"الإمام محمد عبده" أحد دعاة الإصلاح و النهضة الحديثة
يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الإجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والإقتصادية والثقافية.
ولد "الإمام محمد عبده" سنة 1849 م وقام والده بإرساله إلى كتاب القرية حيث تلقى دروسه الأولى وحفظ القرآن وجوده وفي سنة 1866 م إلتحق بالجامع الأزهر ، وفي سنة 1877 م حصل على الشهادة العالمية ، وفي سنة 1879 م عمل مدرساً للتاريخ في مدرسة دار العلوم وفي سنة 1882 م إشترك في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز ، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884 م ، وأسس صحيفة العروة الوثقى، وفي سنة 1885 م غادر باريس إلى بيروت وفي سنة 1886 م إشتغل بالتدريس في المدرسة السلطانية وفي بيروت تزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى ، وفي سنة 1889 م - 1306 هـ عاد محمد عبده إلى مصر بعفو من الخديوي توفيق ، ووساطة تلميذه سعد زغلول ، وفي سنة 1889 م عين قاضياً بمحكمة بنها ، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين ثم إرتقى إلى منصب مستشار في محكمة الإستئناف عام 1891 م و في 3 يونيو سنة 1899 م - 24 محرم 1317هـ صدر مرسوم خديوي وقعه الخديوي عباس حلمي الثاني بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية وهذا نصه :
«صدر أمر عال من المعية السنية بتاريخ 3 يونيو 1899 م - 24 محرم 1317 هـ نمرة 2 سايرة ، صورته . .فضيلة حضرة الشيخ محمد عبده ، مفتي الديار المصرية : بناء على ماهو معهود في حضرتكم من العلامية وكمال الدراية ، قد وجهنا لعهدكم وظيفة إفتاء الديار المصرية ، وأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية ، والقيام بمهام هذه الوظيفة وقد أخطرنا الباشا رئيس مجلس النظار بذلك . كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر ، وصار الشيخ محمد عبده أول مفتى مستقل لمصر معين من قبل الخديوي عباس حلمي, وهذا إحصاء لفتاوى الشيخ محمد عبده ، عدد الفتاوى 944 فتوى استغرقت المجلد الثاني من سجلات مضبطة دار الإفتاء بأكمله وصفحاته 198، كما استغرقت 159 صفحة من صفحات المجلد الثالث .وفي سنة 1900 م - 1318 هـ أسس جمعية إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطات ، وزار العديد من الدول الأوروبية والعربية ، وفي الساعة الخامسة مساء يوم 11 يوليو عام 1905 م - 7 جمادى الأولى 1323 هـ توفى الشيخ بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة ، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء .
من تلاميذه : شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي - شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق - الشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادى بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم - شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد - سعد زغلول - قاسم أمين - محمد لطفي جمعة - طه حسين - شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما إبتلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقرآن الكريم. ففي تصويره مقدرة الشيخ على إفحام المستشرقين:
ووفقت بين الدين والعلم والحجا فأطلعت نورا من ثلاث جهات ..وقفت لهانوتو ورينان وقفة أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف فخافك أهل الشك والنزعات ..وأرصدت للباغي على دين أحمد شباة يراع ساحر النفثات
وفي التعبير عن الحزن الذي إعترى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها:بكى الشرق فإرتجت له الأرض رجة وضاقت عيون الكون بالعبرات ..ففي الهند محزون وفي اليمن جازع وفي مصر باك دائم الحسرات ..
وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب وفي تونس ما شئت من زفرات ..بكى عالم الإسلام عالم عصره سراج الدياجي هادم الشبهات