خواطر إيمانية

الحرية

·  مفهوم الحرية :

-  ينطوى مفهوم الحرية فى اللغة على معان كثيرة ترجع أغلبها إلى الخلاص من القيود والفك من الأسر .
-  إن حرية الإدارة من الأسس الضرورية فى أى مجتمع لأن الحرية أساس المسئولية فإذا تعذر إثباتها أمكن للمذنبين أن يفروا بذنوبهم .
·  مفهوم الحرية فى الإسلام :

-  الحرية فى الإسلام تعنى التحرر من كل سلطة غير الله تعالى .
-  من أعظم ما حفظه التاريخ عن الحرية كلمة الفاروق عمر – رضى الله عنه: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " قالها عندما عاقب ابن حاكم مصر وأخذ للقبطى حقه وقال له : اضرب عمرو بن العاص فإنما ضربك ابنه بسلطان أبيه .
-  للحرية فى الإسلام ضوابط وليست حرية منفلتة , بل حرية لا تصادم ثوابت الأمة أو تعتدى على الأديان والمقدسات أو تؤذى مشاعر العامة أو تؤدى إلى العبث بأمن المجتمع .
-  الحرية المطلقة بدون ضوابط تؤدى إلى الفوضى والإضرار بالصالح العام والإعتداء على حرية الآخرين وقد قال المفكرون قديما ً " إن حريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين "
·  مصادر الحرية فى الإسلام 
 أولاً القرآن الكريم :
لقد احتوى القرآن الكريم على المبادئ الرئيسية الكبرى كما احتوى على القيم الخلقية لسلوك الفرد تجاه نفسه وتجاه الآخرين أفراداً وجماعات وفيه آيات كثيرة محكمة عن الحرية ومن هذه الآيات :
1-  آيات صريحة دالة على حرية الإختيار وإضافة العمل إلى العبد ( ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
2-  تعليق أعمال العباد على مشيئتهم ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
3-  آيات دالة على إنكار من نفى المشيئة عن نفسه ثم أضافها إلى الله تعالى (وقالوا لو شاء الله ما عبدناهم )
4-  قصص القرآن الكريم الدالة على أخبار الأمم البائدة وعقاب الله لهم على ظلمهم ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا )
5-  اعتراف المشركين والفاسقين يوم الحساب أن سوء أعمالهم راجع إلى اختيارهم ( قالوا لم نك من المصلين . ولم نك نطعم المسكين )
6-  آيات دالة على أن الحساب يوم القيامة سيكون حسب العمل ( ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد )
يسخر القرآن الكريم من المقلدين الذين ينساقوا وراء غيرهم دون وعى وعاب على من أسلم عقله وتنازل عن حريته فى الإختيار للأغلبية أو لأصحاب النفوذ وهو موقف يتنافى مع موقف الإنسان الحر الذى يعى الخير ويفعله ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا )
 ثانياً : السنة النبوية :
لما كانت السنة النبوية تفسيراً وتوضيحاً لمعانى القرآن الكريم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس كافة إلى الإيمان ولم تكن دعوته إجباراً أو قهراً ولا سلباً لحرية الإنسان فى أن يختار عقيدته فيقول الحق تبارك وتعالى : ( لا إكراه فى الدين )وكذلك أمره تعالى إلى رسوله الكريم بأن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن )
كان مسلك النبى صلى الله عليه وسلم فى أفعاله وأقواله وتقريراته أكبر مثال على تأكيد الحرية الإنسانية فى الإسلام وكانت حياته هى الصورة الفعلية والحياة المثالية التى تجسد مبادئ الإسلام وقيمه
أمرنا  الرسول الكريم بعدم الإتباع الأعمى بغير تفكير وتدبر وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا )
ثالثاً : علم أصول الفقه ( استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية ) :
تناول الفقهاء مسألة الحرية وتتبعوها فى النصوص الدينية وإختاروا منها ما يؤيد ضرورة توافر الإدارة الحرة أو القصد الحر للأعمال التى تقع تحت التكليف ومن هنا وجدناهم يربطون بين العمل وبين النية والقصد وإلا أصبح العمل فى رأيهم عملاً مجرداً لا يربطون بين العمل وبين النية والقصد وإلا أصبح العمل فى رأيهم عملاً مجردا لا يقع تحت التكليف كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال النيات )
كما أن الفقهاء يخرجون من التكليف أفعال المجنون والنائم وكذلك الأفعال الصادرة عن الخطأ والنسيان على أساس أنها أعمال لا يتوافر فيها القصد والنية بمعنى الحرية الواعية لقوله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبى حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يعقل ) .
كما يخرجون من مجال التكليف تلك الأعمال التى لا يطيقها الإنسان لقوله تعالى : ( فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم عليه ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )
·  الحرية فى الفكر الإسلامى :
-  إن فكرة إثبات حرية الإنسان ظهرت كرد فعل لاتجاه غير أخلاقى : قوم يأثمون ثم يتحملون على الله ذنوبهم ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك قال الذين من قبلهم ) فاقتضى الموقف الأخلاقى الدفاع عن شرعية التكليف بنفى سلب حرية كل إنسان فى أن يختار الطريق الذى يراه مناسباً له مع تحمله تبعة إختياره وفى ذلك تأكيد للعدل منه سبحانه وتعالى بأن يحاسب كل إنسان على العمل الذى عمله عن اختيار حر ليس مجبراً عليه وليس فوق ما يطيق .
-  أقر الإسلام الحرية وصورها المتعددة  فى الحياة الدينية والفكرية والسياسية والشخصية وظهرت صورها فى الحياة العملية ومارسها المسلمون حكاماً ورعية بإعتبار أن الإسلام لا يكون صحيحاً إلا إذا اكتملت فيه أركان الحرية ولكن لما تغيرت الأحوال بالمسلمين واختلطت المفاهيم الدينية بالأوضاع السياسية ولجأت بعض الجماعات السياسية إلى تأكيد مواقفها بإدخال  عقائد غريبة على المسلمين وأيضاً بتأويل النصوص الدينية بتأويلات توافق مصالحها فأدى ذلك إلى بداي التحلل الأخلاقى بدعوى أن مايحدث من رذائل ليس بالإختيار وإنما هو قدر مكتوب على المذنب ليس له فرار منه 
-  للعقل الدور الأساسى فى المعرفة فالعقل هو الذى يحكم على الفعل بأنه خير أو شر والإنسان لا تكون لديه إرادة حرة إلا بالتحرر من القيود المادية والشهوات كما لا تتحقق حرية الإرادة عند أى إنسان بالحرية النظرية فقط بل لا بد أن تتحول هذه المعرفة إلى عمل وبذلك يكون شرط إكتساب الخلق فضيلة أو رذيلة أن يختاره الإنسان ويفعله بإرادة حرة غير مجبر ولا مقهور على فعلها .
-  لو قال أحد أن الإنسان حر حرية تامة فى أن يختار طريق الهداية أو طريق الغواية لكان مصيباً فى رأيه  من جهة شعور الإنسان بقدراته وإرادته المستقلة بصرف النظر عن المقاومة الداخلية والخارجية التى قد تعيق تنفيذ إختياره ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها )
-  وكذلك فإن الإنسان مسير من جهة أنه مخلوق وأن قدرته من الله تعالى وأن أفعاله تتأثر بمؤثرات كثيرة قد تعيق تنفيذ إرادته ولذلك عبر بعض المفكرين عن موقف الإنسان من الحرية بأنه حر فى ميدان القيود
م / محمد موسى