القدوة الصالحة
?نحن والأمة الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلي القدوة الصالحة بسبب الضعف والفرقة والخلافات التي أصابت المسلمين من خلال تغليب الأهواء وإيثار المصالح الشخصية والرغبة المحمومة للسيطرة على مقاليد الحكم ومقدرات البلاد والعباد ، وتتمثل القدوة الصالحة في قيادات تكون نموذجاً حياً يرى الناس فيهم المثل الأعلي للعمل الجاد وكل معاني التضحية والإخلاص ، فيعجبون بهم وينجذبون إليهم ويتأثرون بهم لأن التأثر بالأفعال أبلغ بكثير من التأثر بالكلام وحده ، فتتولد لديهم حوافز قوية لأن يتمثلوا بأخلاقهم وافعالهم كل في مجال عمله .
?القدوة الصالحة - في اللغة - تعني المثالية في القول والعمل -الجديرة بالرضا والاتباع، واصطلاحاً – أي في الدين – تعني الالتزام بشرع الله تعالي وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أمراً ونهياً كما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وتلك فضيلة جليلة توجب التأسي والطاعة والاتباع لمن يحملها ، ومن ثم الفوز بخيري الدنيا والآخرة ، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلي الذي يقتدى به من حيث الإخلاص في العبادات والجهاد والمعاملات والأخلاق وفي كافة ماجاء به من أمور الدين والدنيا (لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) [سورة الأحزاب 21].
?إن القدوة الصالحة إذا تحققت لولي الأمر تكون تاجاً علي رأسه توجب طاعته وترفع من قدره وتضاعف من أجره وثوابه (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ) [سورة: النساء 59] ، وهي الطريق المستقيم لصلاح أمر الكون كله أفراداً وجماعات ومجتمعات وحكومات وأمماً .
?ولي الأمر هو كل من تولى أمر قوم وكان مسئولاً عنهم ,وفي الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ويشمل ذلك الحاكم في شعبه ، والمعلم في تلاميذه ، والقائد في جنوده ،وصاحب العمل في عماله , وعموماً كل رئيس في مرءوسيه ، كما يشمل رب البيت في زوجه وأولاده وكل من يعولهم .
?من أجل تحقيق صفة القدوة الصالحة لولي الأمر ، فقد أهدي إلينا الإسلام باقة من المقومات والضوابط والسلوكيات التي تتحقق باتباعها المثالية التي تؤهل صاحبها لأن يكون قدوة صالحة جديراً بالاتباع والطاعة ، ومن ذلك :-
1. استشعار رقابة الله علي كل قول وعمل (إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء 1] ، وأن هناك حساباً وثواباً وعقاباً في الدنيا والآخرة ، وأن المناصب والسلطة لاتدوم لأحد ، فلا ينبغي أن يكون المنصب سبباً في الوجاهة أو الاستعلاء علي الناس ، أو استغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية أو الإضرار بالناس وظلمهم (تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ) [القصص 83 ]، كما أن القدوة الصالحة تفرض علي صاحبها الإعتدال والتوسط في أمور الحياه كاللباس والمظهر والمأكل وعلاقته الإجتماعية مع الناس .
2. الالتزام بالعبادات المفروضه والتطوعية تقرباً إلي الله جل وعلا ابتغاء مرضاته وطمعاً في رحمته وبركاته ، والتمسك بالمعاملات والأخلاق المشروعة كالصدق وأدب التعامل وعفة اللسان وطهارة اليد والتواضع ,ومع الحث عليها والأمر بها (الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ) [الحج 41].
3. الأمانة : فإن ولي الأمر يتاح له مالا يتاح لغيره من حيث حرية التصرف فيما هو مؤتمن عليه من مال أو علم أو معلومات أوغيرها ، وخيانة الأمانة تعني الإضرار بالمال أو مافي حكمه ، وإهدار للحقوق وظلم للأفراد مما يترتب عليه فقدان الثقة في ولي الأمر مما ينزع عنه صفة القدوة الصالحة وربما إفساد مرءوسيه بمحاكاته في انحرافاته (فَلْيُؤَدّ الّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ) [البقرة 283].
4. العدل : وهذا يقتضي تغليب الحكمة والعدالة والمصلحة العامة عند اسناد الأعمال والمناصب ، وعدالة التوزيع في الأمور المادية والأدبية على مستوي الدولة والمجتمع والأفراد ، ولا يكون ذلك علي أساس الهوي أو القرابة (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ) [الأنعام 152].
5. الشفافية في التعامل مع الصغير والكبير بالصدق والاحترام وقبول النصيحة والنقد البناء والاعتراف بالخطأ والإسراع في تصويبه وإزالة آثاره وفي الحديث (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) .
6. التواصل مع المرءوسين في مواقع عملهم للتعرف علي مشاكلهم سواء المتعلقة بالعمل أو الخاصة وإنصاف المظلوم منهم وخصوصاً الضعفاء والبسطاء ، وفي الحديث (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) وذلك مما يوجب حب المرءوسين لولي الأمر ، والتفافهم حوله ، والتفاني في العمل طاعة وتعظيما لأوامره وتوجيهاته وعطائه لهم ، وتوقيراً له ورفعاً لشأنه ومكانته .
7. القدوة الرحيمة أي الحزم في الأمور والشدة من أجل تقويم أي انحراف أو الأخذ بمبدأ الثواب والعقاب مع التسامح والعفو عند المقدرة ، كل ذلك دون محاباة أو ظلم أو تجاوز (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران 159].
8- الشورى : لا يستأثر ولي الأمر برأي منفرد أو قرار متسرع قبل استشارة ذوي الخبرة والتخصص إذا لزم الأمر ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى? بَيْنَهُمْ ) [الشورى 38] ، فقد أخذ سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب رغم أنه صلى الله عليه وسلم صاحب وحي ورسالة ,وسلمان كان رجلاً بسيطاً ، وذلك ليكون بمثابة درس لنا من الرسول القدوة يعلمنا فيه مبدأ الشورى ، فما خاب من استشار وما ضل من استخار .
9 - التحقق من صحة ما يتلقاه من أخبار قبل اتخاذ القرار ، وذلك منعاً من الخطأ أو الظلم أو الندم (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوَاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىَ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات 6]
10 - ألا يحث ولي الأمر علي فضيلة وهو لا يؤديها ,ولا ينهى عن رذيلة وهو يفعلها (أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [سورة: البقرة 44] (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) [الصف 3,2] ولله در القائل : لا تنه عن خلق وتأتى مثله , عار عليك إن فعلت عظيم .
نسأل الله تعالي التوفيق والقدوة الصالحة لقيادات الأمة الإسلامية ، وقيادات مصر ، وقيادات شركتنا الرائدة ,حفظهم الله ورعاهم وسدد علي طريق الخير خطاهم .
والله ولي التوفيق
مهندس / رزق الشناوي
دبلوم الدراسات العليا
المعهد العالي للدراسات الإسلامية
دبلوم معهد إعداد الدعاه