وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
- الحمدلله الرحمن الرحيم القائل : " أنه كان بكم رحميا " فهو سبحانه وتعالى خلق الإنسان بيده الكريمة تكريماً له وخلق له مقومات حياته فى الدنيا ووعدهم بجنات فيها نعيم مقيم فى الآخرة وهو سبحانه الذى ألهم بنى آدم الطريق القويم والفطرة حيث يقول عز وجل : " وهديناه النجدين " .
- من رحمته تعالى بعباده أنه لم يتركهم فى اختيار طريق الهدى لفطرتهم بل أرسل إليهم الرسل والأنبياء وأنزل معهم الكتب التى تهديهم إلى حق عبادته وتدلهم على صالح الأعمال التى توصلهم إلى رضاه والجنة وختم برسالة سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال عنه عز وجل : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .
- من مظاهر رحمة الله لعباده أنه قد اختار لهم نبياً يحمل كل صفات الأخلاق الكريمة التى بها يكون العبد ربانياً قريباً من رحمته تعالى حيث وصفه عز وجل بقوله : " وإنك لعلى خلق عظيم " وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
- ومن مظاهر رحمته تعالى بعباده أنه بعث فيهم نبيا من أنفسهم قريب منهم يعايش مشاكلهم ويجمعهم على مبادئ الود والمحبة لقوله تعالى :" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " وقوله أيضاً :" ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " .
- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسد رحمة الله تعالى لكل البشر مسلمين وغير مسلمين بل لجميع مخلوقات الله حتى البهائم .
- فأما مظاهر رحمته للمؤمنين فلا تعد ولا تحصى ومنها على سبيل المثال :
1- أول مظاهر الرحمة للمؤمنين أن الله تعالى جعل طاعة رسوله طريقاً لنيل محبته ومغفرته لقوله عز وجل : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ".
2- من الله على عباده بأن جعل لهم أمانين من العذاب وهما وجود الرسول الكريم بينهم والإستغفار فقال عز وجل : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يقول بعض المفسرين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما زال موجود بيننا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وذلك بطاعته وإحياء سنته الشريفة .
3- من فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين أن أرسل إليهم رسولاً يرشدهم لما يحييهم الحياة الطيبة فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم "
4- اختص الحق سبحانه وتعالى رسوله الكريم بنعمة عظيمة للمؤمنين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وهى قبول شفاعته صلى الله عليه وسلم للعصاة منهم وإخراجهم من النار قال صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل أتانى آنفا فبشرنى بأن الله قد أعطانى الشفاعة , فقلنا : يا رسول الله أهى فى بنى هاشم خاصة ؟ قال لا فقلنا : فى قريش عامة ؟ قال لا فقلنا فى أمتك ؟ فقال : هى فى أمتى للمذنبين والمثقلين "
5- منح الحق تعالى لكل رسول دعوة مستجابة فدعا جميع الرسل بدعواتهم فى الحياة الدنيا ولكن من فضل الله وبركة رسوله أنه صلى الله عليه وسلم ادخر دعوته للمؤمنين ليوم هم فيه أشد الحاجة لما ينقذهم من أهوال يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم : "كل نبى مضت دعوته إلا دعوتى فإنى ادخرتها عند ربى إلى يوم القيامة "
6- من مظاهر رحمة الله بعباده التى يسوقها على يد رسوله أنه سبحانه وتعالى أوحى إلى رسوله الكريم أن يعلمهم الحكمة فى الأقوال والأفعال ويزكيهم عند ربهم بتعريفهم ما فرض الله عليهم من العبادات ويرشدهم إلى الأخلاق الكريمة وحسن المعاملات حتى ينالوا سعادة الدارين قال تعالى : " كما أرسلنا فيكم رسولاً يتلو عليكم ءاياتنا ويذكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون "
- من مظاهر رحمة الله تعالى بغير المسلمين فى الدنيا أن أمر رسوله الكريم وأمر المؤمنين بحسن معاملة غير المسلمين لكى يعيش المجتمع فى سلام وأمان أما جزاء الإيمان والكفر فهو عند الله تعالى يظهره يوم الحساب وليس لمخلوق أى دخل فيما بين العباد وخالقهم .
1- أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالعدل والبر فى معاملة المسالمين من غير المسلمين فقال تعالى : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم فى الدين ولم يخرجكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " قال الشوكانى فى " فتح القدير " : معنى الآية أن الله تعالى لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل.
2- حرص الرسول الكريم على إرساء قواعد الأمن والسلام للمجتمع الإسلامى بكافة عناصره فقال صلى الله : " من قذف ذمياً حد له يوم القيامة بسياط من نار " وقال أيضاً : " من آذى ذميا كنت خصيمة يوم القيامة " .
3- لما قدم الرسول الكريم إلى المدينة المنورة واتخذها مركزا للدعوة كان أول ما حرص عليه بعد بناء المسجد هو إصدار دستوراً حضارياً وهو " صحيفة المدينة " الذى يكفل لكل من يعيش فى المدينة من المسلمين واليهود حقوقهم فى الأمن والطمأنينة على أنفسهم وأموالهم وحريتهم بل أشرك اليهود حقوقهم فى الأمن والطمأنينة على أنفسهم وأموالهم وحريتهم بل أشرك اليهود فى الدفاع عن المدينة إذا تعرضت للعدوان من خارج المدينة إلى أن نقضوا بالعهد فأخرجهم منها .
- من رحمته تعالى بجميع مخلوقاته أن أوحى لرسوله الكريم الرحمة بالبهائم فقال صلى الله عليه وسلم : " فى كل ذى كبد رطبة أجر " .
1- نهى صلى الله عليه وسلم عن صبر البهائم : أى حبسها حتى تموت أو قتلها صبراً .
2- بشر الرسول الكريم برضى الله ومغفرته لمن يحسن للبهائم والوعيد والعقاب لمن يسئ لها فقد غفر الله تعالى لامرأة بغى لأنها سقت كلباً فأنقذته من الهلاك عطشاً بينما دخلت امرأة النار لأنها حبست قطة حتى الموت .
3- لم يكتف الرسول بالنهى عن إيذاء البهائم الحية فقط بل نهى صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالبهائم الميتة , فقال ( لا تمثلوا بالبهائم ) وأنه مر على أناس وهم يرمون كبشا بالنبل فكره ذلك وقال : ( لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا )
4- الحق سبحانه وتعالى سخر لنا الأنعام والطيور وأحل أكل لحومها والإنتفاع بجلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وريشها فقال تعالى : " والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " , وقد أكد الشارع الحكيم على الإلتزام بضوابط الرحمة بها حتى عند الذبح مثل شحذ السكين وعدم ذبح أى بهيمة على مرأى من بهيمة أخرى وعدم بدء سلخها إلا بعد التأكد من موتها تماماً كما نهى عن قتل أى بهيمة أو طائر إلا للضرورة وعدم قتلها للتسلية فقال صلى الله عليه وسلم : " من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة وله صراخ عند العرش يقول يارب سل هذا فيم قتلنى فى غير منفعة " اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك والحمد لله رب العالمين .
محمد موسى