" إستفت قلبك "
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ) رواه أحمد .
يخطئ كثيراً من الناس في فهم هذا الحديث حين يقوموا بالحكم على أمراً ما بالتحليل أو التحريم وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم ، فيرتكبون المحرمات ويقولون : (إستفت قلبك( وليس معنى الحديث أن مسائل الحلال والحرام تأخذ بفتوى النفوس بل لا بد فيها من سؤال أهل العلم, والأخذ بما يقولون , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه ، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض" ولكى يصل المؤمن إلى تلك الدرجة و يثق فى ما يمليه عليه قلبه ويطمئن له فعليه بالتقرب والتودد إلى الله ولا يشكو إلا رب العباد ويدعوه ويسأله من فضله بقلب خاشع أن يجعله من عباده الصالحين لكى ينزل عليه الرحمات والسكينة إنه بعباده رؤوف رحيم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ , وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" {أخرجه البخاري في الصحيح}. ونستنتج من هذا الحديث أن كلما صلح قلب المؤمن وإمتلئ بحب الله و إبتعد عن حب النفس والشهوات صلحت حياته وسائر أعماله وإن فسد القلب فسد كل شئ . قال بعض المفسرين في قوله تعالى " :إن في ذلك لآيات للمتوسمين " أي المتفرسين . وروى الترمذي في تفسيرها الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل "
قال تعالى : " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ? وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " {سورة البقرة } إن الله سبحانه وتعالى يختص من عباده من يشاء فينزل عليه الحكمه والطمئنينة ويملئ قلبه بالتقوى والورع , فيشعر المؤمن عند إتخاذ أى قرار أن الله سبحانه وتعالى يرشده إلى الصواب فى حين أنه لو سأل أهل العلم سيدلونه ولكن سوف يكون فى حيره من أمره , أما الذى أنعم الله سبحانه وتعالى عليه دله و أراح قلبه وإستقر فى نفسه اليقين بالإجابة . روى الترمذي عن أنس مرفوعا : " من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ، ولا يمسي إلا فقيرا ولا يصبح إلا فقيرا ، وما أقبل عبد إلى الله عز وجل بقلبه ، إلا جعل الله تعالى قلوب المؤمنين تنقاد إليه بالود والرحمة وكان الله بكل خير أسرع ".
نسأل المولى عز وجل أن يجعلنا من عباده الصالحين المخلصين وأن يملئ قلوبنا بالإيمان والهدى وبكل ما يقربنا إليه وينزع من قلوبنا كل عملاً يباعد بيننا وبينه وأن ينير طريقنا وأن يجعلنا ممن يستفتوا قلوبهم .
مصطفى محمد على