حسن الظن
" الظن " لغة يعنى :- إدراك الشيئ مع عدم ترجيحه أو العلم دون يقين .
" الظن " قسمان :- ظن حسن ومنه ما هو مباح وما هو واجب وما هو سيئ ...
القسم الأول : الظن السيئ
الظن السيئ يظهر فى أمور منها : التهمة والتخوين للناس بغير مبرر وبدون بينة , وهو الذى نهى عنه الإسلام فى قولة تعالى ( يا أيها الذين ءامنوا إجتنبوا كثيراً من الظن إن بعد الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاُ ) وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) والمراد بالظن هنا : التهمة التى لا سبب لها كمن يتهم أحدا بفعل سيئ من غير أن يظهر عليه ما يؤيد ذلك الظن , ولذلك عطف الله التجسس على الظن فى قوله سبحانه وتعالى ( ولا تجسسوا ) وذلك حتى لا يتتبع أحدنا خاطر التهمة فيريد أن يتحقق , فيتجسس ويبحث ويستقصى , فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض الناس عامة والمسلمين خاصة , فإن قال الظان : أبحث لأتحقق قيل له : ( ولا تجسسوا ) فإن قال : تحققت من غير أن أتجسس قيل له ( ولا يغتب بعضكم بعضاً ) .
ليس المراد النهى عن الظن الذى يؤدى إلى الوصول إلى الأحكام غالباً , ولا على ما يقع فى القلب من ظنون مالم يتتبع ذلك التحدث بهذا الظن والعمل به , ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت بها أنفسها مال يتكلموا أو يعملوا به ) لأن التحدث بهذا الظن ( الغير مبنى على بنيه ) ينتج عنه الأضرار بالمظنون به وتشويه سمعته وما ينتج عن ذلك من فتنة تصيب المجتمع وتؤدى إلى تصدع وحدته .
بعض أسباب الظن السيئ وعلاجه :
من أسباب ما يكون فى الظان ومنها ما يكون فى المظنون به ..
أما الظان , فمن أسباب إرتكابه لهذا العادة المذمومة :
1 - السبب الأول : ضعف الوازع الدينى لديه , وعلاجه يكون بالإكثار من القراءة عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مع التركيز على أنهم – رضوان الله عليهم كانوا لا ينظرون إلى الناس إلا بمسامح لهم.
عن أحد الصالحين من السلف قال : كتب إلى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن ضع أمر أخيك على أحسنه .. , ولا تظن بكلمة خرجت من أمرئ مسلمٍ شراً وأنت تجد لها فى الخير محملاً ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون .... " .
2 – السبب الثانى : النظر إلى الناس بريبة , وقد يكون ذلك لأمر ما حدث له , فبنى عليه علاقته بالناس على أساس من سوء الظن والريبة . وعلاج ذلك أن النظر إلى نفسه ماذا قدم للناس حتى يظن بالناس سوءاً .
فمن الخير أن نتذكر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الظن أكذب الحديث ) إذ قد يؤدى بنا سوء الظن بأحد من الناس بدون أساس أو بينه تبرر سوء الظن به أن نعمل فكرنا لتفادى الشر المزعوم المتوقع من ذلك الشخص فنرتكب الإثم بسوء الظن بشخص برئ ويكون الأثم إن عاملنا عامة الناس على أساس سوء الظن والتخوين .
وأما الأسباب التى فى المظنون به فأمور منها :-
1 – قد يكون شخصاً فاضلاً ولكن يراه الناس فى موضع يحتمل التفسير السيئ وهو ليس كذلك كما أنه لا يلتفت لتهامس الناس وتغامزهم حوله , وعلاج ذلك النوع من الظن السيئ يتطلب من المظنون به توضيح حقيقة أفعاله لمن حوله من الناس كما فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما قام يكلم السيدة صفية رضى الله عنها إذ كانت عنده فى المسجد فما رأى رجلين من الصحابة قال : على رسلكما ! إنها صفية زوجتى فقالا أو عليك يغار يا رسول الله ؟! قال صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يجرى فى أحدكم مجرى الدم فى العروق ) .
2 – ومن الأسباب التى تكون فى المظنون به أن يرتكب أفعالاً ظاهرها سيئاً مع كونه شخصاً فاضلاً ولا يقصد إرتكاب ما يشين من الأعمال , فربما تكون فعلته هذه عادة تعودها أو لشئ ما فى نفسه , وعلاج ذلك يكون أولاً بأن يدرك خطاً نفسه ويراقبها ويراقب أفعاله مع الناس عامتهم وخاصتهم , ثم الإستعاذه بالله تعالى أن يجنبه مواطئ السوء وأن يتذكر دائما ما قيل قديماً " من سلك مسالك التُهم أًتهم ولا أجر له " .
القسم الثانى : الظن الحسن
الظن الحسن هو ألا يتهم ولا يخون أحداً , بل يفكر فى الناس خيراً والظن الحسن يكون على النحو التالى :-
1 – حسن الظن بالناس عامة وإن خالفونا فى الدين , ولذلك قال تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) فهنا لم يأت الحكم عليهم جميعاً حكماً واحداً , فقد أثنى المولى على من يؤدون الأمانة منهم , فإذا كان هذا فى أمر غير المسلمين كان حسن الظن بالمسلمين أولى فلا نخون أحداً حتى تظهر عليه علامات يعرفها القاصى والدانى , فهذا الصنف من الناس ينبغى أن يكون الناس على حذر منه .
2 – أثر حسن الظن بالناس عامة وبالمسلمين خاصة :
حسن الظن يؤدى إلى تألف القلوب مما ينتج عنه حب الناس عامة بعضهم بعضاً , وبالأحرى أن يسود الحب بين المسلمين فيؤدى ذلك إلى الوحدة بين الأفراد والجماعات فينتشر السلام وتختفى أسباب التوتر والإحتقان فى المجتمع ولقد إمتن الحق على رسوله بنعمة التآلف بين قلوب أتباعه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) .
والدليل على وجوب حسن الظن :-
قوله صلى الله عليه وسلم ( رأى عيسى عليه السلام رجلاً يسرق فقال له أسرقت قال كلا والله الذى لا إله إلا هو فقال عيسى أمنت بالله وكذبت عينى ) فإن عيسى عليه السلام الذى هو كلمة من الله وروح منه أراد أن يبنى حكمه على أساس حسن الظن بمن حلف بالله لا على باطن الأمر الذى لا يعلمه إلا الله أى صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لى من كون الأخذ الذى رأيته سرقة .
وكذلك لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك جاءه من لم يخرجوا معه وبالغوا فى الإعتذار ورغم أن من بين هؤلاء منافقين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الإعتذار على ظاهر امورهم وأوكل إلى الله سرائرهم مع أنه كان بوسعه أن ينعتهم بالنفاق حتى يعلمنا كيف نتعامل مع الناس ونظن بهم خيراً ولا نفتش عما لم يظهر لنا من سرائرهم .
وأما أعلى أنواع الظن الحسن فهو : حسن الظن بالله , فهو واجب على كل مسلم فى جميع مراحل حياته ولذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( أنا عند ظن عبدى بى إن خيراً فخير وإن ظن شراً فشر ) بمعنى إن ظن العبد أن سيغفر له , فإن الله سيغفر له والعكس بالعكس , ولبيان أهمية حسن الظن بالله فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال قبل وفاته بثلاثة أيام ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى) ففى هذا الحديث الشريف تحذير من القنوط والحث على الرجاء فى عفوه تعالى بعد الأخذ بالأسباب التى تؤدى إلى لنيل رضاه مع الخوف والحذر من الوقوع فى المعاصى التى تؤدى لبغضه والعياذ بالله فإذا وجد العبد أنه قد تعذر عليه الأخذ بأسباب الطاعات والأعمال الصالحة فى سابق أيامه فعليه عدم اليأس من رحمة الله وعمل ما بوسعه لإرضاء خالقه مع الرجاء وحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته وما وفقه للعمل به , وأنه تعالى سيغفر له ما قد سبق , ويؤيد ذلك الحديث الشريف ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) .
والواجب حسن الظن بالناس عامة وبالمسلمين خاصة لأنه إذا لم يحسن الناس الظن بعضهم ببعض فإنهم سيتباغضون ويتحاسدون مما يؤدى لمفسدة عظيمة فى المجتمع وهذا كله منهى عنه لقوله صلى الله عليه وسلم ( ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً ) فالنهى هنا للتحريم وليس لمجرد الكراهة لأنه لم تأت قرينة تصرفه إلى الندب كما أجمع علاء الأصول وكما هو معروف فإن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع .
والخلاصة أن للظن حالات ثلاث :-
الحالة الأولى :- الظن المباح , كالظن فى الأمور المعيشية , كمن يريد أن يبدأ مشروعاً تجارياً أو صناعياً ولكن لا تتوافر لديه المعلومات المؤكدة عن إقتصاديات هذا المشروع , فيمكنه البدء إعتماداً على ظنه بأن هذا المشروع سيدر عليه أرباحاً كثيرة إعتماداً على خبرته فى هذا المجال ولكن عليه أن يلجأ إلى الإستخارة قبل البدء بالعمل وطلب التوفيق من الله تعالى .
الحالة الثانية :- الظن الواجب كالواجبات من الأعمال الشرعية التى ليس عليها دليل قطعى ولكن لا يوجد مما يمنع العمل بها فيوكل العمل بها لحسن الظن بالله تعالى كالنوافل من صالح الأعمال فيكون الظن هما أن الله سيتقبل منا هذا الاعمال وأنه سيجزينا عنها من فضله خير الجزاء .
الحاله الثالثة :- ما يحرم من الظن ومنه الظن السوء بالناس عامة وبالمسلمين خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن سوء ) وقوله أيضاَ ( من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن ) ويشترط فى حرمه سوء الظن بالمسلم أن يكون ممن شوهد منه التستر والصلاح والأمانه أما من يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج من مواطن الريبه فلا يحرم ظن السوء به والذى يميز الظنون الواجب إجتنابها عمن سواها : أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الإجتناب , بخلاف من أشتهر بتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث .
إعداد
المهندس محمد موسي.