الواحة

قصة ابن جرير والشيخ الكبير

كنت فى مكة فى موسم الحج فرأيت رج? من خراسان ينادى ويقول : يا معشر الحجاج ، فقدت كيسا فيه ألف دينار ، فمن رده إلى جزاه الله خيرا فقال له شيخ كبير: يا خراسانى بلدنا حالتها شديدة ولعل هذا المال يقع فى يد مؤمن فقير يطمع فى عهد عليك ، لو رد المال إليك ، تمنحه العشر ، مائة دينار ، فلم يرض الخراسانى قال ابن جرير فوقع فى نفسى أن الشيخ الكبير قد وجد كيس الدنانير فتبعته حتى منزله فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول لها وجدت صاحب الدنانير و? يريد أن يجعل لواجده شيئا ، و? بد لى من رده فقالت له زوجته : يا رجل نحن نقاسى الفقر معك منذ خمسين سنة ، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمى ، وأنت تاسعنا ، ? شاة لنا و? مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعى ، وأكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك أو يقضى الله دينك يوم يكون الملك للمالك فقال لها: أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمرى ، وأحرق أحشائى بالنار بعد أن صبرت على فقرى ، وأنا قريب من قبرى ؟! ? والله ? أفعل قال ابن جرير فأنصرفت وأنا فى عجب من أمره هو وزوجته ، فلما أصبحنا فى ساعة من ساعات من النهار سمعت صاحب الدنانير ينادى مرة أخري فقام إليه الشيخ الكبير وقال : يا خراسانى جد على من وجد المال بشئ حتى ? يخالف الشرع ، فه? أعطيته عشرة دنانير فقط بد? من مائة ، يكون لهم فيها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة فقال له الخراسانى ? أفعل وأحتسب مالى عند الله قال ابن جرير ثم أفترق الناس وذهبوا ، فلما أصبحنا فى ساعة من ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادى مرة أخري فقام إليه الشيخ الكبير فقال له : يا خراسانى ، قلت لك أول أمس أمنح من وجده مائة دينار فأبيت ، ثم عشرة فأبيت ، فه? منحت من وجده ( دينارا واحدا ) !! يشترى بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف ا?خر شاة يحلبها ، فيسقى الناس ويكتسب ، ويطعم أو?ده ويحتسب قال الخرسانى ? أفعل ولكن أحيله على الله ، فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ، فلم يهنأ لى بال منذ أن وجدت هذا المال يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ، فنبش ا?رض وأخرج الدنانير وقال : خذ مالك ، وأسأل الله أن يعفو عنى ، ويرزقنى من فضله فأخذها الخراسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال : يا شيخ مات أبى رحمه الله وترك لى ث?ثة آ?ف دينار ، وقال لى : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ، فربطتها فى هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق ، والله ما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى هنا رج? أولى بها منك ، فخذها بارك الله لك فيه ، وجزاك خيرا على أمانتك وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقولرحم الله صاحب المال فى قبره ، وبارك الله فى ولده، قال أبن جرير وبعد ستة عشر عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ، وماتت زوجته وأمها وا?ختان ، ولم يبق إ? البنات ، فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء ، وذلك لما أنتشر خبر ص?ح والدهن فى ا?فاق ، فكنت أنزل على أزواجهن ، فيأنسون بى ويكرمونى حتى توفاهن الله ، فبارك الله لهم فيما صاروا إليه .
أحمد السعدي مدير العلاقات العامة فرع جنوب الوادي