استشارة قانونية أنواع التحكيم
في العدد الماضي تحدثنا عزيزي القاريء عن مفهوم التحكيم وتناولنا بالشرح أحد أنواعه وهو التحكيم الإختيارى والتحكيم الإجبارى و نطاق تحكيم القطاع العام ونستكمل في هذا العدد أنواع التحكيم الأخرى وهي التحكيم الوطنى والتحكيم الدولى و التحكيم بالقانون والحكم بالصلح و التحكيم المؤسسى والتحكيم الحر..
التحكيم الوطنى و التحكيم الدولى
- وينقسم التحكيم من حيث عناصر أو نقاط الإلتقاء points de contact بينه وبين نظام قانونى ما , إلى تحكيم وطنى وتحكيم دولى 0 ويعد التحكيم وطنياًnational إذا كانت كافة عناصر النزاع تنتمى إلى إقليم دولة بعينها سواء من حيث مكان التحكيم و طبيعة المنازعة والإجراءات والقانون واجب التطبيق وجنسية ومحل إقامة طرفى النزاع, فى حين يعد التحكيم دولياً international حال قيام العديد من نقاط الإلتقاء بينه وبين عدة نظم قانونية كإختلاف جنسية أطراف النزاع أو محل إقامتهم أو مكان التحكيم أو طبيعة المنازعة.
- وترجع أهمية التفرقة فيما بين التحكيم الوطنى والتحكيم الدولى من عدة نواحى , أهمها الرقابة التى يلقاها حكم التحكيم عقب صدوره وطرق الطعن عليه وسلطة القاضى الوطنى فبينما يجوز رقابة التحكيم حال كونه داخلياً, فإن التحكيم الدولى لا يجيز لجهة القضاء رقابته أو التصدى لأساس النزاع.
كذلك بشأن القواعد التى يتم تطبيقها على نوعى التحكيم, فبينما يطبق القاضى فى التحكيم الداخلى قواعد نظام التحكيم التى وضعها المشرع الوطنى ويبطل الحكم التحكيمى إذا خالفها, فهو أمام الحكم التحكيمى الدولى , غير مقيد إلا بمفهوم النظام العام.
التحكيم بالقانون والحكم بالصلح
وينقسم التحكيم من منظور القواعد المطبقة وسلطة هيئة التحكيم المكلفة بالفصل فى النزاع إلى تحكيم بالصلح وتحكيم بالقانون , حيث قد يتفق الأطراف على عدم رغبتهم فى تطبيق أية قواعد قانونية محددة على المسألة محل النزاع , والرغبة فى تسوية عادلة, وتفويض هيئة التحكيم لتحكيم وفق ما تراه متفقاً ومبادئ العدالة والإنصاف وحسن النية, وإعفاءها من الإلتزام بتطبيق قواعد القانون الواجب التطبيق على النزاع, أو الإلتزام بتدعيم هذا القرار بأسانيد قانونية تبرر ما انتهت إليه.
وهو ما يسمى التحكيم مع التفويض بالصلح amiable composition أو تحكيم العدالة.
أما التحكيم القانونى فتلتزم فيه هيئة التحكيم , بالفصل فى النزاع وفق قواعد القانون الموضوعى أو الإجرائى الذى يتم تحديده من قبل الأطراف0ومن المتصور فى هذا التحكيم أن تطبق هيئة التحكيم أحكام قانون واحد فى جميع مراحله أو إخضاع كل مرحلة لقانون مختلف تبعاً لإرادة الأطراف.
والأصل العام أن يكون الفصل فى النزاع على أساس من أحكام القانون , فإذا ما أطلق لفظ التحكيم مجرداً , فالفرض أنه التحكيم بالقانون, ومن ثم فإن سلطة هيئة التحكيم مقيدة بأحكام القانون وحدوده, إلا أن الأطراف قد يرتضوا بتعبير قاطع الدلالة على تفويض هيئة التحكيم صلاحية الفصل فى النزاع وفق ماتراه محققاً للعدالة, ولو كان فى هذا الحكم مخالفة لأحكام القانون التى تحكم وقائع النزاع والتى يلتزم القاضى بتطبيقها فيما لو عرض النزاع عليه.
التحكيم المؤسسى والتحكيم الحر
وينقسم التحكيم من منظور الاجراءات المنظمة له وأسلوبه,ومدى خضوع إرادة الأطراف مقدماً للوائح منظمة تحكيم بعينها, إلى تحكيم حر Ad Hok Arbitration وتحكيم مؤسسى Institutional Arbitration 0 حيث يتولى الخصوم فى التحكيم الحر إختيار هيئة التحكيم ويحددون زمانه ومكان إنعقاده ولغته وصياغة كافة القواعد والمسائل الإجرائية المتعلقة بمباشرة إجراءاته,وكذلك تعيين القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع,أو الإحالة إلى المصادر التى تستقى منها, أوالإشارة فى بعض الأحوال إلى لائحة لمؤسسة تحكيم أخرى .
أما التحكيم المؤسسى فتنحصر فيه إرادة الأطراف فى إختيار إحدى مراكز التحكيم الدائمة والتى تتولى إدارته والإشراف عليه مؤسسات أو منظمات وطنية أو دولية على نحو دائم ومستمر , طبقاً للوائح المنظمة والمعتمدة لدى تلك الهيئات , فتقوم بدورها نحو التجهيز الفنى للدعوى حتى تكون تحت تصرف ذوى الشأن, فضلاً عن تشكيلها لهيئة التحكيم أو تكملته حال إمتناع أطراف النزاع أو أحدهم عن القيام بهذه المهمة , وكذلك المساهمة فى إزالة العوائق التى قد تعترض الإعتراف بقرار التحكيم بعد صدوره.
والمشاهد عملاً أنه وإن تراجع التحكيم الحر لحد ما أمام تحكيم الهيئات والمراكز الدائمة فى الوقت الحاضر,فإن هذا النوع من التحكيم مازال يحتل مكانته فى ساحة المعاملات الدولية إزاء الثقة التى يمنحها الأطراف فى أشخاص المحكمين وإطمئنانهم لسلامة تقديرهم, خاصة فى مجال المنافسة بين الشركات وبراءات الإختراع وعقود نقل التكنولوجيا,وما يحققه من سرية مطلوبة فى مثل هذه الأحوال , فضلاً عن تفضيله فى العديد من المنازعات التى تنشب بين الشركات الأجنبية الخاصة وبين الدول , خاصة المتعلق منها بمجال المعلومات ومجال التجارة الإلكترونية وعقود الإمتياز الدولية وعقود إستخراج وإستغلال الثروات الوطنية الطبيعية وعقود الإنشاءات الهندسية.
إعداد
رياض مصطفي البرلسي
رئيس قطاع الشئون القانونية والعقارية
مدير الإدارة القانونية