خواطر إيمانية

السوق الإسلامية المشتركة

·  الإسلام ليس دين عبادة وحسب ، ولكنه نظام شامل لكل نواحى الحياة ، فهو عبادة وقيادة ، دين ودنيا ، روحانية وعمل ، فقد نظم كل نواحى الحياة فى العبادات والمعاملات وفى الاقتصاد والاجتماع وفى السياسة والتربية ، فوضع الأسس والمبادئ وترك التفاصيل لما يتناسب مع كل زمان ومكان – تلك الأسس التى لو سار عليها الإنسان انصلح حاله وتحققت أهدافه ، وعاش فى مجتمع يتمتع بالقوة والسعادة والطهر والأمن والطمأنينة والسيادة .
·  وضع الإسلام أعدل وأحكم سياسة مالية واقتصادية للخروج من المشاكل  والأزمات الاقتصادية التى تواجه الدول والأفراد فرسم الموارد التى تؤدى لبيت مال المسلمين لينفق منها على كافة مصالح الدولة ، ومن ذلك :  - وجه الإسلام الإنسان للاستفادة من الثروات الطبيعية بحرية كانت أو برية ( وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) – وترشدنا الآية الكريمة لعدة صناعات كتعليب الاسماك بأنواعها ، وصناعات المجوهرات ، ووسائل النقل وغيرها  - حث الإسلام على عمارة الأرض ( هو الذى أنشأكم فى الأرض واستعمركم فيها ) – وتشير الآية الكريمه إلى كافة أنواع الإعمار من مبانى وكبارى ومرافق ومحطات مياه وكهرباء واتصالات وغيرها  - فى توازن حكيم قدر سبحانه الأرزاق التى تكفل العيش الكريم الشريف للناس جميعا وكافة المخلوقات الأخرى  دون أن يطغى طرف على طرف ( والأرض مددناها والقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شئ موزون ، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ، وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) ، وتشير الآيات إلى كثير من نعم الله من النباتات والمعادن والثروات والحيوانات والطيور وكلها مسخرة لخدمة ومصلحة وطعام الإنسـان وغـيره ، وحـث على العمل وترشيد الإنفاق ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولـم يقتروا وكـان بين ذلك قواما ) – كما أمر بتوزيع الفائض على المحتاجين ففرض الزكاة ، ولفت الإسلام بصفة خاصة أنظار المسلمين إلى المعادن الموجودة فى باطن الأرض كالبترول ومشتقاته وسائر المعادن فحدد زكاتها بنسبه 20% وتسمى زكاة المعادن والركاز ، والتى لو أخرجتها الدول المنتجة للنفط كاملة كما أمر الشرع لما وجدنا فقيرا محتاجا فى الأمة الإسلامية .
·  إن المتدبر إلى عدالة توزيع نعم الله تعالى على الأمة الإسلامية يجد حكمة بالغة فى توزيع هذه النعم ، فهذا عنده الماء والأرض الخصبة مثل السودان والعراق ، وذاك عنده البترول مثل الدول الخليجية ، وآخر عنده البشر والخبرة والعلم كمصر ، وهناك التفوق النووى فى باكستان ، وهكذا ، فلو اجتمعت هذه الإمكانات وأحسن استخدامها وتوحدت سبل إنتاجها وتوزيعها لاستطاعات الأمة الإسلامية أن تقضى على مثلث الرعب المتمثل فى الجوع والمرض والجهل ، وهذا التكافل فطنت إليه الدول الأوروبية وأنشأت السوق الأوروبيه المشتركة فكان لهم الرخاء وارتفاع مستوى المعيشه الذى جاء على حساب استغلال موارد الدول الإسلامية من خيرات وخامات وموارد لم يحاولوا استثمارها بسبب الفرقة وعدم الوحدة .
·  إن إقامة السوق الإسلامية المشتركة التى تستثمر موارد كل دولة بما يحقق الخير والنماء للجميع إنما هو اتباع لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وإحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما هاجر إلى المدينة المنورة وجد أن المال والاقتصاد والتجارة فى أيدى اليهود ، وكان سوق المدينة يقع فى بنى قينقاع وهو حى من أحياء اليهود وقتئذ ، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى مكان فسيح وضرب فيه برجله الشريفة وقال  ( هذه سوقكم فلا ينتقص ولا يضرب عليه خراج ) أى السوق مفتوحة للجميع دون احتكار أو تلاعب أو استغلال لمكان أو بضاعة .
·  ليس أمامنا الا أن نقتدى بالهادى البشير المصطفى صلى الله عليه وسلم لنخرج من أزماتنا ولا نلجأ لصندوق النقد الدولى ولا المساعدات المشروطة والقروض والديون ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ) خاصة وأن الوطن الإسلامى يمتلك من القوى البشرية والخبرات العلمية والثروات الهائلة ورءوس الأموال الفائضة ما يصلح أساساً لإقامة سوق عربية إسلامية عظمى ،  فلغتنا واحدة ، وديننا واحد ، وربنا واحد ، وحدودنا متقاربة ، ومصالحنا مشتركة ، ومع ذلك سبقنا الغرب إلى هذه التجربة رغم اختلاف عقائدهم وقومياتهم وألسنتهم ومصالحهم
·  إن الاسلام أباح كل نظام استثمارى فيه فائدة للأمة الإسلامية فأباح الشراكة والمضاربة والبيع والشراء والاستثمار فى وجوه المنفعة العامة للبلاد والعباد ، وبالمقابل - وفى هذا السياق -  حرم الله تعالى جميع الأنظمة المالية التى تعطل الدورة الاقتصادية لرأس المال لمخالفتها للشريعة ، فحرم الربا ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وحرم كنز المال ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) ، وحرم السرقة  ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، وحرم الرشوة ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) وحرم اللعب بالميسر ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )، والرسول صلى الله عليه وسلم حرم الغش فقال ( من غشنا فليس منا ) الاحتكار وهو حبس السلعة لرفع الأسعار ( لا يحتكر إلا خاطئ ) ، وحرم غصب أملاك وعقارات وأراضى الغير ( من غصب قيد شبر من أرض طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة )  
·  القرآن الكريم يبين لنا مفتاح الخير والنجاح وتحقيق وسائل الوحدة والتضامن والتكافل وتبادل الموارد والمنافع فى العديد من الآيات ومنها قوله تعالى :-  - ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )   - ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات  ويجعل لكم أنهارا )   - ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )
·   أسأل المولى جل وعلا أن يوفق جميع المسلمين وولاة الأمور لما فيه رضاه وخير البلاد وخير العباد ، وأن يصلح ذات بينهم ويؤلف بين قلوبهم ، وأن يلهمهم الصواب ويرزقهم الحكمة وفصل الخطاب  وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .  
   م . رزق الشناوى