الواحة

النهر الخالد

فى جلسة عائلية قبل ساعة من إفطار رمضان أخذ الجد يحكى لحفيدته ذات 13 عاماً بعد أن سألته هل عروس النيل حكاية حقيقة عند الفراعنة وهم يشاهدون فيلم "عروس النيل "لـ لبنى عبد العزيز ورشدى اباظة كيف كان المصريين القدماء يعتبرون النيل آله الخير و شريان الحياه ويقدسونه وينتظرون كل عام للإحتفال بفيضانه و كانت تزرع الأرض بأنواع المحاصيل المختلفة إلا أن حدث فى أحد الأعوام أن عصى النيل أن يفيض بمياهه فتوقفت صور الحياة عند المصريين ، هنا أقترح الكاهن على الملك أن النيل يريد الزواج فتاهفت الفتيات الجميلات على الزواج من إله الخير ... ووسط الاحتفالات والمراسم كانت الفتاة المختارة راضية سعيدة وهى ترمى نفسها فى مياه النيل .... وبعد عدة سنوات لم يتبقى غير ابنة الملك ووحيدته فحزن الملك وخادمته حزناً شديداً وفتق لذهن الخادمة المخلصة بأن صنعت عروساً خشبياً طبق الأصل من ابنة الملك وزينتها بأروع ما يكون وأخفت أبنه الملك فى مكان ما بعيدة عن الأعين ... وجاء وقت الاحتفال هنا أصرت الخادمة أن تلقى العروس الخشبية فى النيل وبعد الاحتفال مرض الملك لفقدانه ابنته فأضطرت الخادمة أن تقول له الحقيقة ....... وبعدها استمر الاحتفال بعد ذلك بالقاء عروساً خشبية  ..... ... وأبتسم الجد لحفيدته وهو يدندن عليها ابيات من قصيدة النهر الخالد للشاعر محمود حسن اسماعيل وغناء عبد الوهاب
مسافر زاده الخيال.. والسحر والعطر والظلال
ظمآن والكأس في يديه.. والحب والفن والجمال
شابت على أرضه الليالي ..وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الديارا .. ويسأل الليل والنهارا
والناس في حبه سكارى.. هاموا على شطه الرحيب
آهٍ علي سرك الرهيب.. وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب ........
وهنا لاحظ الجد أن حفيدته بَدى عليها الملل لعدم فهمها للقصيدة وأشار لها إنها لا زالت صغيرة فبادرته بقولها أن مدرس العربى أعطاهم موضوع "أهمية المياه فى حياتنا " وكان عليهم أن يستعينوا بالأنترنت فى كتابة الموضوع واستعرضت الحفيدة قوة معلوماتها أمام جدها بقولها أن أكثر  من 40 دولة على مستوى العالم تعانى من نقص حاد فى المياه ونصف هذا العدد فى قارة أفريقيا ، وأن 2 من 3 أشخاص سيواجهون مشكلات الجفاف وندرة المياه بداية عام 2025  لأن المياه ستكفى 35% من سكان العالم وطبعاً الدول الفقيرة هى الدول التى ستكون أكثر معاناة وتكمل الحفيدة كلامها وسط اندهاش جدها من غزارة معلوماتها ، أن نصيب الفرد فى انجلترا 150لتر يومياً بينما نصيبه 10 لتر فى الأماكن المحرومة للشرب والطعام وكل احتياجته الأخرى وقاطعها الجد  بقوله  .... الحق فى الماء هو الحق فى الحياه فالماء هو أساس الحياة........  
واكملت الحفيدة حديثها بمفاجأة أن الأباء والأجداد هم السبب فيما سوف يعانى جيلها والأجيال القادمة من ندرة وعوز حقيقي للمياه نتيجة صور إهدار المياه العذبة وبالذات فى القاهرة الكبرى وهذا الكلام على لسان مدرس العربى الذى قال لهم أن الفرد فى القاهرة الكبرى يستهلك 400 لتر يومياً فى حين أن المعدل العالمى 200 لتر برغم هذا الكم من الأهدار توجد مناطق عديدة فى مصر فى حاجة شديدة لنقطة المياه .
*********************
 
وعددت الحفيدة صور إهدار المياه فى حياتنا اليومية ، وأنها ترى والدها يترك المياه جارية إلى أن ينتهى من حلاقة ذقنه وأن جيلها لم يعلمهم أحد أن يغلقوا المياه أثناء غسل أسنانهم وأنها تتذكر والدتها وهى تملء حوض الأستحمام ليلعب صغارها في فترات  الصيف ، وتتابع كلامها أليس من الأوفر استخدام الدش  ونركب رؤوس الرشاشات التي توفِّر المياه التى تستهلك 75% فى الأستحمام من إجمالي كمية المياه المستعملة في المنزل .... ولماذا نرى فى بيوتنا ظاهرة "الحنفية" التى يتسرب منها المياه ليل نهار دون أن يسعى أحد لإصلاحها ؟!!!  .... وغسل الخضروات والأطباق بطريقة غير اقتصادية ..........  وهنا قامت الحفيدة ناحية الشباك ونادت جدها وأشارت لأسفل ناحية عدد من المحلات التجارية وهى ترش الأرض بخرطوم المياه مما يضر طبقة الأسفلت ويعجل بتهالكها ، ونبهت جدها أن هذا الخرطوم هو ما يستخدمه البواب فى غسيل السيارات يومياً ومنها سيارة جدها وكنا نستطيع أن نستبدل للتوفير الخرطوم بـ "جردل" للمياه ......  ولماذا لا يتم كنس الأرصفة والسلالم بدلاً من إزالة الأوساخ بمياه الخرطوم ... وعلينا أن نزرع النباتات التي تتحمل الجفاف لتقليل استهلاك المياه وتجنب ري النبات أثناء درجات الحرارة العالية في ساعات النهار ....  ونضع غطاء على أحواض السباحة لتخفيض نسبة تبخر المياه منها لأننا نعتبر من البلاد الحارة  ونملأ أحواض السباحة بكمية من المياه أقل من المعتاد ............. واستند الجد على حفيدته عائداً لمقعده سارحاً وموافقاً على ما قالته ... نعم لم نعمل حساب المستقبل فقد تربينا على هذه العادات جيل وراء جيل ولم يخطرعلى أذهننا أنه سيأتى يوم تكون المياه هى الحرب القادمة بين البلاد ... وأن مشكلة سد النهضة وما سيترتب على ملئه خلال عدة سنوات من نقص لحصة مصر من المياه التى انخفض نصيب الفرد إلى ان أصبحنا تحت خط الفقر المائى و هى أحد المشكلات التى تواجهنا وعلينا التعامل والبحث عن مصادر بديلة من تحلية لمياه البحار ومعالجة مشكلة مياه الصرف الصحى لتصلح لإستخدامها فى الزراعة وعلينا أن نفيق و نغير من سلوكنا وأنفسنا وعلى الدولة أن تطبق منظومة الكهرباء والتى جعلت المواطنين يحافظوا على الاستهلاك حرصاً فى عدم دفع فاتورة عالية بعد تقسيمها إلى شرائح تصاعدية ،  وأن نحمى النيل ونجرم من يلوث مياهه ليستعيد مكانته الحقيقة عندنا .....  ولما لا نفعل ذلك ؟!  فمصر هبة النيل ... وهو النهر الخالد ............  وهنا حان أذان المغرب وتجمعت عائلة الجد من الأبناء والأحفاد أيذاناً بموعد الأفطار وأمسك الجد كوباً من الماء متأملاً وداعياً أن تظل مصر هبة النيل .............  
الهام المليجى