علامات الساعة من المعجزات المستمرة
"لرسول الله صلى الله عليه وسلم"(2)
عرف فضيلة الإمام الجليل محمد متولى الشعراوى ببلاغة كلماته وبساطة أسلوبه وجمال تعبيره وقد استطاع من خلال تقديم خواطره فى تفسير القرءان الكريم الوصول إلى أكبر شريحة من المسلمين فى جميع أنحاء العالم العربى وكلما أطل علينا الشيخ فى إحدى تسجيلاته القديمه والملائكيه يرتدى جلبابه الأبيض المتميز ويتكأ على أريكته ممسكاً بإحدى يديه كتاب الله والآخرى يشرح بها تتهافت عليه قلوبنا وحلقت حوله عقولنا من فيض ما فتح عليه الرحمن من فتوحات ربانيه
وفي هذا العدد يستكمل الشيخ الشعراوي حديثه السابق عن علامات الساعة ومنها إختلال الميزان وهي ضياع الحق أو كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إعجاب كل ذى رأى برأيه وإعجاب الناس بآرائهم هو بداية الخروج من الحق إلى هوى النفس وكل واحد يقول : هذا رأيى ولابد أن يتبع ويحاول بشتى الطرق أن يزين هذا الرأى ولو بالباطل وأن يجمع الأدله عليه ولو كذباً فإذا رأى الحق فإنه ينسى أن الرجوع إلى الحق فضيلة ويرفض أن يهزم وأن يؤخذ بغير رأيه فكأن الناس قد وضعوا أنفسهم فوق الحق بينما الحق هو الذى كان يجب أن يسود الجميع وأن يخضع له الناس ولكن الدنيا كلها تتفنن فى الخداع ويصبح كل صاحب رأى يحاول أن يحقق غايته بأى طريق بالضلال والإختلال وهكذا يختل ميزان الدنيا لأنه مقام على الحق ويصبح الحق ضائعاً لا صاحب له لأن كل صاحب رأى معتز برأيه بصرف النظر عن الحق وهذا ما نجده الآن فى الدنيا فالناس تحاول أن تفعل أشياء وتخلد أسماءها أو ليقال إنها فعلت دون أن يكلف إنسان جهده فى أن يسأل نفسه أين الحق وأين الباطل من كل ما يجرى . نأتى بعد ذلك إلى علامة أخرى من علامات إختلال الميزان وهى إعطاء الشئ لغير أهله والدنيا كلها قائمة والحياة كلها تقدمت بأن يعطى الشئ لأهله فتعطى قضايا العلم للعلماء وتعطى القضاء مثلا لمن هم قد درسوا قوانين الله وشرعه ولكن العقل البشرى عند إقتراب الساعة لا يعطى الشئ لأهله .فإذا بدأنا بالقضية الكبرىوهى قضية خلق الحياة والكون فالله سبحانه وتعالى هو الذى خلق وهو الذى أخبرنا بأنه خلق ولم يخبرنا أحد ولايجرؤ أحد ان يدعى أنه خلق الكون ومع ذلك يأتى بعض الناس ليقولوا : إن الكون خلق بالصدفة وأن هناك تفاعلات كذا وكذا هى التى فعلت كذا ونجد نظرية التطور تقول : إن الإنسان أصله قرد مع أن الله سبحانه وتعالى هو الذى خلق الإنسان وأخبرنا كيف خلقه . ولكن فى هذه القضية الكونية الكبرى ينسب الشئ لغير أهله ويفترى الناس على الله ويغرهم ما كشف الله لهم من قوانين وأسرار فى الكون فيظنون أنهم قد أوجدوا هذه القوانين وأنهم قد صنعوها بقدرتهم وإنها تتصرف وفقاً لإراداتهم فتختل الموازين ويعبد الإنسان نفسه فتأتى إرادة الله سبحانه وتعالى لتزيل هذا الزيف كله ويدعى الناس للحساب أمام الله فيرون أنهم كانوا عجزة لا يقدرون على شئ وكانوا خاضعين لا يملكون شيئاً ولكن الله هو الذى أعطاهم من قدرته ومنحهم من ملكه فإذا بهم يقابلون ذلك بالكفر بدلاً من الشكر . هذا هو المعنى الواسع لأن يعطى الشئ لغير أهله أى أن يحسب الإنسان أن الأصيل فى الكون وأن كل شئ خاضع له وينسى خالقه . وكلما مر الزمن شهدنا ذلك يبرز على الساحة فى العالم فتجد من يقول : إنتهى عصر الدين وبدأ عصر العلم كأنما الدين والعلم متعاندان بينما الدين هو دين الله والعلم هو علم الله وكلاهما مثبت للإيمان ونرى العالم كلما تقدمنا فى الزمن يحسب أنه قد إستطاع أن يسيطر على الأرض بالعلم ويخضعها لإرادته ويتحكم فيها بينما العلم لم يخلق شيئا وإنما إستخدم المادة التى خلقها الله والعقل المسخر له من الله فى إستخدام ما شاء الله من أسرار هذا الكون . فالذى إخترع الصاروخ مثلا جاء بالمواد التى خلقها الله وأوجدها فى الأرض ليصنع منها جسد الصاروخ ووقوده فهو لم يخلق المادة التى صنع منها جسد الصاروخ وإنما جاء بها من المناجم التى أوجدها الله فى الأرض قد يكون قد طورها وقواها بمواد أخرى ولكنها كلها جاءت من خلق الله مما أودع الله سبحانه وتعالى فى كونه من نعم وكنوز وفى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 25) سورة يونس
الشئ لغير أهله
فإذا هذا الحديث بالمعنى الواسع وهو أن يعطى الشئ لغير أهله . نجد أننا بدلاً من أن نعطى ما فى الدنيا لله سبحانه وتعالى الخالق والموجود, ونأتى لغير أهل هذا الأمر , وهو الإنسان فننسبه إليه لغرور التقدم العلمى والإنسان غير أهل لذلك فهو لا يستطيع أن يخضع قانوناً واحداً من قوانين هذا الكون لارادته ومع ذلك فهو يظن باطلا على غير حقيقة أنه قادر على هذا الكون وأنه هو الذى أخضع القوانين بالعلم والتكنولوجيا حينئذ يأتى أمر الله ليعلم الناس الحقيقة , وإذا أخذنا هذا الحديث " يعطى الشئ لغير أهله " بأنه سيكون هناك حكام وولاة يحاولون البقاء على حكمهم بألا يختاروا الناس لكفاءتهم أو عملهم أو خبرتهم ولكنهم يختارونهم من المخلصين لهم بغير علم ومن الذين يطيعونهم بالحق والباطل ويعطونهم ما هم ليسوا بأهل له وهو ما يعبر عنه فى العصر الحديث بأهل الثقة وأهل الخبرة هؤلاء الحكام وهو يعرفون من يصلح للعمل ولكنه متمسك بالحق فيبعدونه عنه ويضعون فيه أولئك الذين لا يفقهون شيئاً وبهذا تنتقى الخبرة السليمة فى إدارة العمل ويصبح الذين يعلمون لا يفعلون شيئاً والذين لا يعلمون هم الذين يديرون حركة الحياة فى الكون كله وما دامت المسألة أهل الثقة وأهل خبرة تكون حركة أشراف الناس على الحياة مختلة فيختل الكون كله , ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى ذلك فى الحديث الشريف حين يقول : " من ولى من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح منه فقد خان الله وخان رسوله وخان جماعة المسلمين " ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة وأضاعوا الأمانة وأكلوا الربا وإستحلوا الكذب وباعوا الدين بالدنيا فهذه من علامات الساعة والصلاة هى الصلة بين العبد وربه وكل أحكام الدين ترفع ما عدا الصلاة لأنها الصلة بين العبد وربه فالحج لمن إستطاع إليه سبيلا فمن لم يستطع لأنه فقير يسقط عنه الحج ومن لم يستطع لأنه مريض بمرض مزمن لا يشفى سقط الحج والزكاة تسقط عمن لا يملك إلا قوته وقوت عياله والصوم لمن كان فى تمام صحته ولم يكن مسافرا ولكن الصلاة لاتسقط بالمرض ولا تسقط بالفقر ولا تسقط بالسفر فالإنسان يصلى واقفاً ويصلى قاعدا إذا كان لا يستطيع أن يقف ويصلى فى فراشه إذا كان لا يستطيع أن يغادر الفراش ويصلى حتى ولو لم يكن قادراً على أن يحرك يديه وقدميه فالصلاة هى أساس حياة المؤمن لا يتركها أبداً وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أماتوا الصلاة) أى لم تعد موجوده فى حياتهم فالميت يخرج من الحياة الدنيا وكذلك الصلاة تخرج من حياة الناس فى آخر الزمان والميت يصبح نسياً منسياً مصداقاً لقوله تعالى : " ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " من الأيه 23 من سورة مريم وهكذا تنسى الصلاة فى أخر الزمان ويؤذن الله أكبر والناس لاهون فى أمور الدنيا فلا يقوم أحد إلى المسجد ليصلى أو يقوم ليتوضأ أو يصلى بل عندما يؤذن المؤذن للصلاة يكون كأنه ينادى على موتى فلا يجيبه أحد .
الأمانة
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأضاعوا الأمانة ) معناها أنهم أضاعو منهج الله لأن الأمانة هى المنهج الذى حمله الإنسان ليؤدى فى الدنيا , مصدقاً لقوله الحق سبحانه وتعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ) الأيه 72 من سورة الأحزاب . فكأن الناس فى أخر الزمان يضيعون منهج الله . وكيف يضعونها ! إنه يكون فى أيدهم ولكنهم لا يعملون بها وهكذا يضيعون على أنفسهم ثواب المنهج الذى لو علموا به وحصلوا على خير الدنيا والأخرة .. فكأن الله سبحانه وتعالى قد أعطاهم شيئاً ثميناً وهو منهج السماء وهو القرآن الكريم فأضاعوه أى فى مكان بعيد عن حياتهم ولم يلتفتوا إليه ولم يحاولوا أن يبحثوا عما فيه من كنوز ومن علم هذه واحدة والثانية أنهم أهملوا الأخذ به فبدلا من أن يتبعوا التشريعات التى جاء بها الله ذهبوا ليقننوا لأنفسهم وكأنما قوانين البشر هى أعلى من قوانين الله ولذلك طرق الأنسان المنهج الذى أعطاه الله إياه وإنطلق يشرع لنفسه وسمعنا عن القانون الرومانى والقانون الفرنسى والقانون الإنجليزى إلى أخر هذه القوانين , كل قانون منهم يتبع هوي النفس وكل قانون منهم وضع ليميز طبقة عن طبقة ويميز أفراداً عن أفراد ولذلك أعطي الله سبحانة وتعالى القانون الذى فيه العدل بلا هوية والحق بلا غرض فأضاعوا وأخذو يبحثون عن قانون البشر يضعونها فإذا العيوب تظهر فيعادلون ويبدلون في حتى يصبح القانون غارق فيه . التعديلات كالثوب المهلهل المرقع لا يطرح لشئ وأضاعوا الأمانة جعلوا الدين فى خدمة الدنيا بينما الدين هو السيد وكل ما فى الدنيا يجب أن يخدمه ففسروا دين الله بغير ما قاله وأصدروا الفتاوى ليحلوا ما حرمه الله ويحرمو ما أحله خدمة لأمور دينهم وتقرباً منهم لذوى النفوذ فأضاعوا عدل الدين وأضاعوا حكمته وأضاعوا كل شئ يمكن أن يعطي الإنسان الحياة الأ منة المستقرة إذا حدث هذا كله فإعلموا أنه من علامات الساعة.
في العدد القادم بإذن الله نستكمل باقي العلامات الصغري للساعة مع فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه