أخبار متنوعة

رحلة سياحية إلى معابد الكرنك أهم وأعظم المعابد التى شيدت بمصر والعالم

ماذا يا ترى الذى يجول بخاطر كل منا عندما يشاهد موضوعاً عن الآثار المصرية القديمة هل مجرد الشعور بالاعجاب و الفخر بإنتمائنا إلى تلك الحضارة أم يستتبع ذلك الإعجاب الرغبة فى دراسة علم الآثار المصرية القديمة بشكل أعمق و معرفة الحقبة التاريخية التى ترجع إليها0
إن الحضارة المصرية القديمة لم تكن لتبقى و تنال تلك الشهرة بدون هذا التراث الحضارى الهائل الذى تركه لنا الأجداد و الذى يتمثل فى بناء الأهرامات و المعابد بأشكالها المختلفة و كذلك المقابر التى اختلفت طرق تصميمها طبقا لموقعها أو لغرض دينى إستوجب تنفيذها بطريقة معينة0
هيا بنا نقوم بجولة لواحد من أهم الآثار الفرعونية فى مصر و العالم و هو معبد الكرنك إلا أن التسمية الصحيحة هى معابد الكرنك حيث تعتبر من أعظم المعابد التى شيدت فى تاريخ مصر القديم حيث تربو مساحتها إلى 3 كم2 0
وقد بدأ تشييد معبد الكرنك فى عصر الدولة الوسطى و امتد حتى عصر إلاغريق بمعنى أن معابد الكرنك استغرق بناؤها حوالى ألفى عام و قد خصصت لعبادة الإله أمون رع و قد كان من الضرورى لملوك مصر القديمة أن يقوموا ببناء وتخصيص بعض الإنشاءات للإله أمون رع و هو أحد عناصر الثالوث المقدس الذى يضم زوجته الإلهه موت و الإبن الإله خونسو0
كان من عادة الملوك فى الدولة الحديثة إقامة احتفال يسمى عيد الأوبت حيث يتم خروج موكب كبير تحمل فيه المراكب التى تحمل تماثيل الألهه لعمل زيارة لمعبد الأقصر الذى كان يسمى المقصورة الجنوبية و كان خط سير الزيارة يختلف من عصر لآخر حيث فى بعض الأحيان يسير الموكب من الكرنك الى الأقصر فى طريق الكباش لمسافة 3 كم حيث يبقى الموكب مدة عشرة أيام هناك ثم يعود إلى الكرنك عن طريق نهر النيل
عندما نتوجه إلى الصرح الأول للمعبد نجد أن هناك صفين من التماثيل التى تتكون من جسم اسد و رأس كبش(أحد رموز الإله أمون رع ) و قد نحتت تلك التماثيل من الحجر الرملى و هى تمثل الحماية لمدخل المعبد إلى جانب كونها تشعر من يدخل المعبد بالرهبة و قد نحت رمسيس الثانى اسمه على بعض التماثيل و كذلك نجد اسم الملك "بانجم" أحد ملوك الأسرة الحادية و العشرون على البعض الاخر ثم نتجه إلى مدخل المعبد حيث نمر بين البرجين اللذان يكونان الصرح الأول و الذى بناه أحد ملوك الأسرة الثلاثون و يبلغ طوله 113 م و إرتفاعه 40 م و سمكه 15 م و يمكن للزائر أن يرى خلف البرج الجنوبى بقايا الطمى التى استخدمها المصرى القديم فى عمل طريق صاعد حتى يستطيع الوصول إلى أعلى البرج و من ثم إستكمال البناء0
كذلك نشاهد على الصرح الأول بعض التجاويف التى استخدمت فى وضع صوارى الأعلام أثناء إقامة الإحتفالات الدينية وبعد أن نجتاز الصرح الأول سوف نجد الفناء الكبير المفتوح و الذى يرجع إلى عصر الأسرة 22 و يبلغ طوله 100 م و عرضه 80 م و يوجد على جانبى الفناء من الداخل صف من الاعمدة التى شيدت بواسطة الملك "شيشنق" الأول و كذلك نجد أمامها صف من تماثيل الكباش التى كانت استكمال لطريق الكباش الموجود أمام الصرح الأول و عند تشييد الفناء تم وضعها جانباً0
هذا و قد أطلق على هذا الفناء صالة الإحتفالات أو الصالة الأمامية و على الجانب الشمالى للفناء نجد ثلاثة مقاصير شيدها الملك سيتى الثانى لثالوث طيبة المقدس و قد تم تخصيص المقصورة الوسطى لحفظ مركب الإله أمون رع و اليسرى لحفظ مركب الإلهه موت زوجة امون رع و على اليمين مقصورة الاله خونسو و هو ابن أمون رع و موت ، تلك المراكب كانت تحفظ فى المقاصير حتى يحين موعد الإحتفالات الدينية فيتم وضع تماثيل الألهه على المراكب و السير بها فى موكب مهيب 0
فى جنوب الفناء المفتوح نجد معبد الملك رمسيس الثالث و الذى أقامه من أجل الاله أمون رع و هو يعد نموذج لمعابد الألهه فى الدولة الحديثة حيث يتكون المعبد من الصرح الذى يحمل مناظر للملك و هو ممسك بالأعداء و يقوم بتأديبهم أمام أمون رع و كذلك هناك تمثالان للملك أمام واجهة المعبد ثم يلى الصرح فناء مفتوح يحتوى على ثمانية أعمدة على كل جانب و أمام كل عمود هناك تمثال للملك فى صورته كهيئة الإله أوزوريس إله الموتى و على جدران الفناء المفتوح نجد المناظر التى تمثل موكب الثالوث المقدس و نرى الملك و هو يتقدم الكهنة الذين يحملون المراكب الخاصة بالثالوث المقدس0
وعلى الجدار الغربى يوجد منظر يمثل الإله أمون مين رمز الخصوبة حيث يقوم الملك بحمل المبخرة أمام تمثال الإله ثم نصل الى صالة الأعمدة حيث نلاحظ أن إرتفاع الأعمدة الموجودة فى الممر الأوسط عن تلك الموجودة على الأجناب و نتج عن ذلك الإختلاف فى الإرتفاعات وجود شبابيك إستخدمها المصرى القديم كإنارة طبيعية لصالة الأعمدة 0
ثم نصل للداخل لنجد ما يسمى بقدس الأقداس و هو المكان المخصص لحفظ التمثال الخاص بالإله إلا أنه فى معبد الملك رمسيس الثالث هناك مكان للثالوث المقدس يتكون من ثلاثة مقصورات0
ومن الجدير بالذكر أنه كلما إتجهنا إلى داخل المعبد نجد أن مستوى الأرض يرتفع ومستوى السقف ينخفض حتى نصل إلى قدس الأقداس والذى كان يجب أن يتميز بالسرية والمهابة ولا يجب أن يصل إليه أحد سوى الملك أو كبير الكهنة نرجع مرة أخرى إلى الفناء الكبير فنجد فى منتصفه عمود كبير شيده الملك "طهرقا" أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين وقد كان هناك صفين من الأعمدة لم يبقى منها سوى ذلك العمود0
وفى نهاية الفناء المفتوح نجد بقايا الصرح الثانى الذى شيد فى عصر الأسرة التاسعة عشر وقد بدأه الملك "حور محب" واستكمل فى عهد الملك رمسيس الأول إلا أننا نجد اسم الملك رمسيس الثانى محفور عليه وأمام الصرح على اليسار نجد تمثال ضخم للملك رمسيس الثانى وعند قدمه تمثال لزوجته نفرتارى 0
ثم نتجه بعد الصرح الثانى إلى أحد أهم العناصر المعمارية الفريدة فى مصر ألا وهى صالة الأعمدة والتى تتكون من 134 عمود تتوزع فى مساحة حوالى 5000 م2 تلك الصالة التى نقف أمامها بذهول ونظل نفكر فى الدقة والإتقان الذى إستطاع الفنان المصرى القديم تنفيذ هذا العمل الرائع فنجد أن الممر الرئيسى فى المنتصف يحتوى على صفين من الأعمدة بإجمالى إثنا عشر عمود بإرتفاع 23 متر وقطر يصل إلى 3 م ومحيط العمود الواحد يصل إلى أكثر من 10 متر تلك الأعمدة الإسطوانية أنشأها الملك أمنحتب الثالث وهى تحوى مناظر للملك خلال الإحتفالات الدينية وعلى الأجناب يوجد 122 عمود بإرتفاع حوالى 15 م يعلوها تيجان على شكل زهرة البردى وقد بدأ الملك سيتى تلك الأعمدة واستكملها الملك رمسيس الثانى ويتضح هذا من المناظر الموجودة على الأعمدة ونرى فى الجزء العلوى من الأعمدة بقايا الألوان الرائعة وكذلك إستغل المصريون القدماء الفارق بين إرتفاعات الأعمدة لعمل شبابيك لإنارة الصالة وعلى الحائط الخارجى لصالة الأعمدة نجد مناظر تمثل معركة قادش بين الجيش المصرى والحيثيين والتى إنتهت بإنتصار الجيش المصرى بقيادة رمسيس الثانى وعقد معاهدة سلام لأول مرة فى العالم القديم على جانب آخر نرى إنتصارات الملك سيتى الأول فى آسيا .
بعد صالة الأعمدة نجد بقايا الصرح الثالث الذى شيده أمنحتب الثالث إلا أنه مهدم بشكل كبير وكان يعتبر قديما مدخل لمعبد الكرنك وكان أمنحتب الثالث قد ذكر فى إحدى اللوحات وصف له حيث ذكر أنه كان يصل للسماء مثل أعمدة السماء الأربعة ومعلق به صوارى الأعلام الذهبية وقد عثر العلماء فى داخل حجارة الصرح الثالث على حجارة تخص مقصورة الملك سنوسرت الأول من الدولة الوسطى وقد تم تركيبها وإعادة تجميعها ليصبح لدينا مقصورة رائعة الجمال كانت تستخدم أثناء إحتفالات "الحب سد" وهو عيد دينى يقوم على إظهار قدرة الملك على إستمرار حكمه من خلال بعض الطقوس الدينية إلا أن المقصورة تحتوى على مناظر فى غاية الأهمية حيث تعرض لنا أسماء أقاليم مصر العليا والسفلى ومساحة كل أقليم وكذلك المعلومات عن فيضان النيل مما يوضح نبوغ المصريين القدماء فى علم الإدارة المحلية والفلك والجغرافيا 0
ثم نجد بعد ذلك بعض الحجرات الجانبية التى كانت تستخدم فى حفظ الأشياء المستخدمة فى الإحتفالات الدينية من طعام وشراب وعطور وحلى ثم يلى ذلك صالة قدس الأقداس ويحيط بها بعض الغرف الجانبية ومنها ما يطلق عليه حديقة النباتات التى أنشأها تحتمس الثالث وصور فيها الطيور والحيوانات والنباتات التى جلبها من سوريا خلال إحدى حملاته العسكرية هناك ولا يفوتنا أن نشاهد بين الصرحين الرابع والخامس مسلة الملكة حتشبسوت التى يصل إرتفاعها إلى أكثر من 29 متر والتى يصل وزنها إلى 323 طن وهى مصنوعة من الجرانيت وإستغرق عملها ونقلها من أسوان وإقامتها داخل الكرنك مدة 7 أشهر وكانت هناك مسلة أخرى للملكة حتشبسوت أيضاً إلا أنه تم سرقتها ونقلت إلى روما كما توجد مسلة أخرى أمام الصرح الرابع ترجع إلى عصر الملك تحتمس الأول وتزن 143 طن بإرتفاع 22 متر ثم نرجع لنتجه بين الصرحين الثالث والرابع إلى الجهة الجنوبية لنجد بقية المعبد و أربعة صروح أخرى ليصل إجمالى عدد الصروح فى معابد الكرنك إلى 10 منها 6 فى إتجاه شرق – غرب و 4 فى إتجاه شمال – شرق فنجد المبانى الجنوبية بمعبد أمون ونجد المكان الذى إكتشفت فيه خبيئه الكرنك عام 1902 والتى إحتوت على الآف القطع الأثرية من الحجر والبرونز ثم نواصل المسير جهة الشرق حتى نصل إلى البحيرة المقدسة التى أنشأها تحتمس الثالث وكانت تحوى مقياس للنيل وقد أنشأت البحيرة من أجل قيام الكهنه بالتطهر قبل آداء الطقوس والإحتفالات الدينية وبجوار تلك البحيرة نجد جعران كبير الحجم مصنوع من الجرانيت الأحمر وهو يمثل الإله" خبر" ويبدو أن الملك أمنحتب الثالث قد أنشأه بمعبده بالبر الغربى وتم نقله بعد ذلك إلى الكرنك .
وفى النهاية لا يتبقى الا أن نفكر فى مدى الإجتهاد و التفانى التى تميز به المصريون القدماء بالإضافة الى البراعة و التقدم عسى أن نسير على دربهم فى اتقان العمل وها هو جانب ضئيل من الحضارة المصرية التى أبهرت العالم ولا تزال تبوح عن بعض أسرارها من آن لآخر ليستمر التواصل بين حضارة الأجداد و حضارة الأحفاد .. وفى العدد القادم نأخ>كم فى جولة سياحية أخرى .
إعداد المرشد السياحى أسامة على إدارة العلاقات العامة