رسالة إلى مريض(2)
هذه رسالة إليك رسالة لمن أصابه المرض فتألم منه أشد الألم رسالة لمن أصابه المرض فأقعده عما يحب.
فى هذا العدد نتناول حب العافية أمر فطرى : ينبغى أن تعلم أن كل إنسان مجبول على حب العافية , وإن هذا أمر طبيعى لا يستقبح . وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو الله بالعافية وكان يوصى أصحابه فيقول :" سلوا الله العافية فى الدنيا والأخرة " رواه الترمذى عن أنس . وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فى كل صباح ومساء " اللهم عافنى فى بدنى اللهم عافنى فى بصرى اللهم عافنى فى سمعى " رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبى بكرة . ولكن لا تنال العافية فى كل وقت , وهذا من تمام ضعف الإنسان وعبوديته لله .
إن الابتلاء من سنن الخلق : قال تعالى : ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) (الملك :2) وأحسن العمل عرفه الحسن البصرى بقوله : " أحسنه أخلصه وأصوبه " . قال تعالى " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين "(العنكبوت 3:2) . وكل ابتلاء من الله له حكمه وهو خير للمؤمن سواء كان هذا الابتلاء بالمرض أو بالعافية أو بالشر أو بالخير , فحينما أصيب المسلمون فى أحد قال الله لهم : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) (آل عمران 141:140 ) .
فمداولة الأيام وتغيرها , وإظهار المؤمنين واتخاذ الشهداء وتمحيص المؤمنين ومحق الكافرين , كل هذه كانت حكما لما أصاب المسلمين فى أحد وحكما لما يصيب المسلمين فى أى عصر من العصور . وعجباً لأمر المؤمن كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " رواه مسلم عن صهيب بن سنان . والابتلاء إما بشئ يحبه الإنسان فيكون عليه فيه الشكر , وإما بشئ يكرهه مثل المرض وهذا لا يخلو أن يكون عقوبة على ذنب , فهو دواء لمرض لولا تدارك الحكيم إياه بهذا البلاء لأهلكته الذنوب . أويكون هذا الابتلاء المكروه للنفس سبباً لنعمة لا تنال إلا بذلك المكروه , مثل الدواء المر من أجل الشفاء فالمكروه ينقطع ويتلاشى , وما يترتب عليه من النعمة دائم لا ينقطع فإذا عرف العبد هذا الأمر وهو أن المرض إما تكفيراً للذنوب أو سبباً لنعمة لا تنال إلا به انفتح له باب الرضا عن ربه فى كل ما يقضيه له ويقدره . عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة فى نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة " رواه الترمذى . أن الله سبحانه قد هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار كرامته لم تبلغها أعمالهم , ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة : فقيض لهم بأسباب المحنة ما يوصلهم إلى هذه المنازل كما وفقهم أثناء هذه المحنة إلى الصبر عليها , وذلك الذى يكون من جملة أسباب وصولهم إلى هذه المنزلة التى لم يكونوا بالغيها بأعمالهم ما لم يمروا بهذا الابتلاء
أن النفوس تكسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركونا إلى العاجلة : وذلك مرض يعوقها عن جدها فى سيرها إلى الله والدار الآخرة ’ فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامتها قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إلى الله فيكون بمنزلة الطبيب يسقى العليل الدواء الكريه لاستخراج الأمراض منه , ولو تركه لغلبته الأمراض حتى يهلك فيها .
والإنسان لا يختار زمن الابتلاء ولا كيفيته , ولا فى أى شئ يكون ابتلاءه , فى أقاربه , أوفى أصحابه , أو فى والديه , أو فى صحته ومتى سيكون هذا الابتلاء وهل سيكون فى بداية حياته أو فى شبابه أو وهو كبير فى السن ؟ وهل هذا الابتلاء بالخير أم بالشر ؟ قال تعالى :" ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " ( الأنبياء 35 ) . ولكن ما ينبغى على الإنسان هو أن يتعامل مع هذا الابتلاء بما يرضى الله حتى لا يخرجه الابتلاء عن شرع ربه وتعاليم دينه .
حسن الظن بالله : وحسن ظن المريض بالله فى قضائه وقدره الذى يجريه على العبد يورثه فرحاً وسروراً , ففى الحديث القدسى : " أنا عند ظن عبدى بى فليظن بى ما شاء " رواه الطبرانى فى الأوسط عن وائلة بن الأسقع ورواه أحمد فى كتاب مسند الكوفيين .وذكر الله بعض الناس بعد ما ابتلى المسلمون فى آحد بأنهم " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " (آل عمران : 154 ) . فإن الله قد قدرما قدره من البلاء لحكمة بالغة , وغاية محمودة يستحق الحمد عليها وذلك إنما صدر عن مشيئة وحكمة من أجل غاية هى أحب لله من فواتها فلم يقدرها سدى ولا أنشأها باطلاً : " ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار " (ص :27 ) . وكثير من الناس يظنون بالله غير الحق فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته وعرف موجب حمده وحكمته . وكذلك من قنط من رحمة الله ويئس من روحه فقد ظن به تعالى ظن السوء . عن أنس – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلاً فليقل اللهم أحينى ما كانت الحياة خيراً لى ’ وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لى " (متفق عليه ) .
نستكمل باقى هذه السلسلة فى العدد القادم بإذن الله
إعداد الإستاذ فضل عبد المعز زناتى
رحمة الله عليه من أسرة المقاولون العرب .