يوم اليتيم
** تحتفل الأمة الإسلامية فى شهر إبريل من كل عام بيوم اليتيم , وهو تقليد حسن وسنه حميدة جزى الله من سنها وحرص على إحيائها خير الجزاء فهو يوم يتنافس فيه أهل الخير لتقديم كل ما يدخل البهجة والسرور فى نفوس الأطفال اليتامى وأمهاتهم الأرامل من إنفاق وإطعام وكساء وهدايا وبرامج ترفيهية , وفيه تذكيرلأهل الخير بأطفال فقدوا آباءهم وهم فى سن مبكرة قبل أن يبلغوا الحلم , وذلك للحث على مداومة رعايتهم طول العام .
** وتكريم اليتامى وعدم إيذائهم أو الإقتراب من أموالهم بالباطل أمر إلهى جاء فى القرآن الكريم فى أكثر من عشرين آية , كما جاء فى العديد من الأحاديث النبوية الشريفة وفى ذلك دليل على عظم شأنه عند رب العالمين ورسوله الكريم , ونظراً لأن مال اليتيم الصغير الوارث يكون هدفاً لكل طامع لا يخاف الله فقد أمر الإسلام أن يكون لليتيم كافل أمين تقى كفء يدير أمواله بالحسنى ويخرج زكاتة ويشرف على تربيته وتعليمه وتوجيهه وحمايته ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) أى معاملتهم معاملة الأبناء من حيث العطف والحنان والتقويم , ثم رد أموالهم إليهم إذا بلغوا سن الرشد والقدرة على تحمل مسؤلية إدارة أموالهم ( فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) مع عدم إطالة مدة الوصاية عمداً بغرض الإنتفاع بأموالهم ( ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ) , وقبل ذلك – وفى خلال مدة الوصاية قبل أن يبلغ اليتيم الحلم – أمر رب العزة بحسن إدارة الأموال فلا تنفق إلا للضرورة ودون تبزير ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده ) كما حذر سبحانه الكافل من التلاعب بمال اليتيم بإستبدال الطيب منه – سواء كان مالاً أو عقاراً أو خلافه – بآخر أقل جودة لتحقيق منفعة شخصية للكافل , كما حذر الشارع من خلط أموال اليتيم بغيرها والمغامرة بها فى مشاريع يتعذر معها تحديد الأرباح ونصيب كل طرف مثل شركات توظيف الأموال والبورصة وغيرها (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم), وفى الحديث الشريف ( إياكم ومال الضعيفين اليتيم والمرأة ) وفى زواج اليتيمة أمر القرآن الكريم بالعدل فى مهر اليتيمة ومستلزمات الزواج فلا يقل عن مثيلاتها فى عصرها , ولا يبخسها حقها لضعفها , وإلا فالأحوط أن يتزوج غيرها وقد أباح الشرع الزواج من واحدة أو إثنتين أو ثلاث أو أربع ( وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) وفيما يختص بأتعاب الكافل فالأفضل أن تكون الكفالة خالصة لوجه الله دون مقابل , ولكن إذا كان الكافل فقيراً فلا بأس أن يأخذ الأجر المعقول من مال اليتيم دون مغالاة (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف).
** أما عن التعامل مع شخص اليتيم فقد أمر الشارع أن يكون التعامل بالرفق والحنان وليس بالقهر والزجر حتى لو أخطأ اليتيم وذلك مراعاة لحالة الطفل اليتيم الذى غالباً ما يعانى من الإنكسار النفسى والحساسية بسبب فقدان والده , وقد جاء القرآن واضحاً وقوياً فى التحذير من إهانة اليتيم حيث شبه المعتدى بالكافر الذى لا يؤمن باليوم الآخر والجزاء ( أرأيت الذى يكذب بالدين فذلك الذى يدع اليتيم) - أى يدفعه بشدة - وقال تعالى ( فأما اليتيم فلا تقهر ) .
وعن ثواب كافل اليتيم إذا هو أحسن معاملته وحافظ على ماله نذكر بعضا منها :-
1- الإحسان إلى اليتيم طاعة لأمر الله ورسوله ’ وطاعة الله ورسوله فيها الفوز العظيم فى الدنيا والآخرة ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما) فضلاً عن أنها إتباع لسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم التى تورث حب الله للعبد ( قل إن كنتم تحبون الله فإتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) وحب الله للعبد يترتب عليها الخير الكثير منه حب الناس له فى الأرض , وإستجابة دعائه , والبركة فى ماله وولده وبدنه وعمله , وحفظه من وساوس الشيطان , ففى الحديث القدسى ( ... وإذا سألنى لأعطينه وإذا دعانى لأجيبنه وإذا استعاذنى لأعيذنه ) .
2- الإحسان إلى اليتيم يؤمن مستقبل الذريه ( وليخش الذين لوتركوا ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ) فإن الله تعالى يهييء لأولاده وأحفاده من بعده من يعطف عليهم ويقضى حاجتهم ويشد أزرهم ويدافع عنهم تماماً كما كان يفعل هو مع اليتيم الذى يكفله , فإنما الجزاء من جنس العمل , وصلاح الآباء يعود بالخير على الأبناء ( وكان أبوهما صالحاً )
3- الإحسان إلى اليتيم يرفع منزلة الكافل ليكون فى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة ففى الحديث الشريف ( أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وأشار بالسبابه والوسطى وفرج بينهما ) وذلك لأن الكافل يعلم اليتيم أصول دينه ويخرجه من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان , فضلاً عن رعايته وحمايته والإنفاق عليه إن كان فقيراً وتلك أشبه بمهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء مع أقوامهم .
4- الإحسان إلى اليتيم يلين القلب ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو من قسوة قلبه وعدم إدراك حاجته فقال صلى الله عليه وسلم ارحم اليتيم و امسح رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك) ففعل الرجل وتحقق له ما أراد .
5- الإحسان إلى اليتيم من خلق الرحمة , وفاعله يستحق الرحمة الكبرى فى الدنيا والآخرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء والراحمون يرحمهم الرحمن ) ( إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )
** وأما عن عقاب الإساءة إلى اليتيم فقال تعالى ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون فى بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) وفى الحديث ( إجتنبوا الموبقات- أى المهلكات - السبع ( الشرك بالله , وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق – أكل الربا –أكل مال اليتيم .... وغيرها )
** أخى القارئ إذا كان لديك شوق فى أن تكون فى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة فأدخل السرور على قلب يتيم - امسح رأسه – إكس بدنه – أطعمه من طعامك – إبتسم فى وجهه تحظى برضا الله وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاء أم اليتيم الأرملة ، كما يضاعف الثواب إذا كان اليتيم من أقاربك ( أو إطعام فى يوم ذى مسغبة يتيماً ذا مقربة أومسكيناً ذا متربة ) فالصدقة للمسكين صدقة وللقريب ثنتان صدقة وصلة .
عيد العمال
الأول من مايو كل عام يوم خصته المنظمات العمالية وأجهزة الإعلام العالمية للتذكره والإشادة بفضل العمل والعمال على تحقيق السعادة ورفاهية البشرية كافه على وجه الأرض , وديننا الحنيف أدرك هذه الحقيقة منذ أكثر من 1400 سنة فأمر بالعمل وأشاد بالعاملين فقال تعالى ( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) فأى تكريم أفضل وأعظم من تكريم الله للعاملين حيث جعل عملهم الذى يقدمونه لإثراء الحياة موضع تقدير الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم وغبطة المؤمنين , كما قدس القرآن الكريم العمل وجعله من صميم الطاعة والعبادة فوضعه فى المرتبة التالية بعد الصلاة فى قولة تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فإنتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله ) فإذا كانت الصلاة غذاء الأرواح , فالعمل غذاء الأجسام , هكذا وازى الإسلام بين مطالب الروح وحاجات الجسد , فالإسلام دين ودنيا لاغنى لأحدهما عن الآخر , فعبادة بلاعمل روح بلا جسد ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنسى نصيبك من الدنيا ... )
** إن كلمة عامل ليست قاصرة على عمال البناء أو الصناعة أو الخدمات أو أصحاب الحرف ولكن كل من يبذل جهداً ويؤدى عملاً فهو عامل , فالطبيب عامل فى مستشفاه أو عيادته , والمدرس عامل فى مدرستة , وربة البيت عاملة فى منزلها ترعى زوجها وتربى أولادها وتدير شئون بيتها , وكل إنسان يعمل فهو عامل فى موقع عمله ومطالب أن يخلص فى أداء عمله وأن يتقنه وفى الحديث الشريف ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) , وكذلك فإن الحكام وأولى الأمر والقيادات عمال مسئولون عن رعاياهم ومرء وسيهم وفى الحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) , وتأكيداً لقدسية العمل وشرفه جاء لفظ العمل منسوباً لرب العزة فى قوله تعالى (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون )
لتأكيد شرف العمل وأنه لا ينبغى تحقير أى مهنة مهما صغرت , وأن كل إنسان ميسر لما خلق له ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ) فقد اقتضت حكمته أن يجعل من أنبيائه أصحاب حرفة وأهل عمل فى الحياة بجانب تكليفهم بالتبليغ وأداء الرسالة والدعوة إلى توحيد الله تعالى وإتباع الرسل والأنبياء , ولم يرض سبحانة وتعالى لهم أن يكونوا دعاه للعقيدة ويأكلون مما فى أيدى الناس لأن ذلك مما يقلل من شأنهم , فعلم إدريس خياطة الملابس , وعلم نوحا صناعة السفن ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) , وعلم شعيبا العمل فى التجارة , وعلم موسى قيادة الجيش ورعى الغنم , وعلم داود صناعة الدروع ( أن اعمل سابغات وقدّر فى السرد ) , وفى الحديث الشريف ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من عمل يده , وأن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) , وكان نبى الله إبراهيم وابنه إسماعيل يتقنان صناعة البناء ( وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ...) , وكذلك نبى الله يوسف الذى دبر إقتصاد مصر وحماها وما حولها من البلاد فى سنوات المجاعة ( قال إجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم ), وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم رعى الغنم والتجارة , كما عمل فى حمل الأحجار وشارك فى بناء المسجد وحفر الخندق , وجاء فى الأثر أن الإمام أبو حنيفة النعمان – الإمام الأعظم – صاحب المذهب المعروف كان يجيد أعمال البناء وشارك فى بناء سور بغداد .
** إن العمل شرف وواجب وحق وعبادة وحياة للنفس والغير والبشرية للحاضر والمستقبل , وحسب العمال شرفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على عامل وقد اخشنت وتورمت يده من كثرة العمل فشد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حفاوة وغبطه وقال هذه يد يحبها الله ورسوله .
إن ما نراه اليوم من قلة غاشمة مغرضة جاهلة إنما هو خيانة وغدر بمقدرات الأمة وأبنائها وثورتها وحاضرها ومستقبلها , وأنانية لا يقبلها شرع ولا عقل , نرى إضرابات وإعتصامات وتعديات على الأفراد ومنشآت الدولة وأجهزتها الأمنية ومطالب فئوية شخصية فى غير وقتها ولا ترضى بالصبر بل التنفيذ الفورى دون دراسه وتعطيل لمصالح العمل وقطع الطرق دون النظر لخطورة العواقب ( من فتح على نفسه باباً من السؤال فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر ) وكلها أمور يفعلها أفراد إستحوذت عليهم شياطين الأنس والجن والمغرضين بغرض الهدم وإشعال الفتنة ونار الغضب والتدمير الذى يأكل الأخضر واليابس ويسد أى طريق للتقدم بل يعيدنا آلاف الخطوات للوراء ويخرب إقتصادنا وفى ذلك ضياع لحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا , وإن إستمرار هذه الأعمال غير المسؤلة يجعل مرتكبيها من الجاحدين لأنعم الله الذين أعمى الله بصيرتهم فلم يشكروه على ما قدم لنا من حماية لثورتنا المجيدة التى أيدها سبحانه وتعالى بجنده ونصره ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار )(ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ).
** إن الحياة اليوم تتطلب بذل الجهد والعرق والصبر بعد أن من الله علينا بثوة 25 يناير المجيدة التى أخرجتنا من ظلمات الديكتاتورية إلى نور الديموقراطية فبالعمل وحده والإخلاص فى العمل وإتقان العمل وحسن التوكل على الله بعد أداء فرائضة وتطبيق شرعه , وإيقاف المظاهرات والصبر على المطالب هى السبيل الوحيد لرضا الله عنا وحلول بركته ورحمته ومن ثم زيادة الدخل ورفع المستوى وصفاء الحياة وسمو العيش لنا ولغيرنا ولذرياتنا من بعدنا , وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة .
وبالله التوفيـــــــــق ,
مهندس : رزق الشناوى .