خواطر ايمانية

التواضع

تعريف التواضع :
  " التواضع " هو عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس مهما كانوا أقل منزلة منه , وأفضل درجات التواضع هو ما لا يكاد يظهر للغير , وقيل في التواضع : هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته .
  " التواضع " يكون مع الله ورسوله ومع الخلق أجمعين ؛ فالمؤمن يتواضع لله عز وجل بأن يخضع له ولا يجادل ولا يعترض على أوامره ونواهيه برأيه وهواه , ويتواضع مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يستمسك بهديه وسنته فيقتدي به في أدب وطاعة , ويتواضع مع الخلق بألا يتكبر عليهم ويعرف الحد بين حقه وحقوقهم فلا يتعداها مهما كانت درجاتهم , فإذا عرف الحق عاد إليه مهما كان مصدره .
  التواضع نوعان ؛  تواضع محمود : وهو ترك التطاول والإستعلاء على عباد الله والازدراء بهم , وتواضع مذموم : وهو تواضع المرء لذي الدنيا مع التفريط في احترام نفسه رغبة في دنياه , وبذلك يكون التواضع فضيلة بين رذيلتين ؛ الإفراط في الكِـبر والتفريط في احترام الذات .
  عظَّـم الرسول صلى الله عليه وسلم التواضع المحمود ومدحه فقال : ( طوبى لمن تواضع في غير منقصة , وذل نفسه في غير مسكنة ) , فلا ينبغي المبالغة في التواضع لدرجة مذلة النفس .
الفرق بين التواضع والخشوع والكِـبر :
  " التواضع " يظهر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والتي لا بد أن تطابق تلك الباطنة ؛ كتواضع المرء بينه وبين الناس , والتي لا بد أن تتطابق مع الأخلاق الباطنة كتواضعه بينه وبين نفسه .
  " الخشوع " يُـعتبر من أفعال الجوارح , ولذلك قيل : " إذا تواضع القلب خشعت الجوارح ".
  " الكِـبر " هو رفع الإنسان لنفسه فوق قدره .
عاقبة التواضع :
1 – " التواضع" صفة محمودة تؤدي إلى طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس وتنشر الترابط بينهم , وتمحو الكراهية والبغضاء والحسد من القلوب .
2 -  " التواضع " عاقبته رضا الله ونيل الجزاء الأوفى منه لقوله تعالى : [ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ] , ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من تواضع لله رفعه ) .
3 -  " المتواضعون " من المسلمين هم أهل الحظوة عند الله عز وجل وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وقد بلغ من شرف التواضع وعظيم أجره أن جعله الله أول الأوصاف التي يصف بها عباد الرحمن الذين يكرمهم ويستحقون الجزاء والمثوبة منه تعالى لقوله عز وجل : [ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ] .
4 -  " التواضع " سبب من أسباب حب الرعية لقادتهم وحكامهم والتفافهم حولهم , وتشير الأبحاث الحديثة في الدول المتقدمة إلى أن صفة التواضع من العلوم التي يدرسها القادة الحريصون على تعزيز قيادتهم لشعوبهم ومجتمعاتهم , ولقد قال الله تعالى لرسوله الكريم ولكل من تولى أمرا من أمور المسلمين : [ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ] .
كيفية تحقيق التواضع لدى الإنسان :
1 -  الاجتهاد في كشف ومعرفة عيوب النفس وزلاتها لتنقيتها من هذه الآفات وتزكيتها لقوله تعالى : [ قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دساها ] .
2 -  الحرص وتدريب النفس على التواضع لمن حوله والوفاء بحقوقهم ولين الجانب لهم واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم وخاصة الوالدين لكونهم أحق الناس ببره ورعايته .
3 -  أن يحرص على أن يظل بين الخوف من الله تعالى , والرجاء والطمع في رحمته مع تغليب الخوف على الرجاء مع اليقين بما سيلاقيه يوم القيامة [ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ] .
4 -  ترك الشهوات المباحة واللذات الكمالية مع القدرة عليها احتسابا وتواضعا لله تعالى , كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُـخيَّـر من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ) .
5 -  تفقد المرضى والفقراء وخاصة ذوي التعفف والحياء في الطلب ومواساتهم بالمال والتواضع لهم , للبشر ابن الحارث قول مأثور في ذلك : " ما رأيت أحسن من غنيِّ جالس بين يديْ فقير  " .
بعض صور تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم :
1 -  كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله : أي خدمة أهله , ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته , ويخصف نعله ويخيط ثوبه , ويخدم نفسه بنفسه .
2 -  ما كان أحد من الناس أحب إلى الصحابة وأكثر احتراماً وتبجيلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم , ورغم ذلك ما كانوا يقومون له إذا رأوه لِـما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك ولقوله : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد ,  فقولوا عبد الله ورسوله ) .
3 -  كان يتفقد الضعفاء ويزورهم ويشهد جنائزهم ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم .
أمارات تحقق التواضع في المجتمع ولدى الأفراد :
1-  " التواضع " الحقيقي يظهر في تواضع النفس بإقناعها أنها ليست أفضل من غيرها عند الله , بل على الإنسان أن يظن بنفسه التقصير في حقه تعالى والميل إلى الدنيا والخوف أن يكون مقصوده في العبادات الرياء والسمعة , وأن تجره العبادة إلى العُـجب وحب المظاهر , فالتزكية والمقام الديني مرتبط بفضل الله تعالى , وقد قيل في وصف المتقين " فهم لأنفسهم مُـتِّـهمون ومن أعمالهم مشفقون " مصداقاً لقوله تعالى: [ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ] و [ بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلاً ] .
2-   المؤمن الحق الذي امتلأ قلبه بالإيمان هو الذي يعقل ويدرك أن التكبر لا يرفع صغيراً , وأن التواضع لا يخفض كبيراً ,  وأن خفض الجناح ولين الجانب والرفق والرحمة أمور ما شاعت في الأمة إلا كانت سبيل ألفتها , وباعث وحدتها , وكم للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضوان الله عليهم والتابعين والصالحين من الأمة الإسلامية من وقائع في التواضع غدت آيات ومشاهد على ما اتسموا به من أخلاق حميدة انعكست آثارها على صفحة المجتمع فأحالته إلى مجتمع متآلف متواد على نحو ما وصفهم القرآن الكريم في قوله تعالى : [ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ] .
3 -  " التواضع " يؤدي إلى أن يسود الاحترام بين أفراد وجماعات المجتمع مهما تفاوتت حظوظهم من الغنى والفقر ومن القوة والضعف ومن علو أو تواضع المنزلة ولهذا أمر الله رسوله الكريم وكل المؤمنين بقوله عز وجل : [ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ] .
م/ محمد موسى