الواحة

96 ساعه..سي السيد ست بيت

كل الرجالة اتفرجوا أكيد على رائعة نجيب محفوظ قصر الشوق،وشخصية سي السيد وأمينة،وكم كانت أمينة مقهورة أمام جبروت وتسلط سي السيد،وكما شاهدنا هذا النموذج،شاهدنا أعمالاً أخرى تناقش فكرة،ماذا لو تحول الرجل للعب دور المرأة،ومن تلك النماذج الواضحة في شريط السينما المصرية فيلم سيداتي آنساتي،حين لعب الفنان محمود عبدالعزيز دور ست البيت بدلاً عن زوجاته الموظفات، وهناك أيضاً أدواراً قامت فيها سيدات بدور الرجل وغيرها الكثير.
لكن هل قام أحدكم بالقيام بدور زوجته في الواقع؟ هل تحركت من مشاهدة الدراما المكتوبة لتعايش دور الزوجة في منزلك وتتعرف على ما تقوم به من أعمال ومسئوليات؟
أغلبنا لا يقدر دور المرأة،وهناك من الرجال من يطلق الشعارات الرنانة دون أن يعيش عمق هذه الشعارات،ومنا من يرفض ويتعسف اتجاه زوجته ويتهمها دائماً بالتقصير في مسئولياتها،وقد يعرضها للإهانة والعقاب ولا يكتفي فقط بالتوبيخ واللوم.
جرب أن تخرج من دور سي السيد هذا،بدل الأدوار بينك وبين زوجتك،جرب أن تتولى المسئوليات التي على عاتق زوجتك،واجعل آدائك في مقام التقييم منها،وانظر هل ستقوم بها مثلما تؤديها هى،أم أفضل،أم أنك ستقصر فيها،وهل ستلومك على تقصيرك هذا مثلما تفعل أنت؟.
أنا قمت بهذا الدور لمدة أربعة أيام فقط،توليت مسئولية ما تقوم به زوجتي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى،طبخت وغسلت ومسحت وكويت الملابس ورافقت الأولاد للمدرسة ونزلت للسوق... إلى أخر ما يمكن أن تقوم به زوجتي من أعمال،تخليت عن دور الزوج الذي يقوم فيه بدور البنك الممول لشئون الأسرة،ووضعت يدي مكان يد زوجتي في كل شئ،لم يكن ذلك بمحض إرادتي،ولكن لظروف خاصة،وكانت ظروف طيبة،جعلتني أعرف ثقل أحمال الزوجة وما تعانيه من تعب،في مقابل تجاهل الزوج لهذا الدور وتهميشه والتقليل منه.
استطيع أن أقول الآن،بعد أن مررت بتلك الساعات من تلك التجربة القاسية،أن الزوجة تتحمل بالفعل أكثر من 90% من مهام ومسئوليات الأسرة،بل ولا أكون مخطئاً إن قلت أن النسبة أحياناً تصل لـ100%،في ظل غياب كامل للزوج،بسبب ظروف كثيرة،تتحمل تجاهل التقدير وإشعارها بالإمتنان،تتغاضى عن عصبية زوج لا يعرف قيمة ما تقوم به من انجازات،ورغم كل ذلك تكمل المشوار برضا كامل وهدوء وتحمل،بل وبابتسامة رقيقة وتلبية لمزيد من واجبات الزوج دون ضجر أو سخط أو اعتراض.
لقد كنت أنتظر وأنا في قلب التجربة موعد انتهائها،وحين انتهت تنفست الصعداء،ومسحت جبيني وسجدت لله شاكراً أني لم أخلق امرأة،كان اليوم يمر كثواني بلا شعور بالوقت،كل الوقت مملؤ بالسعي المتواصل لإنجاز الأعمال،لا وقت أضيعه في راحة أو ترفيه حتى يأتي الليل،فأجد السرير يناديني من أجل اقتناص بضع ساعات قليلة أواصل بعدها العمل في الصباح الباكر.
كل هذا كانت تقوم به زوجتي دون أن أشعر،لقد كنت دوماً أشفق عليها وأشعر بتلك المسئوليات،ولكني لم أتخيل مطلقاً أنها أكبر وأقوى من أن نشعر بها،كما يقولون "من بعيد لبعيد" مجرد مواساه بالألفاظ وتشجيع دون احتواء وتفهم حقيقي للمشقة التي تلاقيها كل زوجة في بيتها.
زوجتك لا تحتاج منك إلا كلمة شكراً،جملة رقيقة تمسح بها أرق وتعب يوم كامل من الشقاء حتى تستطيع أن تواصل المسيرة إلى نهاية العمر،يكفيها ابتسامة رضا وقبلة على جبينها وأخرى على يديها اعترافاً بالجميل،لاتكن جافاً دائم التمرد عليها،لا تهاجمها على الدوام ولا ترفع صوتك حين لا تجد شيئاً لم تنجزه لك،هذه ليست رجولة ولا إثبات لشخصيتك داخل بيتك،بالعكس هذا عجز وضعف وعدم تقدير وقلة ذكاء وخبرة.
اعلم أنها تفعل كل ذلك من أجل سعادتك،وحرصاً على مستقبل أولادك،فلا تحرمها التكريم،هى من تقوم بجعل بيتك جنة،تنتظر عودتك في المساء لتحكي لك عن مشاكلها ومتاعبها وتشاركها الرأي والحل،فلا تتجاهلها.
حقاً لقد خلق الله كل شئ لما سخر له،وأعطى المرأة صفات كثيرة تساعدها على تحمل دورها في الحياة،ولا ننكر فضل الزوج ودوره ومهامه الخطيرة،ولكن مع كل ذلك،الزوجة والمرأة بصفة عامة هى حجر الزواية وعمود الخيمة الرئيسي في حياة المجتمعات،وحياة الرجل بشكل خاص،أنا لا اطلب منك إلا كلمة شكراً،وشعور بالإمتنان والتقدير،وهذا ليس بالصعب،حتى وإن كان جهدها قليل وقصرت في بعض الأمور،قل دائماً لها شكراً،حتى وإن أهملت في هيئتها وملابسها،فقد أهملت في ذلك بسبب مسئولياتها اتجاهك واتجاه بيتك،فقل لها شكراً.
شكراً لكل زوجة،تحارب من أجل أسرتها وبيتها،فدورك لا يمكن تعويضه،ولا يمكن مكافآتك عليه إلا من الله عز وجل،وشكراً لله على أنه وهبك الصبر والعطاء من أجلنا.
اعترافاً بالجميل شكراً زوجتي.
وفقي فكري