يهدف التعرف إلى بيان حقيقة الشئ المعرف, كما يهدف إلى تمييزه عن غيره مما قد يشتبه به لاشتراكه معه ببعض الصفات , فما هى ذاتية التحكيم التى تمكن من تصوير حقيقته.
يمكن تعريف التحكيم بأنه " اتفاق أطراف علاقة قانونية معينه , عقدية أو غير عقدية , على أن يتم الفصل فى المنازعة التى ثارت بينهم أو التى يحتمل أن تثور , عن طريق فرد أو أفراد يتم اختيارهم كمحكمين , ليصدر عنهم حكماً نهائياً ملزماً لهم وفقاً لمقتضيات القانون أو العدالة"
وبذالك فالتحكيم يقوم على عناصر ثلاث:-
أولاً: أن التحكيم عادة ما يكون فى مسألة محل نزاع litige , فإن تخلف عنصر النزاع غدونا أمام نظام آخر , ووظيفة المحكم فيها فض هذا النزاع يقرار ملزم , حائز لقوة الأمر المقضى واجب النفاذ, دون أن تتوقف فاعلية هذا القرار على اعتبارات تتعلق برضاء الأطراف لقرار التحكيم , ومن ثم فهو تسوية نهائية ملزمة لا يجوز طرحها مجدداً أمام أى جهة قضائية أو تحكيمية أخرى .
وينبنى على ذلك أنه بانتفاء وجود النزاع انتفى وجود التحكيم, فإذا ماتعلق الأمر بنزاع قائم بالفعل , وقام طرفيه بتوسيط طرف ثالث , للتقريب بين وجهتى نظرهما أو التوفيق بينهما أو تقديم إقتراح , دون إصدار قرار ملزم لهما , فإن الأمر لا يكون متعلقاً بالتحكيم , وإنما مجرد وساطة أو محاولة توفيق 0 فإذا ما فشلت الوساطة أو جهود التوفيق , كان لأى من الطرفين أن يعرض دعواه أمام القضاء.
ثانياً: أن التحكيم وسيلة رضائية لفض المنازعات, قوامها اتفاق الأطراف على التحكيم واختيارهم شخصياً من الغير يحكموه فيما شجر بينهم , ويرتضون ما ينتهى إليه من قول الحق أو القانون , وسلطة المحكم فى حسم النزاع تستمد من هذا الإتفاق, كما تتحدد صلاحياته بحدود ما يفوض بالفصل فيه.
وتولد عن اتفاق التحكيم أثران , أحدهما إيجابى يتمثل فى التزام الأطراف بإحالة المنازعات المتفق بشأنها إلى التحكيم , والآخر سلبى يتمثل فى امتناع الأطراف عن الالتجاء للقضاء الوطنى للفصل فى المنازعات المتفق على حلها بالتحكيم , فالتحكيم إحدى آليات نزع الإختصاص من المحاكم الوطنية المعقود لها الاختصاص بداءة.
ثالثاً: أن التحكيم وإن كان وسيلة رضائية , فإرادة الأطراف لا تكفى وحدها لتأسيس سلطة هيئة التحكيم للفصل فى منازعات الأفراد , وإنما يتطلب ذلك أن تجيزه النظم القانونية , وأن يتم فى نطاق القواعد التى يضعها القانون , سواء بالنسبة للمسائل الموضوعية التى يجوز تسويتها بطرق التحكيم أم بالنسبة للمسائل الإجرائية, سيما مايتعلق منها بالضمانات الأساسية للتقاضى.
وأخيراً: يجوز أن يكون التحكيم سابقاً على قيام النزاع أو لاحقاً عليه سواء جاء مستقلاً بذاته أو ورد فى عقد معين , بشأن كافة أوبعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين.
كما يجوز الاتفاق عليه ولو كانت قد أقيمت بشأنه دعوى أمام القضاء أو أثناء السير فيها.
أنواع التحكيم
تتعدد صور التحكيم كوسيلة للفصل فى المنازعات تبعاً لسلطة الأطراف فى الاتفاق عليه,
أو طبقا للسلطة الممنوحة لهيئة التحكيم عند الفصل فى النزاع , أو تبعاً لأسلوب ونظام التحكيم وما إذا كان بإطار مؤسسات دائمة للتحكيم أو غير ذلك , وهو ما نعرض له تباعا:-
أولا:-التحكيم الإختيارى و التحكيم الإجبارى
ويخلف هذان النوعان من التحكيم من حيث مبدأ الالتجاء إليهما , فإذا كان التحكيم قائماً على إرادة الأفراد دون أن يفلرض عليهما , ليتضمن اختيار المحكم والاجراءات واجبة الاتباع والقانون واجب التطبيق ومكان التحكيم , كان التحكيم إذ ذاك اختياريا volontaira .
أما إذا كان التحكيم , سواء فيما يتعلق باللجوء إليه أو فيما يتعلق باختيار الجهة المختصة بنظره, قد فرض على الأطراف بنص القانون , بحيث لا يملك معه الأطراف رفعه أمام قضاء الدولة, فيكون إذ ذلك تحكيماً إجبارياً compulsory obligator
ذلك أنه وإن كان التحكيم الاختيارى هو الأصل , فإن هذا لا يمنع الشارع من أن يجعل من التحكيم فى بعض المنازعات التى يحددها على سبيل الحصر أمراً واجباً, تقديراً منه لبعض الاعتبارات أو المنازعات ذات الطبيعة الخاصة, والتى يكون فيها التحكيم الأقدر و الأوفق على حلها على أساس أن تلك المنازعات لاتعتبر منازعات حقيقية بين مصالح متعارضة, أياً كان من يكسب القضية أو يخسرها , إذ الأمر عائد فى النهاية إلى الدولة صاحبة جميع شركات القطاع العام وكذلك توفير الجهد والنفقات والبعد عن بطء الإجراءات.
فالتحكيم الإجبارى يقوم على فلسفة قوامها أنه طالما كانت هذه الوحدات مملوكة ملكية عامة, وهى فى النهاية روافد لذمة مالية واحدة فالأجدر حل المنازعات التى تنشأ بينها بطريق التحكيم.
وينقسم هذا النوع من التحكيم بدوره إلى نوعين:-
الأول : ويكتفى فيه الشارع بفرض التحكيم تاركاً للأطراف حرية اختيار محكميهم والإجراءات واجبة الاتباع, وأما الآخر فيتكفل الشارع فيه بوضع تنظيماً شاملاً وملزماً لاجراءات التحكيم بحيث لا يكون لإرادة الخصوم أى دور فى التحكيم.
ومن المشاهد غلبة نظام التحكيم الإجبارى, سيما ما يتعلق بالمنازعات المهنية ومنازعات القطاع العام, كشأن القانون رقم 97 لسنة 1983 بإصدار قانون هيئات القطاع العام وشركاته, الذى يقضى باختصاص هيئات التحكيم المنصوص عليها بهذا القانون دون غيرها , بنظر المنازعات التى تنشأ بين شركات القطاع العام بعضها البعض , أو بين شركات القطاع العام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو مؤسسه عامة من ناحية أخرى.
ووفقاً لهذا النظام تشكل هيئة تحكيم مختلفة بالنسبة لكل نزاع, فلا توجد هيئة تحكيم مشكلة مقدما لنظر ما قد ترفع إليها من الدعاوى , ويصدر بتشكيل هيئة التحكيم قرار من وزير العدل(م57) وتتكون من رئيس يجب أن يكون أحد رجال القضاء بدرجة مستشار يختاره وزير العدل, ويمثل كل خصم عضو بالهيئة , بعد إخطاره بصورة من طلب التحكيم وذلك خلال أسبوعين من هذا الإخطار 0وإلا جاز لوزير العدل إختيار محكم عن هذا الخصم
نطاق تحكيم القطاع العام
ويقتصر هذا التحكيم فى النظام القانونى المصرى على نوعين من الدعاوى ( مادة 56ق 97/1983)هما :-
(1)الدعاوى بين شركات القطاع العام, فكل دعوى يكون فيها كلاً من المدعى و المدعى عليه من شركات القطاع العام يجب رفعها إلى هيئة التحكيم.
(2) الدعاوى بين شركات القطاع العام وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة قطاع عام أو مؤسسة عامة.
ومن ثم فلا يكون التحكيم إجبارياً إلا إذا كان أحد طرفيه شركة قطاع عام والآخر شركة قطاع عام أوجهة حكومية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة.
هذا وقد أثيرت مسألة مدى جواز لجوء طرفى النزاع فى التحكيم الإجبارى للاتفاق على التحكيم الاجبارى.
فبينما رأى البعض جواز ذلك على اعتبار أن المشرع بتنظيمة التحكيم الاجبارى قد جعله عوضا عن رفع الدعوى أمام المحاكم , ولم يمنع به التحكيم الاختيارى.
هناك رأى آخر له وجاهته يرى فى جواز ذلك إهدار للعلة التى من أجلها قنن وشرع التحكيم الإجبارى.
ذلك أنه إذا كانت شرعة هذا التحكيم ترجع لتقدير من المشرع بأن تلك المنازعات لا تعد منازعات حقيقية بين مصالح متعارضة,وأن الأمر عائداً فى النهاية للدولة صاحبة جميع شركات القطاع العام, وهى فى النهاية روافد لذمة مالية واحدة فإن مخالفة ذلك واللجوء للتحكيم الإختيارى وما يحمله من كلفة قد تؤدى لمخالفة أص شرعة مثل هذا النوع من أنواع التحكيم.
ونضيف إلى ذلك أن بمقدور السلطة المختصة بالموافقة على التحكيم بتلك الجهات تعطيل الرأى الأول متى رأت فيه صالح هيئاتها.
إعداد
رياض مصطفي البرلسي
رئيس قطاع الشئون القانونية والعقارية
مدير الإدارة القانونية