خواطر ايمانية

الأمل واليأس

يعيش الإنسان بين قوتين تتجاذبانه : الأمل واليأس.
من الملاحظ أن كلمتى " الأمل " و" اليأس " تعدان من الكلمات التى شاع إستخدامهما , الأمر الذى يدعو إلى تحديد هذين المفهومين عن طريق تحديد المعنى اللغوى والإصطلاحى لكل منهما , مع الإشارة إلى الألفاظ القريبة من كل منهما .
إن الإنسان المتدين يؤمن بوجود قوة عليا حكيمة تسيطر على الكون وتديره ولا يصدر عنها إلا الخير لأن كل ما يصدر عنها يهدف إلى غايات محمودة وهذه يتماشى مع المفهوم القرآنى للأمل الذى يتلخص فى أن على الإنسان أن يحيا بالأمل وعلى الأمل وذلك نابع من حسن الظن بالله ومن الثقة بالفرج من الله تعالى إذا ألمت به الأزمات والنكبات حيث تقترن الثقة بالفرج بالإيمان كما يقترن اليأس من روح الله بالكفر .
هناك كلمة يقترب معناها من كلمة " الأمل وهى كلمة " الرجاء" الذى هو نقيض اليأس , وقد ورد ذكر الرجاء فى القرآن الكريم بمعنى : توقع الشئ وفيه مسرة كما قال الحق تعالى : " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " وقوله تعالى : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " .
ومن معانى " الرجاء " أيضاً : سكون القلب بحسن الوعد , وقيل : الرجاء هو الثقة بالجود من الكريم الودود , وقيل : توقع الخير ممن بيده الخير .
كما تحدث العلماء أن هناك مفهومان للرجاء : الرجاء فى قبول التوبة مع العمل الطيب , فذلك مستحسن فى حين أن رجاء المغفرة مع الإصرار على المصيبة يعد رجاءً كاذباً وكذلك هناك فارق كبير الرجاء والتمنى فالتمنى هو أن الشخص الذى لا يعمل ويتكاسل يسمى متمنياً وهذا شئ مذموم لقوله تعالى : " ينادوهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور " وكما قال صلى الله عليه وسلم : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى " .
إن التمسك بالأمل يعتبر من الأساليب الناجحة فى علاج النفوس , حيث شبه بعض العلماء الأمل بشعاع من النور يخترق ظلمات اليأس , فالتمسك بالأمل يعتبر من الوسائل المهمة فى حل المشكلات الإجتماعية للأفراد فإذا كان بث الأمل فى نفس الإنسان الذى يعانى من بعض الأزمات يعد من أهم السبل التى تساعده على إجتيازها فإن هذا الأمر ينطبق كذلك على المجتمعات التى تعانى من الأزمات ومن ثمرات الأمل المحمود أنه يمكن أن يمدها الأمل بالأفكار البناة التى تساعد على إجتياز المشاكل والأزمات ومن ثمرات الأمل المحمود أنه يكون دافعاً إيجابياً للسلوك الفاضل وعمل الخير مصداقا لقوله عز وجل : " فمن كان يرجو لقاء ربع فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"
إن الأمل يرتبط بالتفاؤل الذى هو تغليب الظن فى تحقق الفرج من الله تعالى فيغلب الشعور بالسعادة على الشقاء لدى الإنسان ومن علامات المتفائلين أنك ترى لهم قوة فى يقين وصبرا فى شدة فهم لا ينكرون وجود الشر ولكنهم مع اعترافهم بوجودة لا ييأسون من التغلب عليه ولا يقنطون من رحمة الله تعالى .
أما ارتباط اليأس بالتشاؤم فإنه يظهر فى تغليب توقع الشر على توقع الخير والشقاء على السعادة فى الوجود وما يؤدى إليه ذلك إلى توقع الشر فى كل أمور المتشائمين ولهذا المذهب نتائج أخلاقية مذمومة : منها اليأس من إمكانية الإصلاح والإنصراف فى العمل والميل إلى الفردية وإذا تمكن هذا الشعور من أى شخص فقد يؤدى به إلى الإنتحار .
من الكلمات التى يقترب معناها من كلمة " اليأس " هى كلمة " القنوط " وهى تعنى فى اللغة : اليأس من تحقيق الخير أو شدة اليأس من الشئ وقد ورد لفظ القنوت بهذا المعنى فى القرآن الكريم فى قوله تعالى  : " قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " وقوله عز وجل : " ... قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " .
إذا أمكن إعتبار أن الأمل هو أحد دوافع السلوك الإيجابيى للإنسان على المستويين الدينى والأخلاقى فإنه يمكن فى مقابل ذلك أن طول الأمل يعتبر دافعاً لسلوكيات سلبية – ربما تعد من أمراض النفوس – لما تتميز به من الإحساس بالعجب والكبر ومن أهم الأسباب المؤدية لأمراض النفوس -: طول الأمل فى الأمور الدنيوية وتقصير الإنسان أو تسويفة فى التوبة عما اقترفه من آثام ف حق الله تعالى أو فى حق العباد ناسياً أو متناسياً أن الأجل الذى حدده الله عز وجل فإذا قوى الخوف من المعالجة بالموت ضعف التسويف عن التوبة ويتضح ذلك من قول الحق تعالى : " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون " ومن قوله صلى الله عليه وسلم : " يهرم ابن آدم ويشيب وفيه خصلتان : الحرص على المال وطول الأمل )
وعن على رضى الله عنه قوله : " إنما أخشى عليكم اثنين : طول الأمل واتباع الهوى , فإن طول الأمل ينسى الآخرة وإتباع الهوى يصرف عن الحق "
مما سبق يتضح أن الامل سلاح ذو حدين : فهو من جهة قد يساعد الإنسان على إجتياز أزماته عن طريق الثقة فى عناية الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى لا يريد بالإنسان إلا الخير واليسر , وهو من جهة أخرى قد يؤدى بالإنسان إلى تسويف التوبة مما يورده مورد التهلكة , فعلى الإنسان الإقتصاد فى التمسك بطول الأمل حتى لا يقع فريسة اليأس الذى يؤدى به إلى أضرار دينية وخلقية وإجتماعية ولا يبالغ فيه حتى لا يباغته إنقضاء الأجل قبل التوبة .
وعلى هذا فعلى الإنسان النظر إلى الأمل بمنظار الفضائل الخلقية التى هى بمثابة العدل بين طرفين كلاهما رذيلة .
م.محمد موسى