يوم القيامة
عرف فضيلة الإمام الجليل محمد متولى الشعراوى ببلاغة كلماته وبساطة أسلوبه وجمال تعبيرة وقد إستطاع من خلال تقديم خواطرة فى تفسير القرءان الكريم الوصول إلى أكبر شريحة من المسلمين فى جميع أنحاء العالم العربى وكلما أطل علينا الشيخ فى إحدى تسجيلاته القديمه والملائكيه يرتدى جلبابه الأبيض المتميز ويتكأ على أريكته ممسكاً بإحدى يديه كتاب الله والآخرى يشرح بها تتهافت عليه قلوبنا وحلقت حوله عقولنا من فيض ما فتح عليه الرحمن من فتوحات ربانيه
قبل أن نبدأ الحديث عن أحداث يوم القيامة , فإنه لابد من حديث عن معنى الساعة.. ذلك إن بعض الناس يشغلون أنفسهم بأشياء كثيرة عن موعد قيام الساعة, ومتى يقع.. إلى أخر مانسمعه من أسئلة بين عدد من الناس .. ومن تنبؤات بين عدد من العلماء.. بعضهم يقول : أن الأرض ستبتعد عن الشمس فيتجمد كل شئ.. والبعض الأخر يقول : أن الأرض ستقترب من الشمس , فيحترق فيها كل شئ .. والبعض الثالث يقول: أن الأكسجين سيقل من الأرض لتصبح عير صالحة للحياة..
كل هذه وغيرها تنبؤات تقوم على الظن, وليس على اليقين .. فحتى الأن لاحد يعرف يقينا ماذا سيحدث.. ولا متى سيحدث .
نقول لهؤلاء جميعا .. لقد شغلتم أنفسكم بعلم لا ينفع وجهل لا يضر.. ذلك ، مهما كان عم رالأرض ملايين السنين فأنا لايعنينى منها إلا فترة بسيطة جداً هى فترة عمرى..فقبل أن أولد لاعلاقة لى بالحياة على الأرض.. وبعد أن أموت لاعلاقة لى بالحياة على الأرض إذن فموعد القيامة بالنسبة لى هو موعد انتهاء حياتى على الأرض .. فمن مات قامت قيامته .. لماذا؟.. لأنه يرى كل شئ.. يرى ملائكة الرحمة, وملائكة العذاب.. ويرى أشياء كثيرة لم يكن يراها فى الدنيا.. وبالنسبة له تنتهى فترة الاختبار هى المدخل إلى يوم القيامة.. لذلك يقول الحق سبحانه:
(يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الاَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) [سورة: الممتحنة - الأية: 13]
لماذا قال سبحانه وتعالى: (كَمَا يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)
لان الذى يموت كافراً.. يعلم يقيناً أن لا أمل له إلا العذاب فى الأخرة.. ولأنه رأى فهو يعرف أن لا أمل له فى دخول الجنة .. وأن لا أمل له فى النجاة من النار .. وهذا اليأس يقيناً.. فالأنسان يعرف مصيره ساعة يحتضر .. تلك اللحظات التى هى بين الموت والحياة.. يشاهد فيها الإنسان كل ما أخفى عنه .. لك الساعة التى تغادر فيها الروح الجسد.. أو سكرة الموت كما يسميها الله سبحانه وتعالى .. تلك اللحظات التى تخمد فيها بشرية الإنسان..وتنتهى فيها حياة الاستعلاء وحياة الكبر, وكل مظاهر الحياة الدنيوية بكل ما فيها ومن فيها ..
وإذا أردت أن تشهد ذلك فانظر إلى إنسان قد تجبر وعلا وأعطاه الله أسباب الملك فى الدنيا.. تجده ساعة الإحتضار ضعيفاً ذليلاً عاجزاً.. كل مظاهر الإستعلاء ذهبت.. ينظر إليك فى مسكنة غريبة, ويحاول أن يستنجد بكل من حوله .. ولكن الكل عاجزون .. فى هذه اللحظة يأخذ الإنسان مقدمات الغيب.. ويرى ما أخبره الله سبحانه وتعالى عنه , ولم يكن يصدقه.. ذلك لأن بشريته الأن قد خمدت.. ومادامت البشرية خمدت, تهب نفحات الغيب .. وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [سورة: ق - الأية: 19]
أى ماكنت تظن أنه لن يقع.. أو تحاول ألا تتذكره, وألا تعترف به , وكنت تظن أن هذه اللحظة لن تأتى.. فإذا أتت فأنت تتوهم بأن شيئاً لن يحدث فيها.. فى هذه اللحظات بالذات لا تنفع التوبة.. ولا يجدى الإستغفار0 فمع سكرة الموت ينقطع عمل الإنسان الدنيوى .. وتأتى الساعة التى ينتقل فيها كل منها إلى عالم البرزخ لينتظر الحساب .. وفى هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: قال تعالى: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ *وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ* وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـَكِن لاّ تُبْصِرُونَ) [سورة: الواقعة – الأيات 83و84و85]
.. أى إن الإنسانوهو يحتضر يكون أقرب إى ملكوت الله من أولئك الذين يقفون حوله ساعة الإحتضار.. ومع إن أهل المحتضر يحيطون به احاطة لصيقه عن قرب فى هذه الساعة العصيبة.. فإن ملكوت الله يكون أقرب منهم إليه.. وتحيط بالإنسان فى هذه اللحالة إما ملائكة الرحمة إذا كان صالحاً.. أو زبانية جهنم- والعياذ بالله – إذا كان فاسقاً.
أخرجو أنسسكم
على إننا لا بد أن نتوقف عند قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَوْ تَرَىَ إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُوَاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوَاْ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) [سورة: الأنعام - الأية: 93]
نتوقف عند قول الحق سبحانه وتعالى:( أَخْرِجُوَاْ أَنْفُسَكُمُ)
والنفس كما قلنا هى التقاء الروح بالجسد.. فكيف يطلب الملائكة من الظالم المحتضر أن يخرج نفسه.
لكى نفهم هذه الآية لابد أن نضع فى أذهاننا أن هذا المحتضر كان كافراً بالله وكذوبا بالبعث.. وحينئذ إذا جاءت ساعة الإحتضار يكون حوله ملائكة العذاب أو زبانية جهنم.. يقولون له هأنت ذا ترى الأن ما كنت تكذب به ..وترى العذاب الذى ينتظرك.. فإن كان لك قوة أو قدرة كما كنت تدعى فى الحياة الدنيا .. فأخرج نفسك مما ينتظرك.. أهرب من العذاب الشديد الذى سوف تلاقيه.. أرنا أين ستذهب.. لقد كانت لك قدرة فى الحياة الدنيا .. قدرة من الله ولكنك بدلا من أن تستخدمها فى شكر الله.. انطلقت تقول على الله غير الحق .. وتستكبر فى الأرض, وتبارز الله بالمعاصى, ولكنك الآن خامد خافت.. لا تملك شيئاً لنفسك , ولا صوتاً تستجير به بأنصارك.. فأنت ترى العذاب وهو واقع بك , ولن تفلت منه.