الواحة

ضع الكوب وخذ فاصل

كم يعيش الإنسان ؟ خمسون ، ستون ، سبعون ، ثمانون أوحتي مائة عام؟ كل ذلك يمر بلمح من البصر وكأنه يوم واحد قضاها علي سطح الكرة الأرضية يجري وتجري وراءه همومه ومشاغله ، يلهث وراء مصالحه وتلهث وراءه أنفاسه ، وفي النهاية يتوقف عن السعي ويسكن عن الحركة وفجأه  تختفي كل الهموم والمشاغل وتذوب تلك المصالح ويظل مابقي له من عمل صالح أو طالح . لقد أعجبتني حكمة أراد أحد المعلمين تعليمها لتلاميذه في الفصل،حين أمسك بكوب ممتلئ لنصفه بالماء،ثم قال لهم،هل يعلم أحدكم كم وزن هذا الكوب؟ فأجابه بعضهم نحن لا نعلم كم وزنه،فقال لهم المعلم،وأنا أيضاً مثلكم لا أعلم وزنه ولكنها بالتأكيد ليست بالوزن الثقيل ، هل إن حملتها لخمس دقائق هل سترهقني؟ فأجابه التلاميذ بالطبع لا،قال وإن حملتها لمدة ساعه؟ فأجابوه بالتأكيد ستشعر ببعض الإرهاق وستشعر ببعض الألم ، فقال وماذا إن حملتها لمدة ساعات متواصله ؟ فردواعليه بالتأكيد ستشعر يدك بالتعب وربما يصيبك تمزق في الأربطة وقد تحدث لك مضاعفات كثيرة، فقال لهم وماذا لو حملتها مدي الحياه ؟ فقالوا لن تستمر لأنك ستموت بالتأكيد من التعب ، فأبتسم قائلاً فتلك هي هموم الدنيا،من حملها قليلاً ثم ألقاها فلن يشعر بأي تعب،لكن إن حملها الإنسان طول حياته فستقضي عليه حتماً .
كنت محقاً يا معلم،هموم الدنيا لا تترك من يتمسك بها وتظل تصارعه حتي تقضي عليه،علي الرغم من أنها قد تبدو أبسط مما يتصورها الإنسان،لكنه بحمله لها طول حياته تقضي عليه ويخسر كل شئ وتنتقل الهموم لتتعلق بإنسان أخر مثل الطفل الذي يبحث عن عائل له .
كل ما يتطلبه الأمر أن نترك الهموم التي تثقل كاهلنا وتبطئ من حركتنا، وأن نرتدي نظارة مصغرة ونخلع تلك النظارة المكبرة للهموم لنري الدنيا بجمالها وحلاوتها وببعد نظر يسعي إلي التفاؤل والإقبال علي الحياه .
لقد مثل المعلم لتلاميذه الهموم بكوب ممتلئ لنصفه بالماء ولم يملؤه عن أخره ،حتي يقلل من شأن الهموم،ولنري كما يقولون نصف الكوب،لكن هذه المره ليس الممتلئ،بل الخالي من الهموم .
اترك لنفسك مساحه في حياتك خاليه من الهموم والمشاغل وأملؤه بالهواء المنعش الجميل ، خذ نفساً عميقاً ثم حاول أن تنام وأنت ملقي كل همومك وراء ظهرك ، إبتسم دائماً في كل وجه تقابله وستجد الدنيا كلها مبتسمة لك، ولن تري إلا الألوان المبهجة أينما ألقيت ناظرك ، فهنا ستجد ألوان قوس قزح تغلف السماء،وهاهناك ستري نسمات التفاؤل المقبلة عليك من كل حدب وصوب.
عش حياتك بكل اعتدال ولا تبالغ في السعادة ولا تحاول أن تصنعها،لكن فقط خذ الأمور بكل بساطة وهدوء،افتح صدرك وعقلك لإستيعاب كل الأمور ولا تجزع ولا تخاف من المصائب أو الكوارث، فطالما ظللت تعيش علي الأرض فلن تنجو من بعضها،وفي كل الأحوال ستعبر وستمر كلها فدعها تمر دون خسائر عندك ، بل استخلص منها مكاسب تعينك علي إكسابك خبرة لتقابل بها مايليها من متاعب .
لاتنسي أن تدمر نظارتك المكبرة لكل شئ وارتدي نظارة مصغرة جديدة ، ولا تنسي أن تتوكل علي خالقك في كل شئ واسعي علي قدر حاجتك من الدنيا ولا تلهث وستشعر بالأمان والإطمئنان وستجد نفسك راضية مستقرة بإذن الله تعالي .
حذاري أن تستمر في معركة أنت لست كفء لها فالصراع مع الهموم والمشاغل معركة غير متكافئة تأكل عمرك وتلتهم أيامك وسنواتك وستكون أنت في النهاية صريعها ، الأن وأنت تقرأ هذا المقال خذ نفساً عميقاً ثم أذكر الله وابتسم وحاول أن تتوقف بعضاً من الوقت عن التصارع مع الزمن.
حاول الأن أن تحصل علي إستراحة وضع كوب الهموم من يدك وفكر في أن تسلك اسلوباً جديداً في الحياه ، لا تترك الروتين يصيبك بالجمود والعبوس ، غير من خط سيرك اليوم وحاول أن تنظر إلي الأشياء بشكل وأسلوب جديد ، لا تربط نفسك بنفس النظام القديم ، إنسف العاده اليومية في المعيشة وابتكر عادة لا تكون فيها إعاده ، إجعل مع كل إشراقة شمس إشراقة لذاتك وكن دائماً علي أمل أن القادم أفضل من الذي مضي ، نحن من نصنع الأمل فكن أنت أمل نفسك ، رمم تجاعيد وجهك بإبتسامة التفاؤل وستري مفعول السحر فنحن من نصنع الإبتسامة ونتحكم في بقائها .
إن الهموم تهم أن تقضي عليك فاهرب منها قبل أن تصرعك وتمسك بوصفة الحكماء في التعامل مع الأمور ببساطة ولا تضخمها حتي لا يصيبك العبوس ، وجدد هواء صدرك بشهيق طويل من هواء نقي تروي به ظلمات صدرك وتضئ به جنبات قلبك فتري مالم تره من قبل.
وفقي فكري