خواطر إيمانية

ما هو الخير وما هو الشر

قبل أن نبدء فى الحديث عن الخير والشر لابد أن نتناول أولاً ما هو الخير وما هو الشر ذلك أن مفهومهما مختلط فى أذهان الكثيرين فالخير هو ما يوصلك لغاية ليس بعدها بعد فالإنسان يولد فى الدنيا ثم يكبر ثم يحصل على الشهادة الإبتدائية والإعدادية والثانوية ويتخرج فى الجامعة وبعد ذلك يحصل على الماجستير أو الدكتوراه ويعيش عمره فى الدنيا ثم بعد ذلك يموت ثم يبعث فإن كان صالحاً دخل الجنة وهذا هو النعيم الأبدى وبعد ذلك لا شئ أى ليس بعد الجنة بعد .
إذاً فالهدف أو الغاية من الحياة هو أن تصل إلى نعيم الجنة وهذه الغاية لا تحصل عليها إلا إذا اتحدت مراداتك مع منهج الله حينئذ  تكون قد وصلت إلى الخير الحقيقى الذى لا خير بعده.
والشر فى عرفنا .. هو كل ما يتصادم مع ما تريده النفس فكل شئ تشتهيه أو تطلبه .. ولا يتحقق أى لا يحدث تعتبره شراً لأنك كنت تريد وتتمنى أن يحدث هذا الشئ ولكنك منعت منه .
فإذا كنت تاجراً مثلاً وتعاقدت على صفقة على أساس أنها ستحقق لك ربحاً كبيراً ثم تغير الأسعار وبدلاً من أن تربح خسرت فى هذه الحالة تعتبر أن ما حدث لك كان شراً فإذا كنت تريد وظيفة ولم توفق فى الإلتحاق بها اعتبرت هذه شراً وإذا كنت تتطلع إلى منصب أو جاه أو سلطان وضاع منك حسبت هذه شراً .
إن هذا يعنى أن الشر فى عرف البشر هو ما يتصادم مع رغباتهم وشهواتهم وأهوائهم بصرف النظر عما إذا كان ما يتمنونه يتفق مع منهج الله أو لا يتفق فالإنسان حين يريد الوصول إلى غاية فإنه لابد أن يعانى فى سبيل ذلك أو يبذل جهداً .
الطالب غايته مثلاً أن ينجح فى الإمتحان ولذلك فهو يذهب إلى المدرسة فى كل يوم ويسهر فى المذاكرة ويتحمل كثيراً ويمنع نفسه من أن يستمتع بسهرة مع أصدقائه أو يشاهد برامج محببة له فى التليفزيون أو يشارك الأسرة فى مناسباتها الإجتماعية ويغلق على نفسه باب حجرته ويظل يذاكر لا ينام إلا قليلاً حتى يصل إلى غايته .
إن التجربة الإنسانية تدلنا على ان الإنسان الذى يعطى نفسه كل ما تشتهى لا يحقق خيراً فى حياته .. لماذا ؟ إنه لابد لكى نحصل على الخير من عمل ومعاناة وتضحية .
فالطالب مثلاً الذى يقضى معظم وقته فى اللعب ويحقق لنفسه كل شهواتها ويستمتع بكل دقيقة فى اللهو إنما يحقق شهوة عاجلة لنفسه ولكنه لن يصل إلى غاية أبداً فيصبح بلا مستقبل وبلا حياة تعطيه العيش الكريم , وكذلك فى كل شئ فى الدنيا فالتاجر إذا لم يتعب فى البحث عن البضاعة الجيدة المعتدلة الثمن التى يقبل الناس على شرائها وإذا لم يتصف بالإمانة والصدق ينتهى بالإفلاس ولا يحقق ما يريد .
معنى الخير المطلق :
وإذا كنا نريد أن نعمل من أجل الخير فالخير الحقيقى هو ما يأتى من الله سبحانه وتعالى لأنه هو الشئ الباقى الذى لا يزول وهو الشئ الذى يزيد ولا ينقص ينمو ولا يقل فكل ما فى الدنيا يقل ماعدا الخير عندالله تبارك وتعالى فإنه يضاعفه أضعافاً مضاعفة .
وهناك مثل يقول : المال خادم جيد وسيد ردئ أى أنك إذا حصلت على المال استطعت أن تحقق به كل شئ هو الذى يشترى لك ما تريد ويأتيك بما تشتهى هذا إذا جعلته خادماً لك ولكن إذا جعلته سيداً لك وكنزته وأصبح هدفك أن تجمع المال من حلال أو حرام .. فإنك تصيرعبداً للمال لا تستفيد منه وإنما هو يسجنك فيحرمك مما تشتهى لأنك لا تريد إنفاق مالك ولا تتمتع به لأنك لا تريد أن تفارقه  .
ومن الضرورى أن تعلم ان المال ليس رزقاً مباشراً بل هو رزق غير مباشر لأنك تشترى به الأشياء ولكنك لا تستطيع أن تنتفع به إنتفاعاً مباشراً كأن تأكله مثلاً ولكى تتضح هذه الصورة أقول لك .. فلنفترض أن عندك جبلين من الذهب والفضة وأنت جائع وعطشان هل تستطيع أن تأكل من جبل الذهب ؟ أو تشرب من جبل الفضة ؟ طبعا لا فإذا جاء أحد من الناس ومعه قربة ماء يريد أن يبيعها لك بنصف جبل الذهب أو تموت عطشاً ألا تعطيه نصف ما تملك ؟ وإذا جاءك إنسان بطعام وأنت تكاد تموت من الجوع وطلب منك نصف جبل الفضة .. أفلا  تعطيه له ؟ طبعاً تعطيه .
إذاً فالمال ليس رزقاً مباشراً لا تستطيع أن تأكله أو أن تشربه ولكنه رزق غير مباشر تشترى به ما تأكله أو ما تشربه أو تلبسه مما قسم الله لك .
إن كل ما يقابلك فى الدنيا إذا أخضعته لمنهج الله كان خيراً وإن أخرجته عن منهج الله كان شراً فالمال إن إستخدمته فى إعانة الفقير والمسكين واليتيم وفى الصالح من الأعمال كان خيراً وأن استخدمته فى الإفساد فى الأرض كان شراً والجاه إن استخدمته فى الإفساد فى الأرض كان شراً والجاه إن استخدمته فى إزالة الظلم وقضاء حوائج الناس والحكم بالحق كان خيرا وإن استخدمته فى ظلم الناس والطغيان والبغى كان شراً والعمر إن أفنيته فى العمل الصالح كان خيراً وإن استخدمته فى إيذاء الناس والعدوان عليهم كان شراً .
وهكذا فإنه لا يوجد معنى مطلق للأشياء ولكن كل شئ حسب استخدامك له .. إن الشر – كما قلنا – يأتى من الإنسان فى الكون حسب وسيلة استخدامه .