· حقائق إيمانية - يؤكدها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة , مهداة لكل من شرح الله صدره للإيمان وهداه للتقوى وصالح الأعمال , لكي يطمئن قلبه إزاء كل ما يصادف حياته من أحداث وما يصيبه من ابتلاءات خيرها وشرها , حلوها ومرها ، وذلك بالفهم الصحيح بأن وراءها حكمة لا يعلمها إلا الخالق جل وعلا , وهو سبحانه العليم بمصالح عباده الحكيم فيما قدره لهم ، ثم أدوات المؤمن للتعامل معها عند وقوعها , ثم المعرفة واليقين بعاقبة ذلك في الآخرة .
· إن أي إنسان منا يمر في حياته بمحطات اختبار من الله تعالى , فهذا يُـبتلى في صحته ، وآخر في فقد عزيز لديه , وغيره في ماله أو ولده أو وظيفته ؛ وذاك هو الإبتلاء بالشر , وقد يُـبتلى الانسان بالخير بكثرة الأموال والأولاد والمناصب والنجاح في العمل وتمام العافية , وغير ذلك من العطاءات الربانية لقوله تعالى : [ ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا تُـرجعون ] .
· يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بشارة لمن يصبر على ما يُـبتلى به الإنسان من ضُـر ، أو يشكر على ما يُـبتلى به من مسرة : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمرَه كلَـه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) [ لئن شكرتم لأزيدنكم - إنما يُـوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ] .
· إن كل ما يصيب الإنسان منذ ولادته إلى يوم وفاته , ثم مصيره بعد ذلك - كل ذلك في علم الله الأزلي ومسجل في اللوح المحفوظ لقوله تعالى : [ وكل صغير وكبير مستطر ] , كما أن كل ما يحدث في الكون أو للإنسان من مصائب أنما هي بإذنه وعلمه مهما كانت أسبابها , ومسجلة أيضا في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق الله الأرض ومن عليها لقوله تعالى : [ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير , لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ] , وقال تعالى : [ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ] , فلا داعي إذن للحزن الشديد لدرجة الهلاك , ولا الفرح لدرجة البطر والغرور .
· إن ما يصيب المسلم في هذه الدنيا من أحزان ومصائب فإنه يكون سبباً في تكفير سيئاته وخطاياه كما ورد في الحديث الشريف : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُـشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) و ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) .
· يقول صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ) فقد ابتُـلي سيد الخلق سيدنا رسول الله بموت أحبائه في حياته , وفي جسده الشريف في غزوة أحد بل وفي عِرضه في حادثة الإفك , كما تعرض للأذى والسُـخرية من أعداء الدين خلال مدة بعثته , وكذلك الأنبياء والصحابة والتابعين .
· قد يكون ابتلاء المؤمن بالمصائب هو تنبيه له وتذكرة لتدارك أي تقصير في العبادات أو المعاملات للإسراع في التوبة وتدارك أي تقصير أو مظالم والكف عن المعاصي والرجوع إلى الله .
· قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم : الأولى أنها لم تكن في ديني , والثانية أنها لم تكن أعظم مما كانت , والثالثة أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير " .
· إن حزن الإنسان لضر أصابه أو فقد شيء غالي إنما هو شيء فطري , ولكن المطلوب من الإنسان ألا يستسلم للحزن كي لا تزداد الخسارة , فإذا كان قد خسر شيئا فأمامه اِشياء عليه أن يحافظ عليها , فالمنحة كما يقولون تخرج من رحم المحنة [ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] , والمطلوب هو التحلي بالصبر لقوله تعالى : [ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ] [ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ] , وتحدث القرآن الكريم عن صبر أيوب على مرضه عدة سنين وفقدان ماله وأولاده , وصبر يوسف على سجنه وفتنته وغيرهما [ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ] .
· كذلك تكون مواجهة المصائب بالفرار إلى الله تعالى ليكشف الغمة ويعوض الخسارة ويورث الطمأنينة ويعظم الأجر ويكون ذلك بالقول والعمل [ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ] , وقول : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها , ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن , قدر الله وما شاء فعل , الحمد لله على كل حال , رب إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي , يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين , حسبي الله ونعم الوكيل , رب إني مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين , لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين , رب إني مغلوب فإنتصر , أما العمل فيكون بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها وقيام الليل وقراءة القرآن وسائر الأذكار من إستغفار ودعاء وصدقات وسائر الأعمال الصالحة تقرباً إلى الله تعالى القائل في حديثه القدسي : { من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة } , كما يجب عدم تعظيم المصيبة بل تهوينها مهما تكن كبيرة وذلك بالنظر إلى من حالتهم أسوأ , وعدم الشكوى إلا لله عز وجل .
· يعتبر القرآن الكريم الموت مصيبة تحل بالإنسان لقوله تعالى : [ فأصابتكم مصيبة الموت ] فهو أمر جلل مهما كانت كانت العقيدة القوية تخفف منه بإعتباره حق إيماني [ كل نفس ذائقة الموت ] , فهو مصيبة لأنه يعني أن نفسا كانت تعيش بين أهلها وذويها ثم ترحل لتعيش عالما آخر وهو عالم البرزخ إلى وقت لا يعلمه إلا الله , والموت سنة من سنن الله في كونه , ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين مات أحد أبنائه فعلّمنا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون , وكلمة راجعون تبين لنا أن الموطن الأصلى للروح هو عند الله , فمن هناك أتت فبعث فينا الحياة تفضلاً منه , وإليه عادت واستقرت عند إنتهاء الأجل قضاءً منه وحكمة .
· إن للموت فلسفة يكشف عنها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها عندما تتحدث عن كرب أبيها الرسول ومعاناته عند سكرات الموت فتقول : وا كرب أبتاه , فيجيبها صلى الله عليه وسلم أنه لا كرب على أبيك بعد الآن , ونتعلم من ذلك أن الموت يضع نهاية لكل كرب , ولكل مرض , ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت لنا راحة من كل شر ) .
· الموت ليس فناءً بل هو انتقال من دار إلى دار ؛ من دار الدنيا إلى الآخرة ؛ من دار العمل إلى دار الجزاء ؛ من دار الفناء إلى دار البقاء .
· يقول تعالى : [ والآخرة خير وأبقى ] خير الآخرة للمؤمن الصالح حقيقة تحدث عنها القرآن الكريم في العديد من الآيات منها : [ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ] [ لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً ] [ فلا تعلم نفس ما أُخفيَ لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ] [ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ]
· ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين , واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
رزق الشناوي