الإحتفال بالعيد الـ54 للسد العالى أسرار جديدة وحكايات مشوقة يبوح بها المعلم الكبير عثمان أحمد عثمان
مع بداية هذا العام تحتفل مصر بالذكرى الـ54 على وضع حجر الأساس لإنشاء السد العالى فى 9 يناير 1960 و افتتاحه فى نفس الشهر 15 يناير سنة 1971 ليسجل التاريخ بحروف من نور أعظم مشروع هندسى فى القرن العشرين من الناحية المعمارية والهندسية طبقاً لتقريرالهيئة الدولية للسدود والمشروعات الكبرى عام 2010 والذى فضلته الهيئة على 122 مشروعاً عالمياً منها نفق المانش الذى يربط بين بريطانيا وفرنسا ومطار شك لاب كول فى هونج كونج لما حققه المشروع من فائدة تعود على الجنس البشرى وجدواه الآقتصادية وعدم الإضرار بالبيئة المحيطة فقد أقيم السد لحماية مصر من الفيضانات المائيه التى كانت تفيض على البلاد وتغرق مساحات واسعة فيها أو تضيع سدى فى البحر الأبيض المتوسط . السد العالى قصة طويلة من النجاح والتحدى تحكى إرادة شعب وعزيمة أمة تريد أن تشق لنفسها طريقاً إلى المجد وقد آثرت فى هذا العدد من مجلتكم الغراء أن نغوص فى أعماق هذا المشروع العملاق لنستخرج بعض كنوزه وأسراره يصحبنا خلالها المعلم الكبير كما كان يحب أن يطلق عليه المهندس عثمان أحمد عثمان . ولمزيد من الأمانة والتوضيح لن نوفى هذا المشروع ولا هذا الرجل حقهما . ولكن بقدر الإمكان سنلقى الضوء على بعض الجوانب التى تعكس قدرة الإنسان المصرى الأصيل على قهر المستحيل . وصــف المشـروع يتكون المشروع من جسم السد الذى يعترض مجرى النيل وامتداده من الجانبين وحفر قناة جانبية بجزئيها الأمامى والخلفى لتمرير المياه وحفر الأنفاق التى تربط جزئى القناة وإنشاء محطة لتوليد الكهرباء كما شمل أيضا إنشاء سدود رملية مؤقتة عند مدخل ومخرج القناة وأعمال حقن وتجريف بالإضافة إلى منشآت خدمات متعددة منها :- ورش ميكانيكية لإصلاح المعدات وصيانة السيارات وماكينات التخريم والكراكات والبلدوزرات ومعمل للدراسات والبحوث الفنية وإنشاء حوض للتركيبات الميكانيكة وتجهيز حديد التسليح بجميع مايلزم من ورش ومعدات وأوناش ومخازن 0 وإنشاء محطة لمياه الشرب وأخرى لتوليد الهواء المضغوط لتشغيل بعض الماكينات ومنها ماكينات التخريم ومحطة لتوليد الأكسجين الآزم لأعمال اللحام ومحطة لخلط الخرسانة بالإضافة إلى وحدة لعلاج العمال والموظفين ومساكن ونوادى ومطاعم ومكاتب بريد وتلغراف وغيرها 0 وبصورة أوضح فإن السد عباره عن جبل ضخم يتكون من ركام صخر ورمال مكثفة وهذا الجبل يعترض مجرى النهر ويقفله تماماً بحيث يتكون أمامه بحيرة صناعية لتخزين مياه الرى طولها 500 كم وعرضها يتراوح من 3 إلى 17 كم ويبلغ الطول الكلى عند قمة السد 3830 متراً وطول مدى المجرى 520متراً وإرتفاعه 111متراً وعرضه عند القاع 980متراً وعند القمة40متراً والسعة الكلية للتخزين 164 ألف مليون م3 0 عظمــة الإنجاز تم عمل دراسة على أكبر 3 سدود بالعالم وأخرى على سدود العالم أجمع فوجد أن أقرب ثلاث سدود عالمية إلى السد العالى من حيث نوعه وشكله هى : سد (هيبورو) باليابان – وسد (سبربونسون) بفرنسا – وسد(دافيز) على نهر كولورادو بأمريكا0 وأكبر دليل على عظمة السد العالى هو أن سعة هذه الخزانات العالمية الثلاث مجتمعة تبلغ فى مجموعها 3% فقط من سعة السد العالى000كما أن القوى الكهربائية المولدة من هذه الخزانات لا تتعدى 30% من قوة محطة السد العالى وتعد بحيرة السد العالى 5آلاف كم2 أكبر بحيرة صناعية فى العالم وإذا ما قارنا بين السد العالى وسدود العالم أجمع سواء الخرسانية منها أو الركامية – لوجدنا أن السد العالى يفوقها جميعاً فى سعة التخزين وفى كمية الكهرباء المتولدة مع أن السد العالى ليس أعلى السدود العالمية وأكبرها حجماً وهذا هو سر عظمة السد العالى فالعمل الهندسى الناجح هو الذى يعطى نتائج أفضل بتكاليف أقل0 ضخامة الإنجاز السد :( صخور عادية ومفرزة أكثر من 21 مليون متر مكعب - رمال للنواة كثبانية وخشنة أكثر من 15 مليون متر مكعب - طين أسوان والفرشة القاطعة الأفقية 3035000 متر مكعب - مرشحات من الحجارة المدرجه والرمال الخشنة 856000 متر مكعب - حقن الستارة القاطعة الرأسية 350000 متر مكعب - حفر في الصخر 690000 متر مكعب مباني بالدبش لحماية الميل الخلفي 185000 متر مكعب خرسانة للممرات 125000 متر مكعب). قناة التحويل : (بلغ الحفر بها أكثر من 10 ملايين متر مكعب منها 1.2 مليون متر مكعب مواد رخوة و9.7 مليون متر مكعب مواد صخرية). الأنفاق : بلغ الحفر في الصخر لإنشاء الأنفاق 650 ألف متر مكعب وخرسانة التبطين بها 365 ألف متر مكعب وخرسانة المداخل 160 ألف متر مكعب والتركيبات الميكانيكية للبوابات والأوناش 105 ألف طن). محطة توليد الكهرباء (خرسانة لإنشاء محطة الكهرباء 495 ألف متر مكعب وتركيبات ميكانيكية للبوابات والأوناش 19700 طن والتربينات ووحدات التوليد 28500 طن والمحولات وأجهزة كهربائية 12000 طن خطوط نقل القوي الكهربائية : (حفر 1430 ألف متر مكعب – خرسانة 116 متر مكعب – مباني 12 ألف متر مكعب – إنشاءات معدنية 67 ألف طن – موصلات 35 ألف طن – محولات ومعدات كهربائية 20 ألف طن – عازلات المنشأ 690 ألف وحدة ). المفيض (حفر في الصخور 980 ألف متر مكعب – حفر مواد رخوة 400 ألف متر مكعب وخرسانة 26 ألف متر مكعب ) المعدات المستخدمة : ( 16 حفارة كهربائية سعة 4 متر مكعب – 74 حفارة كهربائية وديزل أحجار مختلفة – 210 لوري قلاب حمولة 30:25 طن – 2069 ماكينة تخريم وشواكيش – 47 ونش حمولات مختلفة – 2 ونش هوائي – 36 طلمبة خرسانية – 36 طلمبة حقن – 107 بلدوزر – 80 كباس هواء متنقل – 383 عربة قلابة 10:3.5 طن – 10 لوري حمولات مختلفة – 32 صندل – 24 رفاص وجرار – 4 كراكة شفاطة – 16 وحدة تجريف هيدروليكي ) . وشارك في هذه الملحمة الوطنية الكبيرة 37 ألف مهندس وفني وعامل . ملحمـة الســد العـالـى ومع هذه الملحمة نتركك عزيزي القاريء لتستمتع بحديث المعلم عثمان أحمد عثمان عنها قائلاً : وقفت طويلاً أمام تجربتى فى السد العالى أتأمل أحداثها وأسترجع مشاهدها 00 وتساءلت كثيراً : كيف أستطعت أن أجتاز تلك المرحلة سالماً 00 لقد واجهت هناك خصم ,وخضت أكثر من معركة على أكثر من جبهة , وفى وقت واحد 00 وكأن الجميع تحالف ضدى 00 وقفت وحدى أتحدى معتمداً على 00 ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا " واستعنت بالله وكان فضل الله على عظيماً 0 بدايـة الأحـداث كان العمل يسير فى السعوديةعلى قدم وساق وكان تفكيرى وأنا هناك يذهب إلى ضرورة أن نعود إلى أرض مصر لنبدأ منها المشوار 00 ولكن من أين ؟ وكيف ؟ وقفت عند ذلك السؤال 00 إلى أن طالعتنى الصحف ذات يوم بإعلان يقول : إن وزارةالرى المصرية تطلب من المقاولين المصريين تكوين إتحادات كبيرة فيما بينهم لكى يتقدموا من خلالها فى عطاء تنفيذ السد العالى ووجدت فى ذلك فرصة مناقشة الموضوع مع زملائى القائمين على أمر الشركة معى 00 وأذكر أننا عقدنا اجتماعاً لذلك الغرض وكان الإجتماع فى إحدى ليالى شتاء عام 1960 وأغلق الجميع الباب فى وجه الفكرة بالضبه والمفتاح 00 وعدت أكثر من مرة لمناقشة الموضوع معهم فرادى ومجتمعين وشرحت لهم أن عملية كبيرة جداً ومتعددة الأبعاد السياسية والإقتصادية وأن مصر دخلت فى تحديات كبيرة بخصوصها0 وقامت حرب 1956 بسببها وأن مصر تعلق أمالاً كبيرة على المشروع والذى شد كل أنظار الدنيا إليه 00 وكان أن عددت لهم أيضا الفوائد التى تعود على شركتنا عندما يرتبط إسمها بإسمه وتقوم بتنفيذ حجم العمل الكبير فيه والذى وجدت فيه فرصة تسمح لشركتنا بأن يتسع حجم نشاطها ودائرة أعمالها وخبرتها بما يؤكد قدرتها على تنفيذ المشروعات الكبيرة 00 حتى وافق الجميع بشرط أن أتحمل أنا كل ما يمكن أن يحدث من تبعات ووافقت وتقدمت لهذا العطاء وكان المتنافسون على كسب العطاء طرفين جميع مقاولى مصر فى طرف وشركة عثمان أحمد عثمان فى طرف آخر المفاجـأة المذهله وكان أن دعانا المهندس موسى عرفه " رحمه الله " فى 12 يناير سنة 1961 إلى جلسة فتح المظاريف وكان يشغل وقتها منصب وزير الرى والسد العالى وفى تلك الجلسة كانت المفاجأة التى زلزلت كل كيان أباطرة المقاولات فى مصر فى ذلك الوقت حيث تم فتح مظروفى فوجد عطائى خمسة عشر مليون جنيه وعندما فتح مظروفهم وجد أن عطائهم سبعة وعشرين مليون جنيه وكان الفارق شاسعاً ولكن إرادة الله فوق كل شئ000 يقول المهندس عثمان أحمد عثمان بدأت أنا وستة مهندسين من شركتى وقمنا بنصب خيمة وأحضرنا "زير" لكى نشرب منه0 وتوالى بعد ذلك توافد القوى الضاربة للمقاولون العرب مهندسين وفنيين0 وملاحظين وعمال وسائقين وتوسعنا فى عدد الخيام المطلوبه وأحضرنا عدداً كبيراً من " الأزيار " لكى يشرب من مائها الرجال 00 وكان أن أمضينا سنه كاملة من العمل الشاق المضنى وتسببت ضخامة إنتاجنا فى أن ينزعج الروس 0 وكان أن ركزت كل همى على ضرورة تحقيق أكبر قدر من الإنجاز لإثبات أنفسنا وقدرة أبناء وطننا 0 وكان أن أستوعب حجم العمل فى السد العالى أكثر من 35 ألف رجل كانوا يعملون بشكل متواصل أربعاً وعشرين ساعة كل يوم وكنت قد قمت بتقسيم العمل على ثلاث ورديات0 وكانت مدة الوردية ثمانى ساعات ويعمل فيها حوالى تسعة آلاف عامل00 برزت فى ذلك الوقت أهمية القدرة على التنظيم الجيد وترتيب العمل ولولا أننى تمكنت من أن أحكم زمام الموقف لفلت الأمر من بين يدى 00 واجهت المشاكل بأفق واسع وترتيب دقيق وتنظيم وصلت قمته إلى أن موعد تغيير الوردية أصبح يستغرق دقيقتين فقط فى كل مرة بعد أن كان يستغرق ساعتين كاملتين فى بداية العمل 00 كنت شديد الحرص على أن أفتح عينى تماماً لا لأن أرى فقط عظمة الإنجاز ولكن لأن أرى مواطن الضعف لإزالتها حتى يندفع العمل نحو القمة التى كان يجب أن يصل إليها رغم كل التحديات 00 وكان أن بدأت أواجه مشكلة السكن ووجدت حلها فى " سبايت البوص الصعيدى من مخلفات عيدان الذرة الرفيعة التى تنتشر زراعتها هناك فكان لابد أن أستفيد من إمكانيات البيئه وتلك ميزة أخرى لابد أن يتفتق إليها ذهن أى رجل من رجال الأعمال وواجهت مشكلة مياه الشرب بأن قمت بشراء مائه " زير قناوى " وكان أن رحت أوفر تدريجياً جميع وسائل الراحة والخدمات لجميع العاملين0 بما فيها وسائل الترفيه , أقمت مطعماً كبيراً يجد فيه كل عامل ثلاث وجبات مجاناً كل يوم وكان يعمل كل الوقت بلا توقف وأنشأت مساكن للمتزوجين لكى أحقق لهم الإستقرار الاجتماعى المطلوب حتى أحصل منهم على أكبر إنتاج ممكن وأقمت مساكن للعزاب أيضا وأنشأت النوادى الاجتماعية الميدانيه فى كل موقع من مواقع العمل وأذكر أننى أقمت دار سينما لكى يجد كل عامل مايرفه به عن نفسه 00 أقمت بإختصار مجتمعاً جديداً فى قلب موقع العمل أعطيتهم 00 فأعطونى 00 وكان عطاؤنا متبادلاً فوجد كل منا نفسه فى الآخر فارتفع على أكتافنا جميعاً آداؤنا , فوجد له مكاناً فى عنان السماء 00 فكانت تجربة مثيرة خرجت منها بنتيجة كبيرة 00 هى أن العامل المصرى عملاق يجب أن نلف يديه بالحرير0 الهــرم الأكبــــر كان السد العالى ملحمة طويلة عريضة عميقة بطول وعرض وعمق جبال الجرانيت التى هدمها المصريون ليصنعوا بين صخورها المجرى الجديد لنهر النيل ويسدوا بناتج حفرها المجرى القديم وأقاموا السد العالى الذى قدر الخبراء أن حجم العمل فيه أربعة عشر ضعف حجم العمل الذى أستوعبه الهرم الأكبر 00 وأقاموا أكبر سد فى العالم كله 00 صمم على أن يكون فى مأمن من أن تناله يد القنابل بالنسف 0 مدرســــــة الســـد العالـــى كان السد العالى مدرسة كبيرة بالنسبة للمقاولون العرب درسنا فيها وتعلمن منها الكثير تعلمن كيفية تنظيم وتشغيل الآعداد الضخمة بل والأكثرمن ذلك كيف تخلق روح الأسرة بينهم 00 وتعايشنا مع أهالى المنطقة وساعدونى وأحتضنونى لدرجة آنهم قدموا لى مساكنهم الخاصة للعاملين فى المشروع قبل أن أقوم ببناء مساكن لهم 00 وقد أكرمنى الله بأن أرتفع إلى مستوى كرمهم وإنسانيتهم ولقد تركت خلفى العديد من المرافق العامة التى تعود باخير على المنطقة وأهلها 0