"حلم سناء"
وما أن سمع صوت الراديو أدرك أن زوجته "سناء" بداخل الشقة ، فنادى علي أولاده الثلاثة من مدخل البيت ودخل الرجل شقته وقال لزوجته " أزيك عمله ايه دلوقت . . أنا مستغرب أزاى واحده فى سنك ومابتشوفش كمان هما . . ولادك فين . . سيبينك لوحدك ليه ! ،انا كمان كبرت وباجى هنا الشقة ارتاح يومين من الغم اللى فى البيت الثانى ومش ناقص وجع قلب . . ده انا عايز اللى يخدمنى فردت سناء " انا مش زعلانه إنى لوحدى كل واحد مشغول بحياته وانا حافظه الشقة حته حته ، وان كان على الأكل يبقوا ينزلوه ويكون كده كتر خيرهم . . . ودخل الاولاد الثلاثة وقالوا" خير هو حصل حاجة " فرد الآب "هو انتو مستنيين لما يحصل أيه ،انتو عارفين إنى باجى فى الشقة يومين تلاته وامكم بقت ما بتشوفش بعد ما الضغط والسكر قضى على عينيها وخلاص الدنيا ضلمه أقدمها وده دركو دلوقت تشلوها وانتو كل واحد مرتاح فى بيته وسيبنلى "بلوى" عندى!.
وفى النهاية استقر الرأى على أن تقيم سناء فى شقة كل ابن من الثلاثة شهر ، ودخل الابن الأكبر على أمه فى غرفتها وفتح دولابها ليأخذ بعض ملابسها لتقيم معه وقال لأمه" على فكره اللى قاله ابويا عنده حق فيه وانا قلتلك ما ينفعش تعيشى لوحدك الناس تقول أيه وانتى اللى صممتى . . . وادينا سمعنا كلمتين ملهمش لازمه ، قومى هاتى اديك نطلع شقتى وده مراتى والعيال هيفرحوا بيكى قوى وتركت يد ابنها وقالت "انا مش محتاجه ايد حد انت ناسى ان بنيت البيت ده طوبه طوبه وحافظه كل حته فيه واستندت سناء على كنبة الغرفة إلى ان وصلت إلى باب الشقة ثم استندت على الحائط المجاور للباب وخرجت سناء وهى لا تملك من امرها شيئا بعد اربعين عاما عاشتها فى بيتها لدرجة ان كل ركن فيه يناديها ! ! ! وصعدت متكئه على الحائط وهى تفكر يا ترى هيكون حالى احسن فى بيت ابنى وهرتاح . . ده انا ياربى مبأليش كام يوم الدنيا ضلمه قدامى . . . ياله انا هزعل على ايه وله ايه .
ودخلت هى وابنها شقته ونادى على زوجته وابلغها بالاتفاق فقالت الزوجه اهلا وسهلا تنورى ده البيت بيتك وهنا زى شقتك اللى تحت وأى حاجة عوزاها نادى عليا .ودخل الابن غرفة نوم الاولاد وقال لأمه شوفى انتى هتنامى مع العيال ،عايزة تنامى على سرير من السراير هيكون جنبك أى حد منهم عايزه تنامى لوحدك على الكنبة تحت الشباك . . لم يكمل الابن الكلام وقاطعته هنام على الكنبه لتسمع اصوات الشارع لتحس بونس الناس حولها ، واخدت زوجه الابن ملابس الام وفتحت الدولاب وقالت " انا هفضى لكى رف لهدومك فقالت سناء هتعبك معايا وهنا دخل الاولاد الغرفه وقالوا "انتى هتقعدى معانا انتى مش هتحسى بيينا عشان انت عارفه طول النهار احنا بره . .
وهكذا كان اول يوم لسناء فى شقة الابن الأكبر ترحيب من الزوجه والابناء ، ومرت ومرت الايام ورويدا رويدا بدأت تشعر ان حالها لم يتغير ،الكل هنا فى حاله الابن والاولاد من الصباح حتى المساء فى الخارج والزوجه بين تنظيف البيت وشراء المشتريات والذهاب احيانا إلى الجيران ، ويعود الابن فى المساء منهك ياكل ويدخل غرفتها من على الباب ويقول"عايزه حاجه انا داخل انام" إلا فى يوم الاجازة بيكلم معاها شويةويجلس ليشاهد التليفزيون مع اسرته ولأن سناء لم تتعود بعد ان تسمع من غير ان تشاهدجلست فى غرفتها فى أغلب الأوقات .وهكذا عادت الام وحيده كما كانت فقد تركها الزوج ولم يشفع لها جمالها وطولها الفارع بل لم تعرف ولم يصلها يوما فى حياتها أنها جميلة الوجه والقلب معا ،وتحملت من أجل اولادها ما لا يطاق من زوجها من شرب إلى دخول فى علاقات عديده وتسمع من جيرانها ان زوجها سيتزوج من فلانه وعندما تواجه يقول لها "حد بيدنى حاجة من جيبه ،اعمل اللى انا عاوزه وانا سيبك مع ولادك هو انا طلقتك ما انتى عايشه زى الفل . . .
وتعودت سناء على الصمت امام زوجها وارتضت ان تعيش بس مش زى الفل ، واصبح زوجها مجرد صوره امام اولادها فقط برغم ان زوجها ميكانيكى سيارات وبيكسب كويس لكن بتاخد منه مصاريف للطعام وملابس اولادها على القد وبالقتاره وديما يقول انه معهوش وهكذا كانت حياه سناء ديما على القد بيت صغير دور ارضى وأول ومرت السنوات الاولى فى حياه سناء صعبه وجافه ، ورأت سناء اولادها الثلاثة بيكبرو قدمها وكانت الام والاب معا ، تهتم بتعليمهم وتربيتهم وتبذل أقصى مجهود عندها ولم تبالى بأى شىء غير اولادها فقط .ولحرصها الشديد على اولادها وعدم تحملهم تعب الكفاح وبناء حياتهم بانفسهم قررت ان تقوم بهذا الدور وتحقيق حلم بناء شقه لكل ولد من اولادها الثلاثة فهنا واجهت سناء زوجها وقالت "انا هسيبك تعمل اللى انت عاوزه بس فكها شويه وبالفعل وافق الزوج على زيادة مصاريف البيت ولكن بالقتارة وبزيادة قليلة ، ودخلت سناء فى نظام "الجمعيات" واذا انتهت واحدة تبدأ فى الأخرى إلا أن تصل لمبلغ معين تستعين بالجيران للبحث عن مقاول لبناء شقة لأبنها الكبيروبالفعل وافق مقاول ان يبنى دور لها ويأخذ ما معها وتقسط له الباقى ،
وما ان تنتهى من خطوه تبدأ فى خطوه جديده ومرت سنوات وسنوات وسناء فى هذا الكفاح والحرمان إلا من تحقيق حلمها وهو إسعاد اولادها إلى أن تزوج الثلاثة ويصبحوا بجوارها إلى آخر يوم بعمرها ، فقد اعطت سناء كل شىء وضاع عمرها من أجل الآخرين وهى سعيدة غير نادمة فخورة برحلة كفاحها. . . ولكن لم تنتبه ولم تهتم أثناء هذه الرحلة الشاقة أن مرض الضغط قد تسلل إليها وبعدها اصابها مرض السكر والذى وصل إلى ارقام مرتفعه جدا إلى أن وصل إلى مرحلة خطيرة وأثر على بصرها إلى أن فقدته نهائيا .
وانتهت إقامة الام عند ابنها الأكبر وصعدت الدور الثالث عند ابنها الاوسط وهى تدعو الله ان يكون حالها افضل ، ولكن كان الحال والمعاملة من زوجة الابن والاحفاد عدم الاهتمام والاعتناء بوجودها معهم فكأن لا وجود لها فى حياتهم غير تقديم الفطار والغداء والعشاء فقط لا غير ، وفى مرة عند الغداء مع الاسرة اهتزت " الملعقة " من يديها فوقع الطعام على ملابسها فضحك احفادها ، فقام الابن بأخذ يد امه إلى الحمام لينظف ملابسها وقال " انا شايف انك لسه متعودتيش على حالتك الجديدة والاحسن انك تاكلى فى الاوضه براحتك واوعى تزعلى من العيال دول لسه صغيرين " .دخلت سناء غرفتها ولم تكمل طعامها وعادت وحيده كما كانت شارده الفكر هو انا ايه اللى حصلى هما ولادى جنبى ومش جنبى اظاهر ان دورى خلص ومليش وجود فى حياتهم ، ومرت حياة سناء بطيئه رتيبه بدون احداث ولا حياه الايام شبه بعضها والجيران اللى كانو بيزورها فى شقتها اصبحت لا تراهم إلا مرات قليلة وبدأ يتسلل الاكتئاب إلى سناء .
وصعدت مرى اخرى على سلالم البيت إلى الدور الرابع عند ابنها الاصغر والتى لا تهدأ شقته ليل نهار دوشه وهيصه وصوت الام العالى دائما مع اولادها الصغار ، ودخلت سناء الحمام لتستحم وتغير ملابسها وما ان خرجت فرأتها زوجه الابن وقالت لها " ايه ده انتى مش شايفة ان الجلابيه مقلوبه . . . انت مش عارفه وشها من ضهرها تعالى هنا وخلعت سناء الجلابيه وكأنها طفلة صغيره توبخها امها على فعل خاطىءودخلت الغرفة وهى مسلوبة الإرادة لا تقوى على فعل شيء فى حياتها ولا تملك المقاومة والرفض وتمكن الاكتئاب منها فأصبحت خيال انسان ، هى لم تدرك انها انسانه لها حقوق وعليها واجبات ولكن تناست حقوقها فى سبيل أداء واجباتها ، ولم تبحث وتعمل عما يسعدها . . . فركزت حياتها على حلم واحد ارادات تحقيقه ليكون اولادها بجوارها تراهم امامها وها هى قد كبرت ولم ترى اولادها بجوارها وكأنها قد أخذت حفنة ماء بيديها واحكمت الغلق لتكتشف انها لا تمتلك ولا قطرة ماء ، فصعدوها للدور الأخير كان بالفعل محطتها الأخيرة ، فقضت سناء ايامها الأخيرة شاردة الذهن قليلة الكلام حزينة
لا تتذكر غير الماضى ، ولا وجود للحاضر ، ولا أمل فى مستقبل.
وخرجت سناء إلى شرفتها لعلها تستشق هواء صافى لعله يخرجها من حالتها وامسكت بسور الشرفة ونظرت ناحية أصوات المارة ونظرت اليهم بإمعان وكأنها تراهم وتعرفهم واقتربت من الاصوات أكثر وأكثر لعلهم يأنسوا وحداتها ولم تدرك سناء انها تسقط وهى تشتم رائحة الحرية ونهاية لرحلتها وتخلصها من أوجاعها والامها . . .
وقال الجيران ان سناء انتحرت وتخلصت من حياتها .
ولكننا على يقين أن سناء لم تنتحر فمريض الإكتئاب لا يسأل على أفعاله
فهىاعطت ..... ولم تأخذ
وزرعت . . . . ولم تحصد
صعدت إلى ربها محطمة الروح قبل أن تكون
محطمة الجسد ، وادعو الله أن يغفر لها وان ترى عدالة السماء التى لم ترها على الأرض
الهام المليجى
بإدارة العلاقات العامة والإعلام