خواطر رمضانية
** تستقبل الأمة الإسلامية شهر رمضان هذا العام وهى تمر بمرحلة من أخطر مراحل حياتها , فلا أمن ولا استقرار بل فرار وسفك دماء ودمار , وخلافات ومؤامرات وصراعات وتخريب ديار ولا نجاة لهذه الأمة إلا بالرجوع إلى كتاب ربها واتباع سنة نبيها عليه الصلاة والسلام والسير على منهج السلف الصالح والذي يتمثل فى الالتزام بكل ما أمر به رب العزة واجتناب ما نهى عنه, أفراداً وجماعات وأمماً , كما يتمثل فى وحدة الصف والكلمة ونبذ الخلافات والأحقاد وتغليب مصالح الأمة والعباد تحت مظلة التوجيه القرآنى والهدى النبوى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) ?وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ? , ويقول (ص) ( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) , وشهر رمضان يذكرنا بهذه المعانى ويجسد كل أنواع الوحدة فحين يظهر هلال رمضان يقف كل المسلمين طائعين يمسكون عن الطعام والشراب فى وقت واحد عند طلوع الفجر , ويتناولون الطعام والشراب فى وقت واحد عند غروب الشمس يتجهون فى صلواتهم إلى قبلة واحدة لعبادة رب واحد واتباع نبى واحد وهدى كتاب واحد وهم فى ذلك يمثلون وحدة إيجابية وتجمعهم شعائر دين واحد قادر بإذن الله على ربط وتأليف قلوب المسلمين ليكونوا على قلب رجل واحد لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه وهو ما يؤهلنا له صوم شهر رمضان المبارك بإقامة شعائره والتضرع إلى الله بقبولها من رب العزة جل وعلا .
**شهر رمضان شهر الله المختار اصطفاه وفضله على سائر الشهور لتحريك العقيدة فى قلوب المؤمنين فجعله شهر الصيام ,تلك الفريضة التى تشكل أحد الأركان الخمسة للإسلام والتى هى الجانب العملى فى العقيدة الإسلامية , وتأتى مكملة للجانب النظرى فى العقيدة بأركانها الستة وهى الإيمان – أى التصديق – بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره لقوله (ص) ( الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل ) وقد اختص الله شهر رمضان بإنزال الكتب السماوية , فى إشارة إلى جليل قدرته ورفيع مكانته , فقد ورد فى حديث رسول الله (ص) أن صحف إبراهيم أنزلت فى أول ليلة من رمضان , وأنزلت التوراة على نبى الله موسى فى السادس من رمضان , وأنزل الإنجيل على نبى الله عيسى فى الثالث عشر من رمضان , وبدأ نزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء (ص) ليلة الرابع والعشرين من رمضان فى ليلة سماها رب العزة ليلة القدر وجعل العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر , ثم استمر نزوله منجما على مدى نحو 23 عاماً بحسب المناسبات والأحداث ووفق مشيئة العليم الحكيم .
**إن شحنة الإيمان التى تغمر قلوب المؤمنين فى شهر رمضان بفضل تقربهم إلى الله بالعبادات والطاعات وكافة أنواع الخيرات والكف عن المعاصى والشهوات وما ترتب على ذلك من غفران للذنوب ورفع للدرجات ومضاعفة للحسنات لهى كنز ثمين جدير بالمحافظة عليه بالمداومة على هذه الأعمال طوال أشهر العام حتى تدوم النعمة وتعم البركة ويتضاعف الأجر وتتحقق الاستفادة والاستثمار الأعظم لنفحات الشهر الكريم ودروسه وخيراته التى تعود على المرء بأسباب السعادة فى الدنيا والآخرة فلا يشقى فى دنياه ولا آخرته , وفى الحديث الشريف ( إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة فلا يشقى بعدها أبداً ) والنفحة هى الجائزة العظمى من رب العزة وتتمثل فى البركة فى المال والنفس والولد وغفران الذنوب وما يشاء الله أن يسبغه على عبده من النعم بفضل قبول أعماله ورضا الله ,عنه والتعرض لهذه النفحات يعني العمل بما يوجب الفوز بها ويكون ذلك بالحرص على الأعمال الصالحات فى رمضان وبعد رمضان وأهم هذه الأعمال سبعة :
1-المحافظة على الصلوات الخمس وخصوصاً صلاة الفجر فى أوقاتها .
2- قيام الليل فى الثلث الأخير للتهجد والاستغفار وقت السحر والدعاء .
3- صيام التطوع بقدر المستطاع ففى الحديث ( إن أحب الأعمال أدومها وإن قل)
4- صدقات التطوع ولوقليلة ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها )
5- قراءة ما تيسر من القرآن الكريم يومياً .
6- حفظ اللسان .
7- صلة الأرحام .
** من الأمور التى كثر الجدل فيها صيام المسافر والمريض وغير القادر وقد استقر رأى أهل العلم على الأتى : إن المسافر مسافة قصر الصلاة أكثر من (85 كيلو متر ) له إما أن يفطر لقوله تعالى (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ …) وإما أن يصوم إذا لم يجد فى السفر مشقة لقوله تعالى (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) والمسألة ترجع إلى ضمير الفرد ودينه وإستفتاء قلبه , وكذلك الحال بالنسبة للمريض والشيخ الكبير , وذلك لأن الشريعة أساسها اليسر والسماحة ورفع الحرج ومن لم يستطع القضاء أى الصيام بدل ما فاته أثناء سفره أو مرضه أوبسبب شيخوخته فيمكنه الفدية وهى إطعام مسكين واحد وجبتين مشبعتين عن كل يوم أفطر فيه ومن أطعم أكثر من مسكين فهو خير له عند ربه لقوله تعالى (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ)
**من ذكريات رمضان : وقعت فى الشهر الكريم وعلى مر السنين عن أحداث تركت فى نفوس المسلمين آثراً كبيراً وفى قلوبهم منزلة عظيمة , يذكرونها فيذكرون تاريخاً مشرقاً وسيرة عطرة فيتجدد ولاؤهم وتطمئن قلوبهم ويشكرون ربهم أن جعلهم خير أمة أخرجت للناس . ومن هذه الذكريات :
1- غزوة بدر الكبرى : وقعت فى شهر رمضان فى العام الثانى من الهجرة الذى فرض فيه الصيام , حيث بدأت شرارة الانطلاق لتكوين أمة وقيام حضارة , فكان يوم بدء أول يوم بدر يرتفع فيه لواء الحق بانهزام الشرك فى معركة لم يكن فيها تكافؤ مع العدو فى العدد والعتاد فى إشارة ربانية أن النصر من عند الله مهما كانت الأسباب فهو سبحانه مسبب الأسباب والمهم هو إخلاص النية وصفاء القلوب وعندئذ يتحقق النصر بإذن الله (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
2- وتتوالى الإنتصارات فى شهر رمضان ففى اليوم الحادى والعشرين من الشهر المبارك من السنة الثامنة من الهجرة يتم فتح مكة وتحطم الأصنام ويعود المؤمنون الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق وهم مرفوعو الرؤوس موفورو الكرامة إلى وطنهم الحبيب مكة المكرمة .
3- وفى شهر رمضان من العام التاسع الهجرى وقعت معظم أحداث غزوة تبوك , وفى رمضان كانت معركة القادسية وفتح رودس .
4-وفى شهر رمضان من العام العاشر الهجرى دخل الإسلام اليمن وأرسل النبى (ص) على بن أبى طالب علي رأس سريه وحمل معه كتاباً إلى أهل اليمن .
5- فى شهر رمضان من العام 92 هجرية كان فتح الأندلس على يد طارق بن زياد واستولى على مضيق طارق ثم فتحت قرطبة وغرناطه و طليطلة .
6- فى شهر رمضان من عام 658 هجرية كانت موقعة عين جالوت التى انتصر فيها المسلمون على التتار الذين كانوا أعتى قوة فى التاريخ القديم , وكانت بقيادة السلطان سيف الدين قطز سلطان المماليك فى مصر فحققوا نصراً تاريخياً على المغول وأجبروهم على الفرار .
7- وفى العاشر من رمضان عام 1393 هجرية (1973 ميلادية ) كان النصر العظيم لقواتنا المسلحة التى عبرت القناة باسم الله وهى تردد كلمة الحق الله أكبر عملاً بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
** نسأل الله العلى القدير فى هذا الشهر العظيم أن يحفظ الأمة الإسلامية من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يوحد صفوفها وأن ينصرها على أعدائها وأن يرد جميع المسلمين إلى دينه وكتابه وسنة نبيه رداً كريماً . أنه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه وهو على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير .
وكل عام والشركة والجميع بخير
م. رزق الشناوى
دبلوم الدراسات العليا
المعهد العالي للدراسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه