عقيلة بنى هاشم السيدة زينب رضى الله عنها
مصر المحروسة لها خصوصية خصها الله سبحانه وتعالى بها فى الدفاع عن الأمن القومى للأمة العربية .... فجند مصر خير أجناد أهل الأرض إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا فتح الله عليكم مصر فأتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض قيل ولم كانوا كذلك يا رسول الله قال لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة ) فهى لها عبقرية المكان وبها يجرى نهر النيل وقال النبى صلى الله عليه وسلم ( نهران فى الجنة النيل والفرات طاهران فى الدنيا باطنان بأرصف جنة الفردوس ) – وبعد أن فتحت مصر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص ( 40 ق.هـ - 43 هجرية 584 – 644 ميلادية ) برسالة ألقاها فى النيل ( إن كنت تجرى من نفسك فلا تجرى وإن كنت تجرى بأمر الله فأجرى ) .
دخل مصر ما يزيد عن مائه صحابى ودفن أكثرهم فى ترابها وبها مراقد السيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة رقية والسيدة سكينة والحسين بن على إبن أبى طالب رضى الله عنهم . وسنتابع بإذن الله تعالى سيرتهم العظيمة والطاهرة . ونبدأ أولى هذه السلسلة الكريمة بالسيدة زينب حفيدة سيد الخلق ابنة السيدة فاطمة الزهراء البتول و التى توفيت عن عمر يبلغ 29 عاماً والتى أنجبت بعد زواجها من رابع الخلفاء الراشدين على إبن أبى طالب خمسة أبناء هم الحسن والحسين وأم كلثوم والولد الثالث محسن الذى توفى وهو جنين فى بطن أمه والسيدة زينب رضى الله عنهم .
ولدت فى الخامس من جمادى الأخرة 5 هجرية فى حياة جدها النبى صلى الله عليه وسلم وقد سماها جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم _ زينب – على اسم إبنته الكبرى .وأختار لها الأسم ليكون من نسل فاطمة المباركة وعلى بن أبى طالب إبن عمها رضى الله عنهما ودعا لهما حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم : (بارك الله فيكما وعليكما و أخرج منكما الطيب الكثير وجعل ذريتكما مصابيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة ) . شهدت السيدة زينب 5 سنوات من حياة جدها الأعظم وتوفيت أمها السيدة فاطمة الزهراء بعد ثلاث أشهر من وفاة جدها صلى الله عليه وسلم . نشأت وظلت تنهل من علم أبيها الأمام على بن أبى طالب والحسن والحسين رضى الله عنهم وكانت ذات عقلا ونورانية وصبراً لايدانيه صبر . يروى الأمام أحمد بن حنبل فى مسنده ( أن جبريل عليه السلام أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بمصرع الحسين وآل بيته فى كربلاء عند ولادة السيدة زينب . أستشهد والدها الخليفة الرابع على بن أبى طالب ( 23 قبل الهجرة – 40 هجرية( 600-661 ميلادية ) حيث قتله رجل من الخوارج يدعى عبدالرحمن بن ملجم مهراً لفتاة – فى مسجد بالكوفة بالعراق ودفن هناك .
وقد شهدت السيده زينب رضى الله عنها حادثة كربلاء ومقتل الحسين سيد الشهداء على يد قوات يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ( فى عاشوراء العاشر من محرم 61 هجرياً ) بكربلاء بأرض العراق . ويساق موكب الأسرى والسبايا إلى يزيد بن معاوية وهى منهم وفيهم إبن سيد الشهداء ( على زين العابدين ) الذى ابعدته عمته السيدة زينب واسدلت عليه خمارها بعد أن وضعته فى حجرها ولولا نجاته بهذه الطريقة لانقطعت سلالة الحسين الشهيد وزريتة الشريفة . وبعد حين – أمر يزيد بن معاوية بإخراجها من مكة أو المدينة إلى أى بلد تعيش فيه درءً للفتنة فاختارت مصر بعد أن أشتكى يزيد من أن وجودها يهيج المشاعر الأليمة . حيث كانت تتذكر الأحداث الأليمة وترويها فكانت تبكى كل عدو وصديق . فى هلال شعبان 61 هجرية الموافق 26 أبريل 681 ميلادية شرفت مصر بالضيفة الشريفة و إستقبلت بحشد من الناس فى العباسة مركز بلبيس بمحافظة الشرقية وعلى رأسهم والى مصر ( مسلمة بن مخلد الأنصارى ) وتوجه الناس مشياً إلى الفسطاط وتنازل الوالى عن منزله لتقيم فيه السيدة زينب رضى الله عنها إكراماً لها وكان معها فاطمة النبوية وسكينة وعلى زين العابدين أبناء الشهيد الحسين رضى الله عنهم ونزلت فى قصر يشرف على نهر النيل . كانت عقيلة بني هاشم تشبه أباها علياً وأمها الزهراء كثيرة العبادة والتهجد ، كانت تؤدي النوافل كاملة في كل أوقاتها ، ولم تغفل عن نافلة الليل قط ، ولا زالت تتلو القرآن الكريم وملازمة له ولن يفتر لسانها عن ذكر الله قط تدعو الله بعد كل صلاة وتسبحهُ ، فمن أدعيتها التي كانت تقرأها بعد صلاتها وحال القنوت) يا عماد من لا عماد له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا سند من لا سند له ، ويا حرز الضعفاء ، ويا كنز الفقراء ، ويا سميع الدعاء ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف السوء ويا عظيم الرجاء ، ويا منجي الغرقى ، ويا منقذ الهلكى ، يا محسن يا مجمل ، يا منعم يا مفضل ، أنت الذي سجد لك سواد الليل ، وضوء النهار ، وشعاع الشمس ، وحفيف الشجر ، ودوي الماء ، يا الله يا الله ، الذي لم يكن قبله ولا بعده ، ولانهاية ولاحد ، ولا كفؤ ولا ند ، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه ، المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة ، محقق الحقائق ومبطل الشرك والبوائق ، وبالاسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية ، التي لا موت معها ولا فناء ، وبالروح المقدسة الكريمة وبالسمع الحاضر النافذ ، وتاج الوقار ، وخاتم النبوة وتوثيق العهد ، ودار الحيوان ، وقصورالجمال،ياالله، لا شريك له .(
ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب على قراءتها ، هو )سبحان من لبس العز وتردى به ، سبحان من تعطف بالمجد والكرم ، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلاله ، جل جلاله ، سبحان من أحصى كل شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته ، سبحان ذي العزة والنعم ، اللهم إني اسألك بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهى الرحمة من كتابك ،وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلا ، أن تصلي على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ، وأن تجمع لي خير الدنيا والآخرة ، بعد عمر طويل ، اللهم أنت الحي القيوم أنت هديتني ، وأنت تطعمني وتسقيني ، وأنت تميتني وتحييني برحمتك يا أرحم الراحمين.( ومن أدعية أبيها الذي كانت تدعو به بعد صلاة العشاء وهو : ( اللهم إني أسألك يا عالم الأمور الخفية ، ويا من الأرض بعزته مدحية ويامن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئه ، ويا مقبلاً على كل نفس مؤمنة زكية ، يا مسكن رعب الخائفين وأهل التقية ، يا من حوائج الخلق عنده مقضية ، يا من ليس له بواب ينادي ، ولا صاحب يغشى ، ولا وزير يؤتى ولا غير رب يدعى ، يا من لا يزداد على الإلحاح إلاكرما وجودا صلِّى على محمد وآل محمد واعطني سؤلي إنك على كل شيء قدير) . ( يا سميع الرجاء أنت الذى سجد له سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوى الماء – يا الله الذى لم يكن قبله قبل ولا بعده بعد ولا نهاية له ولاحد ولا كفء ولا ند ) وقد لقبت بعدة ألقاب منها : أم هاشم – لأنها كانت كريمة تهشم الطعام لتطعم المساكين والضعفاء كجدها هاشم – ولأنها تكفلت برعاية سيدات بنى هاشم أثناء وبعد حادثة كربلاء وحملت لواء الهاشميين بعد استشهاد الحسين وآله .ولقبت بالطاهرة حيث – كان أخوها الإمام الحسن رضى الله عنه كلما رآها قال : ( أنعم بك يا طاهرة ) .
وتكنى بأم العزائم – فهى بما رأته من مأسى كان لها مكانة من أهل العزم و أم العواجز لأنها عندما شرفت مصر قامت بمساعدة العديد من العجزة والمساكين والفقراء و رئيسة الديوان لأن والى مصر وحاشيته كانوا يأتون إلى ديوانها ويحضرون جلسات الفقه والعلم من وراء حجاب ويسمعون ما ترويه من الأحاديث الشريفة عن جدها صلى الله عليه وسلم و صاحبة الشورى لأن الوجهاء والرؤساء وسادة القوم كانوا يحضرون إليها يستشيرونها . بعد 11 شهر من إقامتها بمصر وافتها المنية ودفنت بحجرتها بالبيت وتحول دارها إلى مزار بعد وفاتها فى 15 رجب سنة 62 هجرية 27 مارس 682 ميلادية وقد أقيم الضريح شمال الدار واعيد تجديده من الخليفة أحمد بن طولون الذى نقل الخلافة إلى القاهرة وفى عهد المعز لدين الله الفاطمى زود الضريح بالبناء اللائق وأعاد الأمير عبدالرحمن كتخدا 1868 ميلادية التجديد وأصبحت مقصورة الضريح من النحاس وكتب عليها ( يا سيدة زينب يابنت فاطمة الزهراء – مددك).
تركت على مصر ذات الألف مئذنه بصمة وضاءة إلى يوم القيامة . قال تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) صدق الله العظيم – سورة الأحزاب - . مراجع رجال ونساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم – هانى الحاج – دار التوفيقية للتراث -2009 .
- بحر الأنساب – نقابة الأشراف – هيئة الكتاب والوثائق القومية . السيدة زينب – بطلة كربلاء – عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ عن دار الهلال 1966 ) .
إعداد : ا/ محى الدين صادق
مدير عام سابق بالمقاولون العرب