الواحة

صباح . . . و . . . خير

كانت "ريهام" مستغرقة فى نومها العميق تحت غطاء ثقيل خوفا من نفاذ أى تيار هواء ، وذلك على الرغم من غلق جميع الأبواب والشبابيك ……. واذا بصوت منبه الموبايل يرن فى تمام الساعة 6 صباحا ...... فانتفضت مذعورة من السرير وكأنها تسمع هذا الصوت لأول مرة . . وتحسست طريقها لغرفة بناتها "منة و رنا" وأضاءت الغرفة وسحبت الغطاء من على ابنتها الكبري" منة " وأخذت تداعب شعرها وقالت بهدوء "إصحى ياحبيبتى عشان متتأخريش على المدرسة " . . .
وحين لم ترى أى استجابة . . زادت من حدة الصوت . . فانتبهت إبنتها الأخرى " رنا " وردت عليها سريعا "إمشى انتى وأحنا هنقوم وراكى . . مش هنقوم غير لما تمشى" . . وهنا نفذ صبر الأم وفى منتصف الغرفة وقفت تصفق بحدة بكفيها وتقول "أصحواااااااااااااااا أصحوااااااااااا....." فأنتفضت الإبنتان " ماما . . أيه الصوت ده . . أنتى بتخضينا" فتركت الغرفة وهى تهمس كل يوم يارب فى الهم ده ........ !!!!!!!
ودخلت ريهام المطبخ والذى لم يكن بينها وبينه أي عمار . . . وقامت بتنظيف الأوانى التى إمتلاء بها المكان ووضعتهم فى غسالة الأطباق . . ثم انتهت من إعداد سندوتشات المدرسة ، وطبعا كل يوم حاجة مختلفة وإلا هترجع زى ما هيه ... وفى أثناء ذلك تتحرك ريهام ما بين المطبخ وغرفة النوم وفى كل مرة تقول "الساعة ستة ونص ... بقت سبعة إلا تلت . . سبعة إلا عشره . . أنا مليش دعوه . . لو أتأخرتو . . عم محمد هيطلع عينيكم ..... . دقايق وسمعت ريهام والبنات صوت كلاكس عربية مثل كلاكس عم محمد فحملت منة حقيبتها وقالت لـ رنا أنا هنزل ........ هنا اتكهربت رنا وحملت شنطتها والجاكيت فى يديها ووضعت قدميها فى الجزمة وكعبتها من الخلف لتستطيع السير وأخذت الشراب فى جيبها وجرت على سلالم المنزل !!!!!!! خوفاً من أن يلومها عم محمد على التأخير .
وبعد عشرة دقائق كانت الأم قد انتهت من ارتداء ملابسها لتجرى هى الأخرى على السلالم حتي لا يفوتها أوتوبيس الشغل وبعد أن خرجت من البوابة الداخلية للمنزل .... لتسير عدة خطوات فى ممر صغير لتصل إلى البوابة الخارجية ......فإذا بها تري عم محمد لسه واصل فالتفتت إليه وقالت له "صباح الخير يا أستاذ محمد . . أنت متأخرليه النهاردة ...؟؟؟ " . . وبنظرة استنكارية ودون أن يعطيها أى أهتمام ..... صباح الخير يا مدام . . وقبل أن تتركه قالت له الحمد لله العيال بيستنوك فى المعياد " . وتركته مسرعه لتلحق بسيارة عملها وهى تضحك .
يا ساتر عم محمد ده ما بيتغيرش أبداً . . منة فى خامسة ابتدائى ورنا فى تالتة . . ودائما ألمح نظرة القسوة واليأس والفضولية مع البخل والطموح مع الكسل . . هى خلطة متلخبطة على بعض تعطى فى الأخر شخصية معقدة برغم حسن هندامه . . وبقايا شعر مصفف جيدا وهو فى العقد الخامس من عمره .
وفى أحد المرات استوقف ريهام وقال لها " إعملى حسابك أنا بحسب أجازة نصف السنة أسبوعين بس ..... طلعوا أكتر من كده . . مش مسئوليتى . . ردت ريهام : إزاى .....!!!!!!!
يعنى عاوز تاخد أجره عن شهر ما وصلتش العيال فيه....... !!!!!!!! انت عارف يا أستاذ محمد انت بتاخد 1600 جنيه فى الشهر من مجموعة الأطفال الستة فى العربية انت عايز إيه تانى ..... ؟؟ رد :ـ انتى بتعتبرى ديه فلوس . . . !!!!! على فكرة أنا واخد الشغلانه ديه كده تسند شويه . . وبقت دلوقتى مش جايبه همها . . بعد سداد قسط العربية والبنزين والزيت والبوجيهات ....... أنا أصلا مليش فى البهدله .... أنا خريج كلية تجارة وباشتغل فى الحكومة ...... وعندى ولدين الكبير اتخرج من طب والتانى فى كلية التجارة . . عقبال ماتشوفى بناتك . . . . . وتركته ريهام وهى تحدث نفسها " إيه العقد والكلاكيع ديه . . ليه التكشيرة وعدم الرضا والتى أصبحت جزء لا يتجزأ من ملامحه . . بس أكيد إن العقده فى كونه خريج جامعة . . . كارهاً ظروف الحياة التى أرغمته لشراء تاكسى والعمل عليه .
ويفتقد عم محمد المرونة والود فى التعامل مع الناس بما فيهم الأطفال . . ففى الذها ب والعودة من المدرسة يدير الراديو على محطة نشرات الأخبار لا يغيرها أبداً . . ولأن سمعه ثقيل يشغل الراديوعلى قوة صوت 34 . . ويقول "أنا مصدع ومش عايز ولا كلمة ولا نفس " ويد على الدريكسيون والأخرى على الكلاكس وهو ينصت باهتمام إلى صوت المذيع وهو يقرأ الأخبار المختلفة :
* مصر تحذر أثيوبيا : ردنا سيكون حاسما وفى الوقت الذى نحدده .
* سقوط 5 قتلى من إرهابى "بيت المقدس بالقليوبية ".
* اشتباكات بالغاز والشماريخ بين الشرطة وإخوان جامعة القاهرة .
ووسط دهشة الأطفال وعدم فهمهم لما يسمعونه ينظرون إلى بعضهم ، مع ضحكات وهمسات مكتومة . . فى المقابل نلاحظ أن عم محمد يسمع الأخبار منسجما سعيداً . . .وبشقاوة طفولية لكى يستريحوا دقائق قليله من نشرة الأخبار . . تفتح منة حقيبة المدرسة لتخرج الموبايل بهدوء وتشغل نغمة وكأنها رنه . . وتقول بصوت عالى "ايوه ياماما . . . إيه أنا مش سمعاكى . . وهنا على الفور يغلق عم محمد الراديو وتكمل الحديث أيوه أيوه عايزه تكلمى رنا . . . وهكذا تنجح حيلهم فى أخذ قسط من الراحة .............. وعند عودة منة ورنا من المدرسة وعلى صوت واحد . . أنت عارفة يا ماما أن عم محمد ما بيعرفش يمشى إلا بكلاكس العربية . . ولارين اللى بتركب معنا بتسمع صوته من على أول الشارع وتنزل جرى . . وهى بتركب يقولها يلا بسرعة إركبى . . أنا بتكسف أكلكس كتير . . الناس تصحى من النوم يعنى .... وتدعى عليا !!!!!!!!!! وتضحك ريهام مع أطفالها وتقول "انتوا عارفين ، لما بشوفه الصبح بقوله صباح الخير وأنا مبتسمة طبعاً .. يبصلى باستغراب . . وتلاقيه بيفكر . . بتقولى صباح الخير على الصبح وبتضحك كمان .......... يا نهار مش فايت!!!!!!!!
الحياة اختيارات
ناس بتتعب لهدف تحلم وتسعى لتحقيقه ........... قد يكون المال أو المنصب أو الإثنين معاً وتنجح فى تحقيقه ، وهم فريق الفائزين فى الحياة ......... وناس تتأرجح بين العمل والكسل بين السعادة والشقاء .............. وتمر حياتهم هكذا قانعين وغير طامعين إلا براحة البال ....
وآخرين لا يرضوا بحالهم ولا يمتلكوا مقومات التغيير
لكنهم يكتفوا بالنظر للآخرين وما يمتلكونه ............ ودائما لديهم إحساس أن الحياة ظلمتهم
وأن نصيبهم قليل........ وهذا هو فريق الخاسرين فى الحياة
وهذا الفريق هو ما ينتمى إليه عم محمد والذى إكتفى لسنوات طويلة بأنه موظف حكومى قد الدنيا ....... وفضل الحياة التقليدية بدون بذل أى مجهود يذكر . . . ومرت عليه سنوات طويلة . . والحياة تزادد صعوبة ، وهو جالس قابع فى داره يمصمص الشفاه على فلان بيلعب فى كام مليون . . وأخر فى كذا . . وأراد بعد سنوات طويلة أن يتحرك فى الوقت الضائع ، فأشترى تاكسى بالقسط لعل وعسى تضرب معاه . . فأصبح غير راضى عن أى دخل ، ويعتبره ملاميم . . ولكنه لم يرى أن صحته نعمة ...... وأولاده نعمة ........ وتفوقهم الدراسى نعمة ........ وزوجة صابرة وراضية نعمة..........ولكنه أكتفى بالنظر إلى نصف الكوب الفارغ !!!!!!!!!!!!! فطريق النجاح فى الحياة مفتوح لمن يريد ومن يملك مقومات أن ينجح ................
الهام المليجى