعارنا " أفضل الأوقات : الآن " .
3- اختيار الصحبة الطيبة – وخاصة للأطفال – ولذلك قيل قديماً : الرفيق قبل الطريق , فكم من صاحب نابغ أعان صاحبه على النبوغ , وكم من صاحب فاسد أفسد صاحبه وجره إلى الهلاك .
4- مداومة الاطلاع على المواعظ والقصص الخلقية , وإتخاذ ذخيرة من الأمثال والأشعار الإيجابية وحفظها ما أمكن والتمثل بها في جميع المواقف , فإنها تعزز الأخلاق وتنمي المواهب وتشحذ الهمم .
5- الإنخراط والمساهمة في العمل التطوعي والجماعي - وخاصة طلبة المدارس في سن مبكرة – فإن العمل التطوعي والجماعي يعود بالنفع على المتطوع وعلى المجتمع .
ثانياً - وسائل تربية الأخلاق وترقيتها عند الأطفال : التربية الخلقية تهدف إلى تعويد الطفل العادات الحسنة وتجنيبه العادات السيئة , فإنه إذا تعوَّد على العادات السيئة شقي وهلك وكان وزره في رقبة المربي أو الوالي عليه , ومن هذه السائل :
1- تطبيق الوسائل العامة المذكورة أعلاه لجميع أفراد المجتمع وخاصة تنظيم الوقت واختيار الصحبة الطيبة .
2- تعليم الأطفال الثقة في النفس بالإعتماد على الله تعالى في كل أمورهم حتى تنشأ شخصيتهم على قاعدة صلبة أسوة بما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم وهو ينصح ويوجه الغلام ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( يا غلام إني معلمك كلمات , إحفظ الله يحفظك , إحفظ الله تجده تجاهك , وإذا سألت فسأل الله , وإذا إستعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لا ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , ولو إجتمعوا على أن يضروك لا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .
3- توجيه الأطفال لمتابعة القصص القرآني وسير الأبطال والعظماء , فإنها توجههم وتعينهم على مواجهة الصعاب وتخطي العقبات , وتعلمهم الشجاعة في الحق .
4- إذا غُـذّيَ الطفل من حرام مالت نفسه من البداية إلى الحرام وظهر ذلك في سلوكه , كما علينا ألا نحبب للطفل الأكل الكثير لأن الأكل الكثير ضار ببدنه وعقله ويضعف ملكة الفهم والحفظ لدى الطفل .
5- إختيار المعلومات والحكايات التي تناسب عمر الأطفال فلا نحشوا رؤسهم بالعلوم الغير نافعة , وأن نربي لديهم ملكة النقد والابتكار .
م.محمد موسى