مصر المستقبل-- بقلم:محمد علي إبراهيم-- يا حبذا لو قلدنا إبراهيم محلب طبق الثواب والعقاب.. فهاج الكسالي. لن نتقدم للأفضل ونحن في بيوتنا!
اعتاد الناس في بلادي علي أن يسألوا عن الحقوق قبل الواجبات.. وعن الحوافز قبل المرتبات.. وعن قيمة العلاوة قبل ان نتساءل ان كنا نستحقها.. نهتم بالأقدمية ولا نتحدث عن الكفاءة.. نبحث عن عمل اضافي قبل ان نثبت أقدامنا في الأصلي.. الموظفون يذهبون للحكومة ليناموا علي المكاتب.. الصحفيون انتشروا في كل الفضائيات الخاصة والصحف المستقلة والحزبية.. لا أحد يفكر في أخذ إجازة بدون مرتب.. ولا أحد يرفض العلاوة والحوافز رغم انه لا يقدم ما يوازيهما.. اختل الميزان.. كبار الصحفيين يلجأون إلي ذلك بحجة زيادة الأعباء.. والصغار بحجة ضعف المرتب.. الأدهي أن البعض يحتفظ بثلاثة مناصب صحفية في أماكن مختلفة.. وبعضهم يعمل خارج البلاد رغم انه مقيد في كشوف المرتبات الشهرية.. هناك صحفيون يقبضون مرتبات دون عمل.. والغريب انها بدلا من أن تنزل حمما في جوفهم. فإنها تنزل بردا وسلاما عليهم.. يخلقون آلاف الأعذار لعدم عملهم.. وإذا حاورتهم انقلبوا فكهين كأن الأمر لا يعنيهم.. وزادوا علي ذلك باستخدام وسائل التكنولوجيا التي توفرها لهم مؤسساتهم الصحفية لارسال أعمالهم للصحف الأخري.
الصحفيون ليسوا وحدهم.. الطبيب في المستشفي يكتب للمريض اسبرين وغرغرة وفي عيادته يكتب العلاج الحقيقي.. بعض مهندسي الأحياء بنوا قصورا وفيلات وعمارات من مرتبات لا تتعدي 300 جنيه وإذا سألته يقول لك رزق من السما.
وهذه باختصار مشكلة مصر الآن.. أي فلوس حرام اسمها رزق.. لو كانت رزقا ما اطلقوا عليها هذه التسميات المتدنية "سبوبة أو نحتة أو مصلحة".
ما جعل الله لابن آدم من قلبين في جوفه.. لا يوجد من يعمل في وظيفتين ويعطي بنفس الكفاءة فمابالك بالذي يؤدي في خمس أو ست!
المهندس ابراهيم محلب رئيس المقاولين العرب تولي منصبه فوجد عجبا.. عمالا لا يحضرون ويقبضون مرتباتهم في المنزل مثل بعض الصحفيين ومهندسين افتتحوا مكاتب خارجية ويتعاملون مع عملاء الشركة من الباطن ولا يحضرون لعملهم الأصلي.
المرتبات في المقاولين العرب جيدة وأفضل من الحكومة لكن العيب الرئيسي الذي وضع إبراهيم محلب يده عليه أن الذي يعمل وتطلع عينه يأخذ نفس مرتب وحوافز الكسول لذلك أصدر مؤخرا قرارات إدارية هامة أتمني أن نقلدها في الصحافة والصحة والتعليم والنقل والكهرباء وكل قطاعات الخدمات.
القرارات الإدارية التي أصدرها محلب كانت بضرورة تقييم أداء العاملين شهريا بهدف تقدير ما يصرف لهم كأجر متغير وأن يكون مرتبطا بمعايير أداء موضوعية مثل جودة الإنتاج والمواظبة وعدد أيام العمل الفعلية والمحافظة علي أدوات العمل.
نحن كلنا نعرف هذه المعايير. وفي كل المصالح والمؤسسات الحكومية يوجد مثلها بتسميات مختلفة كتقارير الأداء أو مستوي العمل أو غيرها.
ومن ضمنها أيضا الاهتمام بتخطيط الموارد البشرية بالشكل الذي يكفل وجود سياسة طبيعية لتقرير الاحتياجات من المهن المختلفة وفقا للطلب الحقيقي منها ومراعاة ظروف التشغيل في المدي القريب والبعيد.
طبعا إدارة الشركة اكتشفت وجود عمالة زائدة ومستمرة بعد المعاش أو عمالة لا تؤدي المطلوب منها.. هنا بدأ الثواب والعقاب.. وجد بعض المهندسين أنفسهم يحصلون علي مرتبات تزيد علي خمسة آلاف جنيه وآخرين لا يتعدون الألف.. المرتب واحد لكن الحوافز فرقت.. كل يوم غياب بخصم 50 جنيها وبحد أقصي 500 جنيه شهريا. وترحل الأيام الباقية للشهر الذي يليه.
طبعا العمال والمهندسون هاجوا وثاروا وتمردوا وسمعتهم يقولون ما هذا الظلم هل من المعقول أن نعمل 8 ساعات أو 9 ساعات يوميا وبغيرها لا نأخذ حوافز؟ هل يوجد عامل أو مهندس في مصر أو غيرها يعمل هذا العدد الهائل من الساعات؟ متي سنشاهد أولادنا ونرعي زوجاتنا؟
تخيلوا العمال "زعلانة" لأنهم طلبوا منهم العمل 8 ساعات من أجل الحصول علي حوافز وعدم خصم أيام.. العمال يرون أن العمل من الثامنة صباحاً حتي الرابعة عصراً مجحف!
العالم كله يعمل 8 ساعات كحد أدني و16 ساعة كحد أقصي.. وعمال المقاولين يحصلون علي أعلي مرتب شركة قطاع عام في مصر.. ومع ذلك يتأففون ويتبرمون..
لن يصلح حال مصر بدون رفع معدلات الانتاج.. لن نتقدم ونحن نثرثر ونحكي ونتبادل القصص.. لن تتحسن الأحوال المعيشية ونحن نريد كل شيء ولا نعطي شيئاً.. بالمناسبة لو طُبقت قرارات إبراهيم محلب علي الصحفيين لن يقبض أحد مرتبه.. فعلاً أصعب شيء في مصر أن تطلب من الناس الاخلاص في العمل.. أتدرون مدي الصعوبة لأننا اعتدنا علي الكسل وعلي الاخلاص للعمل الإضافي فقط. أما العمل الأصلي فهو من أجل المعاش فقط..