ملائكة الرحمة
عرف فضيلة الإمام الجليل محمد متولى الشعراوى ببلاغة كلماته وبساطة أسلوبه وجمال تعبيره وقد استطاع من خلال تقديم خواطره فى تفسير القرءان الكريم الوصول إلى أكبر شريحة من المسلمين فى جميع أنحاء العالم العربى وكلما أطل علينا الشيخ فى إحدى تسجيلاته القديمه والملائكيه يرتدى جلبابه الأبيض المتميز ويتكأ على أريكته ممسكاً بإحدى يديه كتاب الله والآخرى يشرح بها تتهافت عليه قلوبنا وحلقت حوله عقولنا من فيض ما فتح عليه الرحمن من فتوحات ربانيه
المؤمن يرى ملائكة الرحمة الذين يبشرونه بالجنة , ويستقبلونه بالسلام , ويكون فرحاً مستبشراً00فالإنسان حين يحتضر تكون قيامته قد قامت , ولا علاقة له بالأيام والأحداث القادمة إلى الدنيا00فهو قد انتهى دوره عند هذه اللحظة , وإنتهت مهمته فى الحياة, وانتقل إلى عالم القيامة: عالم الحساب لينتظر يوم تقوم الساعة00
ولذلك فإننا نقول لكل من يجهدون أنفسهم فى أشياء هى من علم الغيب , ولم يصلوا إليها يقيناً00نقول لهم: لا تجهدون أنفسكم فى أشياء هى من علم الغيب, ولم يصلوا إليها يقيناً00فمادام الله قد أخفى وجعل علم الساعة عنده فلا أحد يعلمها سواه00وحتى لو علمتها فماذا ستستفيد منها00لنفرض أننى علمت أن الساعة ستقوم بعد ألف سنة00ماذا سيفيدنى ذلك؟00هل سأعيش ألف عام أتأثر بأحداث الأرض والحياة وتتأثر بى00أم أن المسألة ستنتهى بعد سنوات , طالت أم قصرت00وحتى لو أننى قلت للناس أن القيامة ستقوم بعد ألف سنة00فماذا يستفيدون؟00معظمهم سيقابل هذا الكلام بسخرية , وعدم التقدير00وأخرون سيقولون : مالنا نحن وماسيحدث بعد هذه الفترة الطويلة؟!
إذن لو عرفنا موعد الساعة ما كان ذلك ليفيدنا على المدى الطويل00فإذا نظرنا إليها على المدى القصير00 وتصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات قامت قيامته)00إذا نظرنا إليها من هذه الزاوية00وهى أن القيامة الصغرى عندما يموت الإنسان, والقيامة الكبرى فى آخر الزمان00نجد أيضاً أن الأجل قد أخفى عنا 00لماذا؟00لتتوقع الموت فى كل لحظة ودقيقة فيسارع كل منا إلى الخير قدر إمكانه00ويبتعد عن الشر قدر استطاعته00ولو أن الأجل محدد معلوم لأثر ذلك على استمرارية الخير فى الكون00ولزاد من استمرارية الشر00
فإذا علمت أن أجلى مثلاً خمس وستون سنة , فإننى أظل أتبع أهوائى وشهواتى إلى سن الستين ثم أتوب بعد ذلك00وبذلك نكون قد أعطينا استمرارية للشر فى الكون00وبخاصة أن ذلك سينطبق على معظم الناس00وفى نفس الوقت فإن كلا منا إذا عرف أجله أجل الخير إلى السنوات الأخيرة من عمره00فنكون بذلك قد قطعنا استمرارية الخير00ولكن حتى يستمر الخير فى الكون , ويسارع كل منا إليه فإن الأجل المخفى هو السبيل0
على أنه حتى لوقلت لإنسان: أن عمرك سينتهى بعد عام أو عامين , أو شهر أو شهرين , فإنه لايصدقك00وسيظل يراوده الأمل فى أنه سيعيش أكثر00ولايحس الإنسان بيقين الموت إلا ساعة الإحتضار00ففى هذه الساعة يعرف الإنسان يقيناً أنه سيموت00ولكن حتى قبلها بساعات , ومهما اشتد المرض عليه فإن الأمل يظل يراوده فى أنه سيشفى ويعيش00
إذن فالبحث عن موعد الساعة سواء كان نهاية للأجل أو نهاية للكون 00لابد أن نتركه لأننا لن نصل فيه إلى شئ00وعندما ينتقل الإنسان من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ 00فإنه ينتقل من حياة لها قوانينها إلى حياة أخرى لها قوانينها المختلفة00
والله سبحانه وتعالى أراد أن يقرب ذلك إلى أذهاننا فأعطانا قوانين مختلفين فى حياتنا00هما قانون اليقظة0وقانون النوم 00فالأنسان وهو مستيقظ يحس بالأحداث00يؤثرفيها ويتأثر بها00ويحس بالزمن00 ويرى بعينيه ويمشى بقدميه00إلى آخر مانعرفه عن حياة اليقظة00فإذا نام رأى نفسه يمشى و هو نائم00قدماه لم تتحركا من فوق السرير00ويرى وعيناه مغلقتان00ويتحدث مع من انتقلوا إلى الحياة الآخرة00ويرى أشياء عجيبة تحدث له وأماكن غريبة يذهب إليها 00كيف يتم ذلك وهو ملقى على السرير بلا حراك00 عيناه مغمضتان لايدرى بما يحدث حوله00غائب عن الزمن00
نقول لأن هناك قانوناً للنوم يختلف تماماً عن قانون اليقظة00فهناك بصر يرى بخلاف العينين00وحركة تتم دون تحرك الجسد البشرى ولا يعرف العلم عنها شيئاً00
فإذا حدثنا عن أن هناك قوانين بعد الموت مختلفة تماماً عن قوانين الحياة فى الدنيا00فلنأخذ من الإختلاف بين قانونى اليقظة والنوم مايقرب هذه الصورة لأذهاننا00وحينئذ تستطيع عقولنا أن تفهم0