خواطر إيمانية

قيمة العمل

-  يقول الحق سبحانه وتعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" , أى أنه : عز وجل لا يقبل من أعمال عباده إلا ما كان مسبوقاً بنية العبادة والإخلاص له تعالى وفى قوله : " هو أنشأكم من الأرض وإستعمركم فيها " أى : كلفكم بعمارتها , فإنه سبحانه وتعالى جعل عمارة الأرض ضرباً من العبادة التى خلق الإنسان من أجلها .
-  شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يقوم الإنسان بعمارة الأرض ومن أجل ذلك سلحه بالعلم الذى به يستطيع أن يقوم بهذه المهمه " وعلم آدم الأسماء كلها " وسخر له الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأعطاه الملكات والقوة التى بها يستطيع تطبيق النظريات العلمية فى العمل فأصبح على الإنسان التسلح بالعلم والعمل للقيام بما كلفه الله من أعمال يستفيد منها البشر وكل ما يدب على الأرض من خلق الله تعالى .
-  يقول الحق سبحانه وتعالى : " إعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادى الشكور " فهذه الآية الكريمة تبين لنا أن شكر الله يكون بالعمل بالجوارح فى مقابل الحمد الذى هو عمل قلبى فشكر نعمة المال : الإنفاق وشكر نعمة العلم : التعليم وتطبيق النظريات العلمية فيما ينفع البشرية ويؤدى إلى ازدهار الحضارة وشكر نعمة القوة والمقدرة البدنية : الجهاد فى سبيل الله والعمل على إعمار الأرض .. وهكذا فكل نعمة من نعم الله يكون شكرها بالعمل الصالح المناسب لكل نعمة أنعمها الله عينا لنكون جديرين بالاستخلاف الذى خلقنا الله تعالى من أجله .
-  واستعمار الأرض الذى كلف الله به الإنسان لا يتحقق إلا بالعمل والجهد والسعى فى الأرض بحثاً عن خيراتها فى الجبال والبحار وتمهيد الأرض واستزراعها وعمل كل ما فيه مصلحة للعباد , فعلى الإنسان أن يسعى لتحقيق مشيئة الله تعالى بما وهبه من قدرات إختصه بها وحده دون غيره من المخلوقات .
-  يقول صل الله عليه وسلم : " طلب الحلال جهاد فى سبيل الله وإن الله يحب العبد المحترف " ويقول عليه السلام : " باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى بطن الأرض , فيرزق الله كل عبد على قدر همته " ويقول أيضاً :" من بات كالا من عمل يديه أمسى مغفور له ) .. فمن هذه الأحاديث الشريفة وغيرها يبين لنا الرسول الكريم أن إيمان العبد لا يكتمل إلا بالعمل الصالح , وقد وردت كلمة العمل الصالح فى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة نكرة غير معرفة لتفيد عمومية الأعمال لتشمل أعمال العبادات وأعمال الكسب الحلال الذى به تتحقق عمارة الأرض.
-  أقبل رسول الله صل الله عليه وسلم من غزوة تبوك فاستقبله سعد ابن معاذ رضى الله عنه فصافحه النبى ثم قال له : ما هذا الذى اكتتبت يداك ؟ فقال : أضرب بالمر والمسحاه فأنفقه على عيالى , فقبل النبى يده وقال : هذه يد لا تمسها النار أبداً وفى رواية : هذه يد يحبها الله ورسوله .
-  لـ بيان قيمة العمل وأنه من أجل العبادات فى الإسلام لأنه امتثال لأمر الله تعالى للإنسان بعمارة الأرض وصنع الحضارة عليها من أجل ذلك حذر الرسول الكريم من التواكل بحجة التفرغ للعبادة حيث رأى صل الله عليه وسلم رجلاً يتحامل على الناس فسأل عمن يرعاه , فقالوا: كلنا يا رسول الله , فقال صل الله عليه وسلم : كلكم خير منه .
-  قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : " إنى لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً , لا فى عمل الدنيا ولا فى عمل الآخرة ... الوقت عمار أو دمار ) معنى كلمه " سبهللاً " : الرجل الفارغ لا شئ معه ويمشى سبهللاً : أى يجئ ويذهب فى غير شئ وهى تشبه كلمه " سبها على الله" التى أسأنا استعمالها كثيراً .
-  العمل الصالح الذى كلف الله تعالى به عباده المؤمنين يشمل جميع الأعمال النافعة للإنسان فى دنياه وآخرته ونافعة لكل ما يدب على الأرض من مخلوقات فبذلك يكون العمل المطلوب من المؤمن ليس أى عمل بل هو العمل المنتج المفيد ولن يكون منتجاً ولا مفيداً إلا إذا كان عملاً تاماً متقناً بإخلاص , مبنى على العلم , حيث يقول صل الله عليه وسلم : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
-  إذا نظرنا  إلى الفرق بين الدول المتقدمة وغيرها من الدول المتخلفة حضارياً فى عصرنا هذا نجد أن أهم ما يميز الدول المتقدمة هو إهتمام شعوبها وإخلاصهم فى العمل وأخذهم بأسباب التقدم مثل إتباع أفضل السبل فى الإدارة وتطوير أساليب العمل والإختراعات العلمية فهل يليق بنا نحن المنتسبين للأمة الإسلامية بتاريخها العريق وحضارتها التى أنارت العالم عدة قرون هل يليق بنا أن نعيش عالة على ما تنتجه الحضارات الأخرى بما يستتبع ذلك من هيمنتهم على مقدراتنا فأين نحن الآن من قول الحق تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فلنبادر أمماً وأفراداً إلى تغيير منهاجنا فى العمل والإدارة والأخذ بأسباب التقدم المعروفة للكافة فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
-  شئنا أو أبينا نحن نعيش عصر العولمة الذى تحكمه قواعد السباق إلى قمة العالم فلا مكان فى الصدارة لمتكاسل أو متقاعس عن العمل الجاد ولا عذر للدول المتخلفة فقد أتاح النظام العالمى الجديد للدول النامية الفرصة لتحسين أوضاعها وأعطاها فترة سماح كافية لتوفيق أوضاعها بتطبيق قواعد الجودة فى إدارة شؤنها  وفى منتجاتها لكى تدخل حلبة السباق بعد إزالة الحواجز الجمركية والحماية لمنتجاتها , فمن لم يشمر عن سواعد الجد ويطرح الكسل والتمنى بدون بذل الجهد والعمل الجاد فلا يلومن إلا نفسه ولنستحضر وعد الله لعبادة المخلصين الجادين فى العمل بأن يمكن لهم فى الأرض ولنتدبر قوله تعالى : " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى ولا يشركون بى شيئاً " فلنتزود بخير الزاد : التقوى , فالطريق أمامنا طويل والعقبات كثيرة . ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
 م . محمد موسى