الواحة

ناقص ألف جنيه

فى الصباح الباكر استيقظت الزوجة والتى تعمل فى أحدى الشركات العامة  كعادتها لتحضير افطار لأطفالها ولزوجها قبل أن تذهب لعملها ، وتترك كل شىء على ما يرام قبل نزولها وإذ بصوت زوجها يناديها على غير العادة وهو لم يعتاد الصحيان مبكراً فى هذا الوقت لعدم حاجة عمله فى أحد المحلات الخاصة والذى يبدأ بعد العاشرة صباحاً  ... وأعاد الزوج كلامه ، قبل أن تقاطعه بأن لا ينسى أخذ طعام اولادهما 3 و4 سنوات لجارتهم عند نزوله ، بقوله أن عليها اعطاؤه 15 ألف جنيهاً "والذى تركها معاها من فترة طويلة" .... ... هنا تسمرت الزوجة فى مكانها وتلجلجت فى الرد عليه وهى تتمتم ..أصل الفلوس ... أصل الفلوس ..فالتفت الزوج ممسكاً بها "هى الفلوس فين" فردت بخوف ورعب أنها  أعطت منها ألف جنيه سلف لشقيقها.
هنا استشاط الزوج غضباً وقال لها أن عنده مشوار ضروى وهيرجع على طول وعليها إلا تذهب لعملها اليوم وسيكمل كلامه معاها بعد ذلك ......
ارادت الزوجة بفعلتها هذه أن يدرك أهلها أن زوجها تحسنت أحواله  المادية وأن عدم موافقتهم على زواجها منه كان خطأ وأنها كانت على صواب بالتمسك به ... فى البداية لم تكن حالته المادية ترضاها كثير من الأسر ، وقد رضيت أن تتزوجه و تسكن فى غرفة فوق سطح أحد العمارات ، وأنها خلال سنوات الزواج كانت تنفق علي البيت سواء بالرضا أو بالتحايل لسلب راتبها بالكامل، وكان نتاج ذلك وبمساهمة قليلة من الزوج استطاعوا شراء شقة صغيرة فى أحد البيوت القديمة ، وفى الفترة الأخيرة بدأت أحوال الزوج فى التحسن إلى حد ما  شيئاً فشيئاً من عمل لبعض الوقت إلى عمل دائم والذى وفر منه الـ15 الف جنيهاً ......
رجع الزوج قرب الظهر ودخل متجهم الوجه ونادى على أطفاله وتركهم لجارته بعد أن أفهمها أنه بيصفى خلاف مع زوجته ودخل الشقة ورزع الباب بعنف ليدخل الفزع والرعب فى قلب الزوجة ، وبدى عليه وقد جن جنونه وهل سيضربها كما أعتاد أن يفعل ذلك ؟!!... وبصوت خشن فَزع فيها .... فلوسى تتصرفى فيها ليه !!!!!  وأمسك بها محكماً قبضته وقيد يديها بإيشارب وسط ذهول الزوجة ما الذى يفعله معها ولماذا يستقوى عليها إلى هذا الحد ؟!!!! ،  لم تستطع المقاومة أو الأعتراض إلى أن أكمل فعلته بتقييد قدمها بنفس الطريقة ثم رفسها رفسة عنيفة أوقعتها على الأرض وأخذ يركل بقدميه يميناً ويساراً فى أنحاء جسدها كله........ وهى صامتة لا تصرخ صراخ مسموع... تبكى  بكاءاً حاراً بصوت أنين من الوجع إلى أن نفرت عروق جبهتها ورقبتها.... ولم يقابل هذا صدى يذكر وكأن أذن من طين وأذن من عجين ، وبالرغم من ذلك لم ترحم من العذاب، ومعاقبتها بالضرب وهى التى أعطت الآف الآف من الجنيهات دون انتظار المقابل أو الرد .... وتَركها لفترة ، ثم عاد لجرمه مرة أخرى وبنفس العنف والغل يملىء قلبه ..... ولا تستوعب عقولنا ونحن نرى أن أزواج من المفترض أن تربطهم المودة والأحترام والحب والتراحم ..... وكأننا نبحث عن شيء فُقد فى ظل السيطرة المادية على كل حياتنا ..... ولم تجد الزوجة قلباً وعقلاً مستقبلً لما تقول وأن شقيقها سيرد الألف جنيه قريباً..... فالأحساس نعمة لم تعد موجودة عند الزوج وهو يكمل ضربة وركله....... إلى أن سكنت حركتها وجسدها النحيل .
وهنا فاق الزوج واقترب منها محاولاً حراكها دون جدوى ، فأنتفض مسرعاً إلى جارته لتنجده دون جدوى .... وتم طلب الأسعاف بعد فوات الأوان وفى مشهد مأساوى فاضت روح الزوجة ولم يتحمل جسدها الضرب المبرح ولم تتحمل روحها الإهانة وماتت آثر أنفجار فى الطحال وكسور بالقفص الصدرى وكدمات ونزيف حاد بالجمجمة .....  وكان مصير الزوج أشد عقوبة لضرب أفضى للموت بالسجن 15 عاماً ، ولم تشفع تواسلاته للمحكمة بأن يتركوه من أجل أطفاله ولم يدرك أن الضرب قد يؤدى للموت وأن بمنطقه ومعتقداته البالية أنه يؤدب زوجته لأنها فعلت شيئاً دون أذنه  ...............
وفى النهاية بعد هذه الحكاية الصادمة ... والتى كانت تقرأ فى أخبار الحوادث وتحدث فى مستوى اجتماعى معين فقط ، ولكن حسب آخر إحصائية للمجلس القومي للمرأة أن نحو ثمانية ملايين سيدة مصرية يتعرضن للعنف و86%  من الزوجات يتعرضن للضرب.
لذى علينا أن نتأمل مفهوم المساواة بين المرأة والرجل حتى لا نجد أفكاراً تتخشب عند مفاهيم وأفكار بالية انتهت صلاحيتها فى الكثير من بلدان العالم . فالزوجة ليس عليها الرضوخ والاستسلام للزوج من موقف الأضعف ، وأن مشاركتها فى الأعباء داخل الأسرة له احترامه وتقديره وعليها أن تسمع من الزوج كلمات الأمتنان والتقدير لتعبها بكل بصوره ، وعليها رفض العنف من منطق  أن لها كامل الحقوق الإنسانية ، وأن يُحترم عقلها وعملها وعطاءها داخل وخارج البيت ، فكيف تعمل الدولة بجميع مؤسستها الرسمية على تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وفى جميع المجالات .........
ربما يكون هذا الكم من العنف فى هذه الحكاية نتيجة عصبية الزوج المرضية وربما نتيجة النظرة الدونية التى تربى عليها كثير من الأزواج بأن العنف مع الزوجة هو نوع من التقويم وأن الرجولة تبيح له ذلك وأنه الأقوى والمسيطر عليها وأن له اليد العليا ، وربما يرجع إلى اعتيادنا لمشاهدة كم هائل من العنف فى أعمالنا الفنية والكثير منها يشمل مشاهد الضرب والأهانة للمرأة عموماً على الرغم من أن الدور الرئيسى للدراما هو التقليل من القسوة الموجودة فى الحياة ... وهذا كله يجذب ببطء دون أن نشعر نحو القاع لتدنى القيم والمبادىء الإنسانية التى يجب أن تكون دستوراً يتحكم فى أفعالنا ... وربما يرجع إلى .......، وربما ............ ولا يجوز أن عقولنا نتيجة عادات عفى عليها الزمن ان تكون فى مكان آخر فى الوقت الذى تعمل الدولة على حماية المرأة من جميع أشكال العنف خصوصًا أن قضية ضرب الزوجات أصبحت خطرا يداهم الأسرة المصرية ويهدد السلم الاجتماعي.
وعلينا أن نخجل من أن مجتمعنا لا زال يناقش قضايا قد حسمها العالم المتقدم سلوكياً وحضارياً منذ زمن بعيد ...  ويجب أن يُجرم ضرب الزوجة تحت أى وضع وبأى مبرر لأنه فعل منافى للأخلاق وخطأ فادح وسلوك مجافٍ للمبادىء والقيم الإنسانية .
الهام المليجى