خواطر إيمانية

الإتقـــــــــــــــــــان

·  قال ابن القيم رحمه الله تعالى : إن الله يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في العبد  فهو عز وجل جميل يحب الجمال ، عفو يحب أهل العفو  كريم يحب أهل الكرم ... ومن صفات أفعاله : " الإتقان " لقوله تعالى : [ صنع الله الذي أتقن كل شيء ] فهو سبحانه قد أتقن كل شيء خلقه ؛ فحسَّـنه وجوَّده وجعله بديعا في هيئته ووظيفته على حسب ما تقتضيه حكمته فقال تعالى : [ إنا كل شيء خلقناه بقدر ] .
·  ولأنه عز وجل يحب ظهور آثار الإتقان على عباده  فقد أمرهم بالإحسان في كل شيء  بل أوجب عليهم الإحسان في أعمالهم التعبدية وأعمالهم المعيشية لقوله تعالى : [ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ] .
·  ولما كان " الإتقان " هو الإحكام وتجويد الشيء وإحسانه  فقد أصبح " الإتقان " من المطالب الشرعية ومبـنَـى الدين فيما أمر في جميع القضايا الإيمانية  ومثال ذلك أمرُ الرسول الكريم للمؤمنين بالإحسان حتى في ذبح البهائم فقال صلى الله عليه وسلم : ( وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) .
·  الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده " الإتقان " في كل شيء من أعمالهم  والمراد بالوجوب هنا أن يكون بمعنى الندب المؤكد  ويكون الوجوب في كل شيء بحسب قدره  فحق على المؤمن ألا يأتي بشيء من أعماله إلا صحَّـحـه وكمَّـلـه وبذلك يُـقبل ويكثر ثوابه إن شاء الله تعالى وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) وهذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم يشمل أي عمل لأن ذكر العمل في الحديث الشريف في صيغة النكرة " عملا " يفيد العموم .
·  إذا كان " الإتقان " مما يتنادى به البشر في مختلف المجتمعات والثقافات المعاصرة في قضايا التخطيط والتنفيذ فإن الإسلام جاء بذلك من قديم  قال فقيه من السلف الصالح : لا يكن همُّ أحدكم كثرة العمل فقط , ولكن همُّـه في إحكامه وتحسينه وتكميله .
·  قال تعالى : [ كتاب أحكمت آياته ثم فـصلت من لدن حكيم خبير ] أحكمت : أي أتقنت وأُحسنت , فالإتقان إذاً هو مما بُـنيَ عليه الدين وهو ما على المسلم أن يعوِّد نفسه عليه .
·  ومجالات " الإتقان " متعددة , نراها في كثير من العبادات فمثلا في الوضوء يقول الرسول الكريم : ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسمه ) وفي الصلاة يقول الحق عز وجل : [ وأقيموا الصلاة ] والإقامة تتضمن الإتقان والإحسان والإتمام .
·  وكما أن على المسلم " الإتقان "  في أعماله التعبدية فإنه مُـطالب أيضا " بالإتقان " في أموره الحياتية  ومثال على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له جارية فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ... ) .
·  العلم لا بد فيه من " الإتقان " لمن أراد التعلم وذلك بمراجعة الحفظ والفهم والتدبر  ويحصل ذلك بالنظر والمطالعة والمذاكرة على يد أهل العلم  ثم يقوم المتعلم بالعمل بما علم و " الإتقان " في طلب العلم يستلزم البدء بالأصول والقواعد قبل فروع هذا العلم فقال العلماء : " من لم يتقن الأصول حُـرم الوصول "  فمن طلب العلم في أي فرع من فروع الدين أو في الأمور المعيشية فعليه البدء بإتفان أصول هذا العلم والإلمام بمختلف جوانبه لإحكام عملية الطلب وفي هذا قيل أيضا : " من رام العلم جملة ذهب العلم عنه جملة " .
·  قال الحق تعالى لنبيه داود عليه السلام : [ أنِ أعمل سابغات وقدر في السرد ] أي أن على نبي الله داود عليه السلام الإلتزام  " بالإتقان " في عمل الدروع فيجعلها سابغة أي : كاملة حتى تفي بالغرض منها وهو حماية المقاتل من ضربات الرماح والسيوف وأن يقدر في السرد : أي يعتني بتشكيل الحلقات ويدخلها ببعضها بشكل لا يجعل الدرع عائقا لحركة المقاتل .
·  وكما أن " الإتقان " مطلوب في الأعمال فإن " الإتقان " مطلوب أيضا في إختيار الألفاظ في كل ما ينطق به المرء وبدرجة لا تقل عن الإتقان في الأعمال إذ أن المرء سيُـحاسب على كل ما يلفظ به لقوله تعالى : [ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ] . 
·  ويحذرنا الإسلام من خطورة الكلام بدون تفكير ويأمرنا بالتثبت وإمعان النظر فيما قد ينتج عن الكلمة من مسئولية  فبكلمة يدخل الإنسان في الإسلام وبكلمة يخرج منه والعياذ بالله  وبكلمة ينعقد  النكاح ( الزواج ) وبكلمة الطلاق ينفرط عقد الزواج ... وفي ذلك يقول الحق تعالى :  [ ... إذ تلقَّـونه بألسنتكم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ] .
·  توعد الله تعالى من يخالفُ قولُه أفعالَـه فقال جل وعلا : [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ] وقوله صلى الله عليه وسلم : (... وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) .
·  فعلى المرء العاقل تحري " الإتقان " في أعماله وأقواله لينال رضا الله تعالى ويتجنب سخطه , وينال شفاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ومرافقته في الجنة  وينال محبة الناس وودهم  وصدق الله العظيم القائل : [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ] .
  محمد موسى