الواحة

متى يصبح الأٌسطى مديراً ؟

انتحار طالب بالثانوية العامة لصعوبة امتحان اللغة الإنجليزية بالشنق بأن لف ستارة داخل الحمام حول رقبته ولأنه سبق له الرسوب فى العام الماضى ترك رسالة لأبيه بالدعاء له وعدم الحزن عليه ......  انتحار طالبة لصعوبة امتحان الفيزياء بإلقاء نفسها من أعلى كوبرى بالمنوفية وجارى البحث عن جثتها ........ هذا قليل من كثير نقرأه بصفة مستمرة على صفحات الجرائد فى هذا الوقت من كل عام خلال ايام الإمتحانات وعقب نتيجة الثانوية العامة .
ماذا نحن فاعلون بأبنائنا وبأنفسنا أيضاً ؟ لماذا الثبات "على قديمه" دون الأخذ فى الإعتبار ما يحدث فى العالم من تطور حضارى وثقافى وإقتصادى لمجتمعاتهم ..... الحكاية تبتدى من البيت حيث يكون الهدف هو حصول الأبن على الوظيفة الميرى ويبقى موظف قد الدنيا ، فقد تربينا تحت شعار  "إن فاتك الميرى .. اتمرمغ فى ترابه" ، وأن قمة وغاية الحلم أن يلتحق ابنائنا بإحدى كليات القمة ، وفى سبيل ذلك تتكبد ميزانيتها الآف الجنيهات لتحقيق الأحلام والطموحات التى تلاحقنا سنوات وسنوات  حتى يتحقق الأمل وهنا نهدأ ونعلق الزينات ابتهاجاً وفرحاً ونقنع أنفسنا اننا نجحنا فى تحقيق الرسالة على أكمل وجه  .... ويا ويله يا سواد ليله لو نزل لمستوى كليات التجارة والأداب ، .....  هنا تكون فرحتنا ناقصة ... أصل ابننا الخايب لم يقطع نفسه ويأكل الكتب أكل .....
·  نحن نعتقد أن الشهادة الجامعية هى البوابة لضمان الوظيفة المحترمة والجلوس على مكتب ورسم طريق المستقبل للوصول لأعلى المناصب .... يبدأ الشاب حياته العملية منتظر مرتب كل شهر ... وبعد كام سنة شغل مع عمل جمعيات مع زملائه وأحياناً مساعدة من الأهل ويمكن عمل قرض بضمان المرتب لكى يتمكن من أن يتقدم للعروسة المنتظرة وكله ثقة انه كامل الأوصاف وعريس لقطة وأى بنت تتمناه...  ليه؟!  لأنه موظف بمرتب ثابت هنطمع فى أكثر من كده أيه !!! ورحلته تستمر فى الحياة كما تربى واعتاد فى بيت أهله يمشى بحسابات من سبق بالمسطره وكلما صعد فى وظيفته تزداد أعبائه من التزامات وزيادة عدد افراد أسرته وتلبية متطلباتهم وعام يسلم الآخر والعيال تكبر وعليه الفعل نفسه ... إلا يقصر فى واجباته ويتحمل ميزانية وأموال طائلة للدروس الخصوصية أملاً وحلماً فى مكافأة نهاية الخدمة التى يقدمها الأولاد له ، وإعطاء الجائزة الكبرى بشهادة ثانوية عامة بدرجات ومجموع يرفع الرأس وهكذا تعاد الكٌره ، يسلمها أجيال وراء أجيال ............
·  وعندما يفكر أحد الأبناء أن يلتحق بالتعليم الفنى سواء إجباراً أو اختياراً.... فأنه سيبدأ حياته العملية سواء مهنة حرة أو فى مؤسسة ما ، يظل فى عمله ، ثابت فى مكانه يتحرك ببطء السلحفاه كل 10 سنين درجة ... وعند الزواج لا يحق له التقدم إلا فى مستواه التعليمى وقد تقف أمامه بنات كثيرات يردن الزواج بما هو أعلى علمياً .. ولما لا !!! ...... هنا نجد القتل العمد للطموح المشروع ، لأنه طريقه مسدود مسدود.. يبحث عن بوصلة السكه والطريق ...... أولى الخطوات من الصفر .. ماشى ، وبعد الصفر فى واحد .. واثنين .. وثلاثة..... ولأقصى السلم ... عايز يصل لفوق فى القمة ... يَكد ويتعب ، ساعده هو رأس ماله يعمل بعيداً عن المكاتب المكيفة ، يتعرض للشمس الحارقه والبرد القارس دون شكوى أو إحساس بالوجع  .... كانت أحلامه كبيره ، وقفت وانكسرت أمام عمل فى مؤسسة بمرتب يزادد بالتيله وكلما تعب ووهن جسمه يقول يا بشر نظره للغلبان ، عايز تغيير فى عيشتى وحياتى ..... وعندما يتملكه اليأس ،  يدعو الله فى كل صلاته ألا يسلك الأبناء نفس الطريق معتبراً أن جريمته الكبرى هو اختيار التعليم الفنى سواء طوعاً أو كرهاً. 
*******************
·  الحل إذا اردنا إصلاح منظومة التعليم فى بلدنا ، أن تقوم الدولة بالنظر فى مشكلة عدم أقبال الطلاب على التعليم الفنى طواعية ، علينا هنا مساواة درجات القبول بين النظامين العام والفنى والمساواة أيضاَ فى الفرص المتاحة للنظامين بعد الحصول على شهادة إتمام المرحلة الثانوية ، ويكون الطالب مؤهلاً تماماً فكرياً وثقافياً وعلمياً بأن يتم الإعداد لمناهج منقحه موضوعة بعناية ومطابقة لأحدث النظم التعليمية المتبعة فى البلدان المتقدمة ، والإبتعاد عن الحشو الغير مطلوب والذى لا يستفيد الطالب منه غير إهدار للوقت والطاقات ، فلا يقاس العلم بالحجم ولكن بالكيف . وليكن التعليم العام خاص بالمواد الإنسانية والإدارية والتعليم الفنى خاص بالمناهج العلمية ، وهكذا يتأهل الطالب فى النظامين للدخول فى سوق العمل ، ويحق للطالب فرصة الإلتحاق بالجامعة فى أى عام مهما مر على شهادته من سنوات بعد أن يجتاز إمتحان قبول ، وهنا نرحم بهذا الإجراء كاهل الأسرة من مصروفات سنوات الجامعة لأن الأبن دخل سوق العمل مبكراً وأصبح مسئولاً عن نفسه من الناحية المادية ، وعلينا وضع قواعد عادلة لنظم الأجور بين المهن المكتبية والإدارية والمهن الفنية .
·  ونتاج للإجراءات السابقة سوف تتغير نظرة المجتمع ونعطى الحرية الكاملة للأبناء فى اختيار نظام التعليم الذى يرغب فى دراسته طبقاً لميوله وإحساسه بقدرته على النجاح والإبتكار فى هذا المجال ، والنتيجة شيئاَ فشيئاَ ستختفى صورة الشخص المجبر أن يعمل ما لا يرغب فى عمله ، بل يعمل ما يحب أن يعمل فيه ، فعلينا أن نواكب الدول المتطورة فى نظرتها المحترمة لصاحب المهنة أى كانت ، ويحضرنى هنا ما قرأته عن  "دى سيلفا" الذى جعل من البرازيل أحد دول العالم الصاعدة إقتصادية ، وكان يعمل ماسح للأحذية وفى ورش السيارات ، وفى أمريكا لم يعترض "اوباما" على عمل ابنته الصغرى "16 عام" فى أحد مطاعم السمك ، تكتب و توصل الطلبات للزبائن ، وأن السباك فى بريطانيا يعمل بالساعة ويمتلك فيلا وسيارة ....... وعندما تنتهى مجتمعاتنا من أى غضاضة أو دهشة أن الأُسطى فلان أصبح مديراً فى مؤسسته ، هنا نكون قد وصلنا لبداية الطريق الصحيح .......
الهام المليجى