خواطر ايمانية

الخصومة

لكى يكتمل إيمان المرء ومروءته عليه الأخذ بمكارم الأخلاق والتحلى بجميل الصفات والبعد عن الصفات والأخلاق المذمومة  ومن هذه الأخلاق المذمومة : " الخصومة " .
المعنى اللغوى لكلمة " الخصومة " :
كلمة " الخصومة " مفردة تطورت من المعنى الأولى لكلمة ( الخصم ) التى تعنى : الجانب من الشئ , وتربط غالباً بمعنى الجانب المعارض  منه . ونجد هذا المعنى كثيراً فى دلالة الخصام على الجدل وقيل للخصمين خصمان لأن كل واحد مهما فى جانب من الحجاج والدعوى .
مادة " خصم " فى القرآن الكريم :
وردت مادة " خصم " فى القرآن الكريم سبع عشرة مرة لم تخرج فى دلالتها عن أنها ارتبطت بالجدل والحججاج أو التقاضى لطلب الحكم أو أن الخصومة وصف لطبيعة الكائن الإنسانى .
ومما ورد فى القرآن الكريم فى هذه المادة :
( ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام)
(خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين )
( وقالوا ءآلهتنا خير أم هو , ما ضربوه لك إلا جدلاً , بل هم قوم خصمون )
( وقالوا لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد )
الخصومة والأخلاق :
جعل الإسلام الأخلاق الكريمة بمثابة الشعار لكل مسلم ترتاح إليها نفسه إذا لامست شخصيته من الداخل , ويرتاح إليه بها الآخرون إذا صارت له شعاراً من الخارج فالأخلاق فى دلالتها على الخير تكون هى تاج العلاء الذى يحكم للمتصف بها أو عليه فى مجال الترجيح والتقدير , وفى ذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
" الخصومة " لا تعنى بالضرورة أن يدفع أحد التخاصمين صاحبه إلى النزوع إلى ما يعد فى مجال الأخلاق قبيحاً , على نحو العداوة والبغضاء التى تفسد علاقة بين الناس بعضهم ببعض فإذا انفصلت " الخصومة " عن هذا النزوع السلبى ( وهو أمر ممكن ) كانت " الخصومة " أمراً مشروعاً لا شية فيها , فللإنسان الحق فى إبداء الرأى وللإنسان حق مكفول فى الشريعة به يستطيع أن يرفع مظلمته إلى القضاء الرسمى أو القضاء العرفى ليسترد ما يعتقد أنه حقه وليرفع الظلم عن نفسه .
أما إذا خالط قلوب المتخاصمين خلق من أخلاق الاعوجاج وترتب على ذلك انحراف فى السلوك كانت هذه المخالطة سبباً قوياً فى انتقاص الشخصية الإسلامية وإضعاف مكانتها الإجتماعية عند الناس .
إذا نزع المتخاصمان او أحدهما إلى سلوك الاعوجاج فى " الخصومة " كان هذا النزوع سبباً قوياً لأن ترتب الشريعة الإسلامية عليه - فى مجال الأخلاق - إزدراء هذه الشخصية من جهة ومن جهة أخرى تجعلها فى جانب والإسلام فى جانب , بحيث تكون فى موقف العداء مع الله تعالى والخصومة مع النبى حيث قال صلى الله عليه وسلم : " أربع من كن فيه كان منافقاً , أو كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر ) وهنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم  قد عد الفاجر فى " الخصومة " فى سلك المنافقين .
إن اللدادة فى الجدال أمر ممقوت فى الشريعة الإسلامية كريه عند الناس وهذا ما أشار إليه الرسول الكريم فى العديد من أحاديثه الشريفة التى لها أصل فى القرآن الكريم كقوله صلى الله عليه وسلم : " وهو ألد الخصام " وقوله : " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " . وهكذا يكون " الخصام " طبعاً سيئا فى نظر الإسلام وتكون "الخصومة " صفة مستهجنة إذا خالطها مرض من أمراض القلوب يجعل صاحبها فى موقف الإزدراء فقد قال صلى الله عليه وسلم :   " كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما " .
جاء فى صحيح البخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال : ( إنما أنا بشر , وأنه ليأتينى الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسن أنه صدق فأقضى له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليأخذها , يتركها) وجاء فى مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أول خصمين يوم القيامة جاران " .
إذا مزجت " الخصومة " بمرض من امراض القلوب ترتب على ذلك سلوك شئ يسيغ للمرء أن يأخذ ما ليس له بحق مع ما فيه من إثم كبير .
روى عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أنه كتب لإبن أحد القادة كتاباً جاء فيه : " .. وقسم أبيك لك الخمس كله , وإنما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حق الله وحق الرسول وذى القربى واليتامى والمساكين  وابن السبيل فما أكثر خصماء أبيك يوم القيامة فكيف ينجو من كثرت خصماؤه ) .
الخصومة فى العصر الحديث :
من الاستعمالات التى شاعت لكلمة " الخصومة " اشتمال معناها على المناقشات الشفاهية والمكتوبة التى تكون بين الأفراد والجماعات حول مسألة من المسائل التى يتنازعون حولها منها الخصومات الأدبية والخصومات السياسية وغير ذلك من القضايا الحياتية فيدلى كل طرف برأيه وحجته وعلى الناقد البصير التمييز بين الصحيح والفاسد من هذه الحجج والآراء وهذه من سمات المجتمعات الراقية ما لم يستجب البعض إلى نزغ الشيطان وأمراض القلوب . أما وقد رأينا قبح اللجاجة واللدادة فى " الخصومة " وإعتبار الشريعة أنها من أمراض القلوب فما أحوجنا إلى أن ننأى بأنفسنا عن موارد الهلاك التى تفضى إليها هذه السلوكيات البغيضة وأن نتذكر دائماً قول الحق تعالى : " لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس , ومن يفعل ذلك إبتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " وقوله عز وجل : " والصلح خير " .
محمد موسى