الواحة

الصحة والفراغ

كنا فى جولة لزيارة بعض الأقارب وأولى الأرحام للتهنئة بمناسبة العيد ,وأثناء مرورنا بأحد الأحياء الجديدة حول القاهرة لفت انتباهى ما ظننت أنه سوق كبير تتلألأ فيه الأضواء واجهاته من المريا والزجاج قلما نرى مثله فى عواصم الدول الغنية فسألت من معى ماهذا  السوق ؟ فقيل لى إنه ليس سوقاً وإنما هو مجمع ( مول ) للمقاهى والكافتريات ليمضى  فيه الشباب أوقاتهم وهنا وهنا تمنيت ان يلحق بالمول مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب في مختلف التخصصات من اجل ان نرفع نسبة الأمية الثقافية لدينا ولا أقول أميه القراءة والكتابة فقد جاء ترتيبنا فى ذيل الأمم من حيث عدد الكتب التى يقرؤها الفرد فى العام فكان نصيب الفرد عندنا أقل من نصف كتاب بينما بلغ نصيب دول مجاورة أكثر من عشرة كتب يقرؤها الفرد فى العام الواحد وهنا نتذكر قول رسولنا الكريم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) وهنا نذكر بنعمة الفراغ والأوقات الضائعة من أعمار شبابنا , أما الصحة فلها وقت آخر إن شاء الله تعالى .
يقول الخبراء – وكما ورد فى التقارير التى تنشرها الهيئات العالمية المتخصصة عن مستوى الثقافة فى دول العالم  أن مصر تحتاج إلى أكثر من مائة ضعف من المكتبات الموجودة لديها حالياً لكى تحتل ترتيبا متوسطاً وليس متقدما بين الأمم فى المستوى الثقافى بدلاً من المقاهى والكافتريات والإستماع بالشيشة وإضاعة الوقت فى متابعة برامج التواصل الإجتماعى التى تخضع لتوجيهات جهات من المستحيل أن تتفق مصالحهم مع مصالحنا ناهيك عن البرامج الكرتونية التى يشاهدها أطفالنا بما تدعو له من شئ الأخلاق وبأحط العبارات والألفاظ حتى يألف أطفالنا القبح ويصبح لهم منهاجاً وكأن عقول أطفالنا وشبابنا أصبحت حمى مباحاً بدون حارس ولا رقيب سأل شباب أحد العلماء عن السر فى إتاحة خدمات المواقع الالكترونية لنا بدون مقابل فقال له : أعلم أنه إذا أتاحت لك هذه الجهات الخدمة مجاناً فإنك أنت الثمن المطلوب ونصحه بعدم التوغل فى هذه المواقع إلا للضرورة مع الحذر الشديد لأنها مملؤة بالفخاخ المموهة بالشعارات البراقة وتخفى فى ثناياها السم فى العسل.
أقول لكم من له علاقة أو ولاية على تربية النشئ سواء الآباء أو المعلمين أو المسئولين عن إدارة شئون البلد أذكر هؤلاء جميعاً بموقفهم للحساب بين يدى الله يوم الحساب لأن الشباب هم أهم مصادر قوة البلد الفاعلة وإضاعة أوقاتهم وصحتهم فيما لا يفيد هو إهدار لأهم موارد البلد التى تحتاجها للتقدم فى جميع مجالات الحياة .
للتنبيه على الأضرار العائدة على الأمة من إهدار طاقة الشباب أشير إلى ما قاله الكاتب الأمريكى " صمويل هنتنجتون " فى كتابه الشهير " صراع الحضارات وإعادة تشكيل العالم " الذى يبرر الحرب المعلنة على العالم الإسلامى بأن الحضارات الغربية وتشمل أمريكا الشمالية وشمال أوروبا وإسرائيل يجب أن تسود العالم إلا أن هناك حضارتان تعترض هيمنة الحضارات الغربية على العالم وهما : الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية ( الكونفوشيوسية )
وحيث أن الحضارة الغربية لا تستطيع مواجهة هاتين الحضارتين معا فيجب التركيز على الحضارة الإسلامية الآن وإخضاعها أو إزالتها ثم تنفرد بالحضارة الصينية بعد ذلك .
يعدد هنتنجتون المخطط الإستراتيجى مصادر القوة لدى الحضارتين المتصارعتين : الغربية والإسلامية فيقول أن مصادر القوة لدى الحضارة الغربية هى المال والسلاح وأورد فى كتابه تفاصيل الأسلحة الرهيبة التى تمتلكها دول هذه الحضارة أما دول الحضارة الإسلامية فإن مصدر قوتها فى تقديره وأرجو أن تنتبهوا جيدا هو إرتفاع نسبة الشباب بين سكان هذه الدول لأن الشباب هو القوة الحقيقية الفاعلة فى أى مجتمع .
وأشير هنا إلى تصريح فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن مليارات الدولارات يتم صرفها من هيئات ومنظمات عديدة لمحاربية الأديان ونشر الإلحاد بين شباب العالم وخاصة شباب الأمة الإسلامية وهنا أعود لأحذر كل من له علاقة بتنشأة الشباب وأسألهم ماذا أعددتم للإجابة على سؤال الله لهم يوم الحساب عن هذه الطاقة المهدرة فى المقاهى وأماكن اللهو .
نحن فى بلد يخوض حرباً شرسة من أجل البقاء وفى صراع مرير ضد الضغوط الداخلية والخارجية للهروب من ذيل قائمة الدول فى مجال الثقافة والإكتشافات العلمية وبراءات الإختراع حيث تحتل مصر مرتبة مرتفعة بين الأمم فى نسبة الأمية وأخطر ما فيها انتشار التسرب من التعليم بين الأطفال فهل لا تستطيع الوزارات والهيئات المختصة بنشر ثقافة توظيف هؤلاء الشباب والإستفاده من طاقتهم  وإستخدام المدارس بعد ساعات الدراسة ومقار قصور الثقافة فى مشروع جدى لمحو الأمية .
وليعلم  الجميع أننا مسئولون كل حسب موقعه لقوله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " فيقوم كل مسئول بواجبه حتى نتقدم ونحتل المكانة اللائقة بين الأمم .
أخيراً ندعوا الله العلى القدير أن يحفظ شبابنا من كل سوء وأن يوفق ولاة أمورهم فى توجيههم لما فيه خير البلد وإلى ما يرضى الله تعالى .
مهندس محمد موسى