مواجهة الابتلاءات
· اقتضت المحكمة الإلهية أن أى إنسان لابد أن يمر فى حياته بمحطات إختبار وإبتلاء من الله تعالى فهذا يبتلى فى صحته وآخر يبتلى فى ماله وآخر فى أهله وآخر فى عمله لقوله تعالى : " لتبلون فى أموالكم وأنفسكم " فهل يستسلم الإنسان إلى أحزانه – حال دخوله فى دائرة الإبتلاء – وما قد يترتب على ذلك من أمراض نفسية وعصبية كالاكتئاب واليأس والتشاؤم وغيرها بل وبعض الأمراض الجسدية التى يصعب علاجها كالضغط والقرحة وغيرها ؟ الشرائع السماوية تعلمنا أن هناك آليات يستعين بها الإنسان لمواجهة أحزانه وألامه وكل ما يحيق به من مكروه أو أذى أو فشل , من ذلك :
1- اليقين والإقتناع بأن أى مصيبة – صغيرة كانت أو كبيرة – تقع على وجه الأرض أو فى النفس البشرية إنما هى بإذن الله وبعلمه من قبل أن تقع ومن قبل أن يخلق الله الأرض ومن عليها وذلك كما هو مسطور فى اللوح المحفوظ الذى يتضمن أحواله ومصير الكون والخلق والمخلوقات فى الماضى والحاضر والمستقبل لقوله تعالى : " ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير – لكى لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم .." " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه " " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " " وكل صغير وكبير مستطر " وإن الاقتناع بما تقدم يورث السكينة والهدوء والرضا بقضاء الله ولنحمد الله على كل حال فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأكثر ابتلاء فى نفسه وولده وعرضه قوله : " ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ".
2- وقد تكون الحكمة من المصيبة هى رفع درجات الإنسان المؤمن عند ربه وتكفير سيئاته وخطاياه وتلك منحة ربانية يخص الله بها الصالحين من عباده فليس منا من هو معصوم من الخطأ وفى الحديث الشريف " ما يصيب المسلم من نصب ولا صب (مرض) ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " " ولا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة فى نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة " " وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء " " من يرد الله به خيراً يصب منه " فماذا يقول – بعد الأخذ بالأسباب التى تناسب المصيبة ؟ يتجه إلى الله تعالى بالدعاء بالأدعية القرآنية " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : " إنا لله وإنا إليه راجعون " وبالأدعية المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها " اللهم آجرنى فى مصيبتى وأخلف لى خيراً منها " " ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " والأدعية المأثورة عن أنبياء الله عليهم جميعاً السلام –نوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى ويونس وزكريا وغيرهم كما جاءت فى القرآن الكريم عند تعرضهم للإبتلاء .
3- قد تكون الحكمة من المصيبة هى تنبيه وتحذير الإنسان وتبصرته ليرجع عن اخطائه كتقصير فى العبادة أو إرتكاب معاصى أو ظلم للناس لقوله تعالى : " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون " فعند وقوع المصيبة يجب على الإنسان أن يراجع نفسه ويسارع بالتوبة النصوح من أى تقصير فى العبادة والكف عن المعاصى ورد المظالم إلى أهلها وتكثيف الأعمال الصالحة كل ذلك إبتغاء مرضاة الله لقوله تعالى : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون – أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم ... "
4- قد تكون الحكمة من المصيبة هى اختبار درجة إيمان وصبر الإنسان على قضاء الله لقوله تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم " وفى الحديث الشريف : " أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل " فالتحلى بالصبر الجميل ( دون الشكوى ) هو فضيلة عظيمة من صفات المؤمنين المتقين الذين يعظم الله أجرهم " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " وهو وصية الحكيم لقمان لابنه " يابنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " " ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "
5- قد تكون الحكمة من المصيبة أمر غيبي غير كل ما سبق ولا يعلمه إلا الله فهو سبحانه العليم بأسرار ومصالح عباده , والحكيم فى صنعه " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
· للتغلب على الحزن والخوف والقلق والضيق والغم وكل المشاعر التى قد تصحب وقوع المصيبة يجب أن يسارع الإنسان بالتقرب إلى الله لكشف الضر – بعد الأخذ بالأسباب – لقوله تعالى : " ففروا إلى الله ويتم ذلك بالسلوكيات الإيمانية ومنها :
- أداء الفروض وعلى رأسها الصلوات الخمس " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " الإكثار من النوافل وهى العبادات التطوعية مثل القيام فى الثلث الأخير من الليل لصلاة التهجد والدعاء والاسغفار لقوله تعالى : " قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم " وقوله صلى الله عليه وسلم " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ", وتلاوة القرآن " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمه للمؤمنين " والصدقات ففى الحديث الشريف " داووا مرضاكم بالصدقة " كل ذلك مما يورث اطمئنان القلب وراحة البال وهدوء النفس حتى تمر الأزمة بسلام بإذن الله " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".
- كما يجب عدم تعظيم المشكلة بل تهوينها مهما تكن كبيرة وذلك بعدم النظر إلى من هم أفضل منا حالاً وأقل ابتلاءً بل النظر إلى من حالتهم أسوأ منا وأشد ابتلاءً ثم نحمد الله على ما نحن فيه وكذلك الترويح على النفس بالالتجاء إلى شخص قريب أو صديق مخلص والتكلم معه ( ليس بالشكوى ) والإصغاء إليه فربما وجهنا التوجيه الصحيح فى أمور كنا غافلين عنها ولا تكون الشكوى إلا إلى الله جل وعلا لقوله تعالى فى دعاء نبى الله يعقوب " إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله " والإستعاذة بالله " اللهم أنى أعوذ بك من الهم والحزن " والدعاء بالقرآن الكريم " اللهم اجعل القرآن الكريم جلاء همومنا وذهاب أحزاننا وشفاء أمراضنا .."
· أما إذا استسلمنا لليأس والحزن والاعتراض على قضاء الله فإن ذلك يؤدى إلى القنوط من رحمه الله وبذلك ينقطع الحبل الذى بيننا وبين الله فنكون آثمين مذنبين ولا يغير ذلك من قضاء الله فى شئ ولا يعقبه إلا الندم والهلاك لقوله تعالى : " قال ومن يقنط من رحمة الله إلا الضالون " – والقنوط هو شدة اليأس من رحمه الله .
م. رزق الشناوى