الأمـــــن والإيمــــــان
الأمن والإيمان
قال الله تعالى : [وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلي عذاب النار وبئس المصير] آية (136) البقرة
الآية الكريمة تقرر حقيقة أزلية، هي أن الأمن والإيمان وجهان لعملة واحدة بها تفتح أبواب الرزق والخيرات، وهو ما تؤكده التجربة المريرة التي تعيشها مصر الآن، فبعد أن منّ الله علينا بنجاح ثورة 25 يناير المجيدة، وتفاءلت وانشرحت بها صدور كل الشرفاء في مصر وخارج مصر لبزوغ فجر عهد جديد من العدالة والحرية والديمقراطية، عهد وضع نهاية لأكثر من نصف قرن من حكم فردي بغيض اتسم بكل أنواع الفساد، فإذا بنا أمام حالة من الانفلات الأمني بكل صوره، من اعتداء على الأفراد والأموال وتخريب للمنشآت وتعطيل للأعمال وافتعال للأزمات مما كان له آثار سلبية على الاقتصاد القومي ومسيرة الديمقراطية، ويقف وراء هذه الظاهرة أفراد إما أن الله قد أعمى بصيرتهم عن رؤية الحق والتوقيت المناسب لعرض مطالبهم والصبر عليها، أو أفراد ممن تضررت مصالحهم جراء ترسيخ الشرعية والعدل فاستحوذ عليهم الشيطان وأزاغ قلوبهم فغابت ضمائرهم فراحوا يعيثون في الأرض فساداً لضرب الاستقرار وإشاعة الفوضى لمنع تحقيق أي إنجازات تعود بالخير على الملايين من الشرفاء من أبناء هذه الأمة، ونظراً لأهمية الأمن في حياة الأفراد والشعوب فإن ديننا الحنيف – قرآناً وسنة – قد تعرض لهذا الموضوع فقام بتشخيص الداء ووضع له الدواء، ويتضح ذلك من الإجابة على أربعة أسئلة:-
ماهو الأمن؟
ماذا قال عنه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؟
ماهي عقوبة من يجحد بنعمة الأمن ولم يؤد شكر الله عليها؟
كيف يتحقق الأمن؟
الأمن هو زوال الخوف عن النفس، والشعور بالاستقرار والاطمئنان على النفس والمال والعرض، شعوراً يستطيع معه الفرد أن ينام قرير العين هادئ البال، فهناك اثنان لا تغمض لهما عين – الجائع والخائف [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ] آية (4-5) قريش وفي الحديث الشريف (من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، وبدون الأمن فلا عمل ولا إنتاج ولا حياة ولا سعادة ولا نوم، بل رُعب وتدمير وخراب وجرائم، ولذا فإن الأمن نعمة عظيمة ومنحة جليلة يمنحها رب العزة لمن شاء من عباده لينعموا بحياة آمنة مطمئنة يتبعها الرزق الوفير والخير الكثير في شتى مناحي الحياة وذلك فضلاً منه ورضا عنهم، أو اختباراً لهم لمعرفة مدى شكرهم على هذه النعمة، كما يسلبها من قوم غضب عليهم ليعيشوا في فزع وخوف جزاء ما ارتكبوا من معاصٍ.
ماذا قال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن الأمن؟.
الله تبارك وتعالى- تشريفاً لنعمة الأمن – جعله من صفات بيته الحرام [أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً] آية (57) القصص [ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً] آية (97) البقرة [وإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وأَمْناً] آية (125) البقرة أي أن الله تعالى كفل الأمن لكل من دخل البيت العتيق فلا قتل ولا صيد ولا أذى لأي مخلوق إنساناً كان أو طيراً أو حيواناً أو غير ذلك، كما جعل الأمن من صفات أهل الجنة [ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ] آية (46) الحجر [يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ] آية (55) الدخان,
الله تبارك وتعالى بث الأمن في قلب موسى بعد أن استولى عليه الخوف عندما رأى العصا تهتز كأنها جان وتتحول إلى ثعبان مُخيف [يَا مُوسَى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ] آية (31) القصص.
وفي الحديث الشريف يقول (المسلم من سَلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) بمعنى أن المؤمن كامل الإيمان مطالب بالحفاظ على أمن غيره ولا يمكن أن يكون سبباً في أذى الناس وترويعهم، وبذلك يحسن إسلامه ويكمل إيمانه.
وأما عن عقوبة من ينعم الله عليه بنعمة الأمن فلا يؤدي شكر الله عليها فهي الحرمان منها وكل ما يترتب على ذلك من قهر وعذاب وجوع وخوف، وفي ذلك مثالان – أهل مكة في زمن الرسول ? الذين كانوا في رغد من العيش والأمن فجحدوا هذه النعمة بارتكاب المعاصى والآثام والكفر بدعوة رسول الله ? وإيذائه فأصابهم القحط سبع سنوات حتى أكلوا الجيف والعظام وأصابتهم الشدائد والنكبات [وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] آية (112) النحل.
والمثل الثاني: لقوم سبأ في اليمن حيث أغدق الله عليهم الكثير من الخيرات والأموال [كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ] آية (15) سبأ كذلك من تتمة ما أنعم الله به عليهم أن جعل بين بلادهم – سبأ في الجنوب – وبين القرى الشامية في الشمال قرى متواصلة آمنة [سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ] آية (18) سبأ ، فأعرضوا ولم يشكروا الله على نعمة الأمن بل تمادوا في الكفر والغرور [فقالوا رَبَّنَا بَاعِدْ بيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ] آية (19) سبأ فهم قد بطروا النعمة وملّوا العافية وسئموا الراحة [فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ] آية (19) سبأ فخربت القرى وغاب الأمن ونزل السخط والغضب والعذاب.
كيف يتحقق الأمن؟
التقرب إلى الله بالعبادات [وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] آية (55) النور
اجتناب الظلم [الَذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ] آية (82) الانعام أي أن الظلم يحجب الأمن ويسبب الانفلات الأمني، وللظلم ثلاث صور: ظلم الله بالشرك به لأن المشرك يعتدي على حق من حقوق الله وهو وحدانيته [يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] آية (13) لقمان وظلم الناس بإلحاق الأذى بهم وحرمانهم من حقوقهم، وظلم النفس بارتكاب المعاصى.
تقوى الله: الله تبارك وتعالى قادر أن يكف أيدي البلطجية والمخربين إذا نحن تقربنا إليه بالتقوى وما تعنيه من عبادات ودعاء [ياأيها الذين آمنواذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] آية (11) المائدة .
الخلاصــــــة:
لا أمن ولا أمان ولا اطمئنان لفرد ولا دولة ولاكشف للضر إلا بمشيئة الله ورضاه [وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] آية (17) الأنعام ، ولابد من التغيير وتدارك أي تقصير في حق الله من عبادات ومعاملات حتي يغير الله ما نحن فيه من أزمات [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ ومَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن والٍ] آية (11) الرعد.
إن كل جهد تبذله الدولة لمحاربة الانفلات الأمني هو من قبيل الأخذ بالأسباب وهو أمر مشروع ولابد منه ولكنه كالدواء للمريض وسيلة علاج فقط ولكن لا يتحقق الشفاء إلا بمشيئة الله [وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ] آية (80) الشعراء.
سوف تؤتي كل الجهود ثمرتها المرجوة إن شاء الله ويتحقق الأمن والرخاء بالالتجاء إلى الله والتقرب إليه بالإخلاص في العبادة والعمل – أفراداً وجماعات حكاماً ومحكومين وذلك باتباع منهج الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها والمزيد من العبادات التطوعية من صلوات وصدقات ودعاء، واجتناب المعاصي وحفظ اللسان وفعل الخيرات عسى الله أن يكشف هذه الغُمة وأن يحفظ الأمة ويرفع عنها كيد الكائدين والمخربين ومثيري الفتن الخائنين، وأن يهدينا الصراط المستقيم الذي يوصلنا إلى الفوز برضاه وحلول بركته[ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ] آية (96) الأعراف.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وهو على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير.
م/ رزق الشناوي
دبلوم المعهد العالي للدراسات الإسلامية
دبلوم معهــــد إعــــداد الدعاة